العدد 5362 - الجمعة 12 مايو 2017م الموافق 16 شعبان 1438هـ

شاهدوا التنين الصيني غداً

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

غداً ستشهد الصين حدثاً كبيراً. حدث تشارك أو تتمثل فيه 110 دول، أيّ 57 في المئة من دول العالم. إنه منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي. وهو مشروع ضخم أطلقته الصين في العام 2013؛ لربط قارة آسيا والمحيط الهادئ مع اقتصاديات أوروبا وإفريقيا. وهو أطول ممر تجاري واقتصادي عرفه التاريخ، مدعوم ببنية مواصلات واتصالات تحتية متينة بكلفة تريليون دولار.

لكن من المقدّر أن يمنح هذا الخط عوائد مالية وتجارية تصل قيمتها إلى أزيد من 8 تريليونات دولار بعد أن تتشابك حوله عشرات الدول التي تساوي نسبة ساكنيها 63 في المئة من سكان العالم باستثمارات وحركة نقل تجاري وتنقل بشري.

هذا يعني إعادة صوغ اقتصاد العالم برمته تقريباً. وربما ستنسى أوروبا المليارات الأميركية الثلاثة عشر التي وضعتها ضمن خطة مارشال بعيد الحرب العالمية الثانية (حتى ولو صُرِفَت بتاريخ اليوم كـ 130 مليار دولار) والتي غيَّرت مجرى اقتصاد القارة العجوز لنصف قرن. فحجم الممر الذي تعتزم الصين إطلاقه ومحطاته ونقاط وصوله تكاد تكون أشمل وأوسع من أيّ خطة أخرى.

28 زعيم دولة سيكونون حاضرين ليس بينهم دونالد ترامب ولا شينزو آبي ولا ناريندرا مودي ولا مالكوم تيرنبول ولا توني. الأول يعكس التفكير الأميركي السلبي نحو صعود الصين العالمي. أما الثاني والثالث فيعكسان رغبة التحالف الياباني الهندي لكبح جماح تطلعات الصين في آسيا. بينما ترى أستراليا وسنغافورة وأوروبا الغربية أنهم معنيون جداً كحلفاء بما ترغب فيه واشنطن. لكن آخرين ومنهم حلفاء لأميركا سيشاركون مثل تركيا وباكستان الذين يعنيهم الأمر كثيراً.

فباكستان يهمها كثيراً أن تعيد توازن القوة مع الهند عبر التحالف مع غريم الغريم وتقديم جيبوليتيكها كنقطة ارتكاز في المستقبل الاقتصادي للقارات الثلاث. وتركيا يهمها كثيراً أن تعيد اتصالها العرقي القديم بمناطق الإيغور في الصين كي تلتقي أيديها بهم.

بل حتى دولة كالكويت التي تتطلع إلى تحقيق رؤية حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في تحويل الكويت إلى نقطة ارتكاز مالي وتجاري على مستوى العالم مع حلول عام 2035، جعلها تلتفت جيداً لهذه المساعي الصينية لإنشاء ذلك الممر، وتشارك بوفد كبير يرأسه وزير شئون الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح مباشرة وبوزراء آخرين.

وللعلم فإن طموح الصين لا يتوقف على الجانب الاقتصادي في المشروع فقط، بل هناك جوانب سياسية وثقافية واجتماعية ترغب في أن تدخل فيها وفق ظروف طبيعية بعيدة عن الحروب والصراعات الإقليمية والدولية والتي عادة ما تختلط فيها الأوراق.

وربما كانت الهواجس الأميركية قد تعدّت المسائل الاقتصادية، فهي تهيمن على نصف اقتصاد العالم، لكنها تخشى أن يزيد حضور الصين من الشرق الأدنى إلى منطقة الشرق الأوسط إلى تعزيز الشراكة من الخصوم التقليديين للولايات المتحدة مثل روسيا وإيران، ويجعل بكين قريبة من الملفات التي احتكرها الغربيون طيلة 5 قرون في المنطقة. وهي قضية حساسة جداً.

ولو تتبعنا حثيثاً المسار الذي يمكن لهذا الخط أن يسير فيها، سنرى أنه يقتات على ضعف الأداء السياسي للأميركيين فيه، سواء فيما خصّ مواقفهم العِدائية أو الرمادية. حتى بالنسبة للصراع في بحر الصين الجنوبي والتغيرات التي حصلت في سياسات دول آسيوية مثل فيتنام أو الفلبين، فما تزال السياسات الأميركية غير قادرة على حسم الكثير من الأمور لصالح هذه الدول وتطمينها.

حتى الأتراك الذين ما يزالون حلفاء أقوياء للأميركيين ويمنحونهم تواجداً عسكرياً نشطاً في إنجلرليك ما تزال واشنطن تتعامل بازدواجية مع أنقرة. ففي الوقت الذي تتحدث فيه عن التحالف معهم إلاّ أن سياساتها الأخرى مع الأكراد تسير بشكل معاكس تماماً لمقتضيات ذلك الحلف. وكذلك الحال بالنسبة لمخاوف أنقرة الأمنية من أنشطة لشخصيات تركية تعمل من داخل الأراضي الأميركية. وهو وضع لا يختلف كثيراً لا مع باكستان ولا أفغانستان ولا ربما حتى مع العراق.

مع انعقاد هذا المنتدى بات 40 بلداً قد انتقل من الرغبة في المشاركة في الممر إلى التوقيع على اتفاقات بشأنه مع الصين. والأخيرة بدورها أنشأت صندوقاً فعلياً لتمويل المشروع منذ نهاية ديسمبر/ كانون الأول من العام 2014 ساهمت فيه بأربعين مليار دولار كي تثبت جديتها في المشروع ومضيها قدماً فيه. وهو ما يعني تحوُّل الموضوع إلى ملف مُنجَز فعلاً.

نعم، هناك رغبة صينية قوية لأن تصبح مركزاً في قضايا التصنيع الدولي والإمداد، وإلى دولة ذات داخل متوسط وتصدير الأعمال الصناعية المنخفضة الدخل في الصين إلى عالية الدخل في الخارج « shift Chinese workers into higher-income ones» كما يقول أستاذ الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا هيو هوايت في إحدى مقالاته؛ لكن ما هو معروف عن الصين أنها تعتقد بأن تحقيق الغلبة السياسية لا يتحقق إلاّ من خلال التفوق الاقتصادي، أو على الأقل إقامة شبكات متينة من التعاون التجاري عبر الموانئ وسكك الحديد حول أهم 3 قارات.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5362 - الجمعة 12 مايو 2017م الموافق 16 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:12 ص

      هذه دورة الحياة حضارات سادت ثم بادت وهكذا يقال فهل قتل جاليلو مكتشف دوران الارض اوقف دورانها .

اقرأ ايضاً