العدد 5357 - الأحد 07 مايو 2017م الموافق 11 شعبان 1438هـ

خمسة أشهرٍ بلا راتب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أكثر الأخبار المؤلمة للقلب حين تقرأ عن اعتصام مجموعةٍ من العمّال للمطالبة بصرف رواتبهم التي انقطعت عنهم لعدة أشهر.

قبل سنوات، كانت هذه الأخبار تختص بالعمال الأجانب، وغالبيتهم من الفقراء ممن يؤدون أعمالاً شاقة مقابل رواتب بحدّ الكفاف، غالباً في شركات المقاولات بالقطاع الخاص. أما اليوم فبدأت الشكوى من قبل العمال المواطنين، الذين يواجهون المصير المعتم نفسه، في سوق رأسمالي، لا يرحم ولا يقيم وزناً لحياة أو آلام البشر.

آخر خبر نشر عن اعتصام مجموعة من العمال البحرينيين العاملين بإحدى الشركات، للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة أربعة أشهر، والصور تكشف أنهم شباب في مقتبل العمر، كما تُظهر وجود بعض أطفالهم معهم أثناء الاعتصام أمام بوابة الشركة. وقد كشفوا أنها ليست المرة الأولى التي يلجأون فيها للاعتصام، ولكن في كل مرةٍ يتلقون وعوداً من دون أن تصرف لهم رواتبهم.

المعتصمون تحدّثوا عن تراكم الديون، حتى بات من الصعب عليهم الاستمرار، كما أن مساعيهم للتواصل مع وزارة العمل لم تثمر عن شيء. ولعل الهاجس الأكبر الذي يضغط عليهم هو استمرار معاناتهم في وقت بات شهر الصيام على الأبواب، بما يتطلبه من توفير احتياجات ومصروفات إضافية.

هذه الحالة ليست خاصة، بل تكشف عن وضع هشّ للكثير من الأسر البحرينية، وخصوصاً من العاملين بالقطاع الخاص، بالذات أولئك الذين لا تزيد رواتبهم عن 300 أو 400 دينار، وهم بالآلاف. وهذا المبلغ الذي كنا ننتقد وزيرة التنمية السابقة فاطمة البلوشي لعدم كفايته أصلاً لاحتساب خط الفقر، باتت تتفاخر به وزارة العمل حالياً حين تنجح في توظيف بعض الباحثين عن العمل بهذه الرواتب الزهيدة التي لا تزيد عن «قوت من لا يموت».

اليوم يظهر بوضوحٍ الخلل في التوجّه الاقتصادي العام، وخصوصاً بعد انهيار أسعار النفط الذي كنا نعتمد عليه بنسبة 85 في المئة. بل إن التوجه السابق في خلق المصانع التي توفر فرص العمل للشباب، تم التراجع عنه لصالح أنشطة بيع وشراء الأراضي والمضاربات العقارية، التي تخلق اقتصاداً مزدهراً في الظاهر، لكنه في حقيقته اقتصاد فارغ كالفقاعات، لا يخلق أية قيمة مضافة، ولا يمثل أي شكل من الإنتاج.

في ظل هذا الظرف الاقتصادي الصعب، لا تقتصر المخاوف على الطبقات الكادحة وذوي الدخل المحدود، بل تشمل أغلبية المواطنين، بمن فيهم الموظفون وأصحاب المهن الأخرى، من الطبقة الوسطى التي تلعب دوراً نشطاً في تنمية الاقتصاد وحركة البيع والشراء والبناء والإعمار. فمع تقلص الموازنة العامة والتوسع في سياسة وإجراءات التقشف، بات وضع الجميع هشّاً، وأصبح تسعون في المئة من المواطنين يعيشون تحت هاجس الخوف من المجهول.

المجموعة التي اعتصمت أمام بوابة الشركة التي يعملون لديها، تجد نفسها في العراء، من دون غطاءٍ قانوني أو مظلةٍ تأمينية توفّر لهم الحد الأدنى من العيش. وقصارى جهد وزارة العمل أن تلعب دور الوسيط الذي يحاول أو يحنّن قلب الشركة لصرف الرواتب المتأخرة، أو جزء منها. وهي كانت شريكاً أساسياً في ما وصلت إليه أوضاع العمالة الوطنية، حين استبدلت التشريعات السابقة التي كانت توفر الحد الأدنى من حماية حقوقها بقانون جديد سيِّئ، وتخلّت عن سياسة «البحرنة»، وفتحت الباب لانتشار ظاهرة العمالة العشوائية «الفري فيزا»، وقفت تتفرج على إغراق السوق بهذا العدد الضخم من العمالة الأجنبية من دون حدود أو قيود، وما يسبِّبه من تخريبٍ للاقتصاد وتشويهٍ للسوق.

إنها مآسٍ عامة، يُراد لنا أن نتكيّف معها، فنمر بأخبار اعتصام العامل الوطني، وقبله العامل الوافد، للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة، في سياق اقتصادٍ سياسيٍّ متحجر القلب، من أهون الأمور عليه فصل الآلاف من وظائفهم، وقطع أرزاقهم، وترك عوائلهم نهباً للحاجة والجوع.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 5357 - الأحد 07 مايو 2017م الموافق 11 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 11:33 ص

      شوفوا التقاعد بس وانتوا اتعرفون الفساد المنتشر الراتب 150 أو يعتبرونه إنجاز مهزلة العصر

    • زائر 15 | 7:55 ص

      الله يكون في عون اللي رواتبهم 300 و400 انا راتبي عالي وما يطوف اول اسبوع الا وانا مفلس.. الله يكون في العون

    • زائر 14 | 7:53 ص

      صار لينا خمس سنوات معاناة مع الرواتب كل شهرين راتب وبدون تاريخ محدد

    • زائر 12 | 6:35 ص

      لا تنسون عمال العربية للسكر لحد سبعة شهور ما استلموا رواتبهم ويا ريت يا سيد تكتب مقال عن معاناتهم

    • زائر 10 | 5:38 ص

      مآساة كبيرة
      الاف فصلوا عن اعمالهم وفعلا يُراد لنا أن نتكيّف معها، أخبار اعتصام العامل الوطني، وقبله العامل الوافد، للمطالبة بصرف رواتبهم المتأخرة، في سياق اقتصادٍ سياسيٍّ متحجر القلب، من أهون الأمور عليه فصل الآلاف من وظائفهم، وقطع أرزاقهم، وترك عوائلهم نهباً للحاجة والجوع.

    • زائر 8 | 2:25 ص

      واقع مؤلم فعلاً
      المواطن في بلده يعامل كالغريب

    • زائر 7 | 1:49 ص

      ع الأقل الوزارة تمشي ليهم من فلوس التعطل اللي هم يقطع من راتبهم كل شهر لصالح ضد التعطل

    • زائر 5 | 12:56 ص

      لا توجد حماية للمواطن ابدا .
      ان الاهتمام كله يصبّ على المواطنين الجدد ومن يعملون في بعض الوزارات المعروفة، أمّا نحن فلا ربّ لنا في وطننا

    • زائر 4 | 11:58 م

      ماذا عن المتقاعدين ؟ لا يصرف معاشهم التقاعدي الا بعد شهور من التقاعد!

    • زائر 3 | 11:20 م

      ورغم ذلك الوضع المرعب والهاجس المخيف فإنه لا يوجد اجراء واحد يجعل المواطن في حالة من الطمأنينة بل على العكس وجود كمّ هائل من الأجانب في الأجهزة الرسمية يتصاعد ولا يتناقص حتى تقع البلد في وسط المستنقع

    • زائر 2 | 11:19 م

      بعض هؤلاء العمال لجأ إلى القروض أو إستخدام بطاقات الإئتمان مع مايصاحب هذه الأمور من فوائد تترتب على ذلك مما يزيد الطين بلة فلماذا لا تفعل أموال التعطل لإنقاذ هؤولاء من الغوص في الوحل أكثر إلى أن تحل قضاياهم؟

    • زائر 1 | 10:11 م

      .
      سيد حتى لو تشوف عقود عمل بعض الشركات بتلاقيها مجحفة وغير منصفة بحق العامل او الموظف البحريني . استاذي قبل فترة توظفت في شركة وبعد فترة التجربة جهزو لي للتوقيع عقد العمل مرفق بإستقالة جاهزة من الشركة وخيروني بين ان اوقع على الاستقالة او لن يتم توظيفي .

اقرأ ايضاً