العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ

السياحة البيئية... هل هي الحل؟

ظهر مصطلح (Ecotourism) لأول مرة في 1980 (الترجمة العربية المشهورة لها هي السياحة البيئية).

وبدأت منذ ذلك الحين محاولات تعريف السياحة البيئية لتختلف التعريفات باختلاف المعرف وتخصصه ومحور اهتمامه فيما يتعلق بالسياحة البيئية ففي الوقت الذي يركز فيه علماء البيئة والأحياء على أهمية السياحة البيئية في خدمة قضايا البيئة والمحافظة على الأنظمة الحيوية والكائنات الحية لاسيما الحياة الفطرية الأصلية (indigenous species) ركز علماء الدراسات الإنسانية كالإنثروبولوجيا (anthropologists) وعلماء الاجتماع (sociologists) ، والمتخصصين في علم النبات (ethno botanists) على ضرورة وعي السياحة البيئية واحترامها للمجتمعات البشرية القائمة لاسيما الأصلية منها (Indigenous people) فعرفت كل جماعة السياحة البيئية وفق تلك الأهمية والضرورة مسبغة عليها كذلك من أمانيها وأحلامها لما يجب أن تكون عليه هذه السياحة وكل ذلك حدا بالمراقبين للفئتين والباحثين المطلعين للاعتقاد بأن معظم تعريفات «السياحة البيئية» مثالية وتحوي أمنيات ومعايير أكثر منها وصفا لواقع كائن.

أورد هنا أشمل التعاريف وأدقها في وصف عناصر السياحة البيئية مستفيدة من تعاريف عدة كتعريف الـ IUCN ومجموعة من العلماء والباحثين بين 1991و2002:

«السياحة البيئية هي سياحة معتمدة على الطبيعة بأقل آثار سلبية ممكنة على البيئة وعلى المجتمعات الإنسانية المجاورة، وبأكثر فائدة ممكنة للحفاظ على البيئة والحياة الفطرية وحماية موائل الكائنات، وللمجتمعات الإنسانية المجاورة. وتعتبر هذه السياحة مثالا حيا للتنمية المستدامة وفرصة لنشر الوعي البيئي». ومن الأسماء الأخرى التي تستخدم كمعان مرادفة للسياحة البيئية: السياحة المستدامة، السياحة الطبيعية، سياحة الحياة الفطرية، السياحة الثقافية، السياحة العادلة، السياحة المسئولة، السياحة الخضراء، السياحة الأخلاقية.

العناصر الأساسية للسياحة البيئية إذن هي:

1- الطبيعة سواء كانت حيوانا معرضا للانقراض أو غابة بديعة أو شعابا مرجانية يغاص لها أو مستعمرة طيور مهددة.

2- حرص السائح على اتباع السلوك صديق البيئة لتجنب التأثير السلبي على البيئة قدر الإمكان.

3- إطلاع السائح على تراث المجتمعات الإنسانية التي تقيم في جوار الطبيعة (هدف الرحلة) واحترام خصوصيتهم وإنسانيتهم مثلا من خلال التصرفات واللباس والتعامل.

4- ضرورة أن تعود هذه السياحة بنفع مباشر أو غير مباشر على مشاريع المحافظة على هذه البيئة بالذات (بأنظمتها الحيوية أو تنوعها الحيوي) أو على البيئة في أماكن أخرى.

5- حرص السائح (والشركة السياحية) على انتفاع المجتمعات الإنسانية المحيطة بمواقع السياحة البيئية من هذه السياحة كتعويضهم عن التدفق السياحي على مواطن عيشهم وكإسهام في المحافظة على هذه المجتمعات الأصلية وتطويرها بشكل متناغم مع المحافظة على البيئة وفق معايير التنمية المستدامة.

6- استثمار هذه السياحة لنشر الوعي البيئي بين السياح وبين سكان المنطقة خصوصا ممن قد ينتفعون من هذه السياحة كفرص عمل لاسيما في مجال إرشاد السياح.

إذا أخلّت السياحة ببعض هذه العناصر فليس من الدقة بمكان وصفها بالسياحة البيئية وإن كانت قائمة على الاستمتاع بالطبيعة. فكلمة«eco» والتي تترجم إلى العربية بلفظ «بيئي» هي في الواقع أقرب إلى «صديقة البيئة» منها إلى «بيئة». إلا أنه كثيرا ما يتم الإساءة إلى لفظ «eco» فيضاف إلى الأعمال والمشاريع والمنتجات بقصد الدعاية والتكسب من ورائها تجاريا. الأمر لم يختلف مع السياحة، فكثير من الشركات السياحية نظمت جولات وبرامج قائمة على الطبيعة تحت اسم «ecotourism» ونجم عنها أكوام من النفايات غير قابلة للتحلل في مناطق حرجية وعلى ضفاف أنهار عاش حولها السكان الأصليون لمئات السنين في تناغم تام مع الطبيعة. كذلك تم تنظيم زيارات مثيرة إلى مناطق محميات طبيعية يتمكن خلالها السياح «البيئيون» من رؤية كائنات نادرة والاقتراب منها جدا إلى درجة تزعج هذه الكائنات وتهدد بقاءها ما يجعلها تغادر هذه المحميات (كما حدث في محمية كولادو بالهند العام 1996 عندما أزعج السياح طيور الكرين البرية المهاجرة وأدت إلى هجرها أعشاشها ورحيلها عن المحمية). هذا عدا عن أن تدفق السياح على المناطق الطبيعية عادة ما يصاحبه التعامل مع أهالي هذه المناطق وتراثهم واحتفالاتهم كما لو كانوا جزءا من المنطقة السياحية ما يجعلهم يتصرفون على هذا الأساس فمثلا يقومون بتصويرهم من دون استئذان أو احترام لخصوصيتهم. عدا عن استياء الأهالي من تصرفات تصدر عن السياح لا تتفق مع تقاليد وقيم وأعراف المنطقة.

وفي الوقت الذي تحرص فيه المنظمات العالمية والجمعيات البيئية على الضغط على العاملين في مجال السياحة للتصرف بوعي واحترام تجاه البيئة والإنسان فإن العلماء الباحثين في مجال المحافظة على التنوع الحيوي والحياة الفطرية يرون بجلاء أن الإنسان الذي يعيش قرب البيئات الحساسة وتعتمد ممارسات حياته اليومية عليها هو من أوائل المسئولين عن تردي الأوضاع البيئية وتخريب الموائل الطبيعية، مثل: قتل الأفيال في إفريقيا، قطع غابات الأمازون في أميركا اللاتينية، مطاردة وقتل النمرة العربية والمها العربية في جزيرة العرب، وهي أمثلة قليلة على ممارسات عدة هددت وما زالت تهدد التنوع الحيوي وليس للسياحة دور مباشر فيها.

لذلك كان التوجه للحرص على استفادة وانتفاع أهالي المناطق (هدف السياحة البيئية) من السياحة ماديا ومعنويا، لضمان تعاونهم ومشاركتهم في الحفاظ على هذه الموارد الطبيعية التي لأجلها يأتي السياح (سأناقش هذا الموضوع بتوسع في مقال مقبل تحت عنوان المحميات الأهلية).

نحاول في الجزء التالي من هذا المقال إيضاح الآثار السلبية والإيجابية للسياحة والتي رصدتها الدراسات والأبحاث في هذا الميدان. ونحن إذ نصل إلى هنا فسنتحدث عن السياحة بشكل عام لنتبين معا مدى الحاجة الملحة إلى سياحة بيئية، خضراء، مسئولة، مستدامة، واعية بإمكان تسببها في اضرار للبيئة والإنسان وعادلة بحرصها على تلافي هذه الأضرار.

تشكل السياحة القطاع الأول عالميا من حيث فرص العمل إذ يوفر أكثر من 10 في المئة من الوظائف عبر العالم. فلو كانت السياحة دولة لكانت ثاني أغنى دولة في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية. وذلك منطقي بسبب الزيادة الكبيرة في الإقبال على السياحة فبين العامين 1992 و 1997 ارتفع عدد السياح من 463 مليونا إلى 594 مليونا (وفقا لمنظمة السياحة العالمية) أي بارتفاع معدله 30 في المئة مع توقع تضاعف المعدل خلال عشر سنوات بين «1990»و2000

(Honey, Martha) «1999»Ecotourism & sustainable (Development

لذلك فنحن إذ نتحدث عن السياحة فإننا نتوقع أرباحا مادية كبيرة من الممكن أن تضاف إلى الدخل القومي للدولة المستضيفة وفرص عمل وكسب لأفراد عدة ومؤسسات قائمة داخل هذه الدولة. كذلك يتوقع من السياحة التقريب بين المجتمعات المختلفة وفتح أبواب لحوار الحضارات وللتعرف والتفاهم بين الشعوب بما يعزز إرساء قواعد السلام والأمن في الأرض. ومن الإيجابيات الأخرى ايلاء الدولة المستضيفة اهتماما أكبر بتوفير خدمات أفضل كالإنارة والطرق والصرف الصحي بما يعود بالنفع على أهل الدولة فضلا عن توجيه عناية خاصة للموارد الطبيعية والحياة الفطرية كمصدر للسياحة. هذه الفائدة الأخيرة هي التي تبنى عليها آمال السياحة البيئية.

إلا أن أضرار السياحة وآثارها السلبية كثيرة: منها تلويث البيئة بشتى أنواع النفايات إما بطريقة مباشرة وهي إلقاء النفايات في الطرق والسواحل بل و في المحميات الطبيعية وإما غير مباشرة بسبب السلوك الاستهلاكي لدى السياح والذي ينتج منها كميات كبيرة من النفايات (تزداد بزيادة تدفق السياح) وتجد الدولة المستضيفة أمامها مشكلة التخلص من النفايات وقد تفاقمت. ومن الأضرار الأخرى إصدام الأهالي بتصرفات غريبة من السياح قد تعد مشينة أو مسيئة لدى الأهالي وقد يرونها تهديدا لقيمهم ووسيلة لتفكيك مجتمعاتهم وتدمير معتقداتهم وما يعزز ذلك التجاوزات اللا أخلاقية التي ارتبطت بالسياحة والمرفوضة دينيا ومجتمعيا ما أضاف للسياحة ألفاظا شائنة كسياحة الجنس وسياحة الخمور، التي قلما نجت منها الدول المستضيفة للسياحة. الآثار السلبية على هوية وثقافة الأهالي ومعتقداتهم صحبتها آثار سلبية على البيئة كذلك مشتملة (وغير مقتصرة) على زيادة الضغط على الموارد البيئية من مياه عذبة، محاصيل، أشجار (في حالات الغابات مثلا لاستخدام الخشب للتدفئة والطهو)، ومن أسماك أو حيوانات برية على الأخص عندما يكون الصيد أحد المعروضات في المطويات السياحية. فضلا عن إقامة الطرق في مناطق ذات حساسية بيئية لتسهيل وصول السياح إليها وبناء منشآت كالفنادق في هذه المناطق والتي تبنى في الغالب على أراض زراعية أو مناطق ساحلية ذات أهمية بيئية. الآثار السلبية المترتبة عن هذه المنشآت كثيرة (سنفرد لها مقالا مستقلا) أورد منها على سبيل التمثيل: أن الطرق التي تنشأ تتسبب في إصابة وقتل أعداد من الحيوانات البرية التي تعيش في المنطقة ففي أميركا الشمالية مثلا يتعرض نوع مميز من الغزلان (الغزال أبيض الذنب) إلى القتل بنسب عالية على الطرق بسبب تعودها التغذي على الحشائش التي تنبت على جوانب الشوارع، إلى جانب الحيوانات الأخرى التي تستخدم الشارع كجزء من بيئتها للعبور إلى الجانب الآخر لتصدمها سيارة مسرعة في الليل غالبا.

يوصلنا الحديث إلى المحميات الطبيعية (الهدف الأول لكثير من الرحلات السياحية «البيئية») والتي تتلقى أفواجا من السياح في أوقات معينة راغبين في الإطلاع بشكل عام أو مراقبة فصيلة معينة من الحيوانات البرية أو صنف نادر من الطيور التي تصنع أعشاشها في هذه المحمية بالذات حول (المحميات الطبيعية والسياحة البيئية والمحميات الأهلية ستكون هناك مقالات لاحقة).

ما أريد أن أختم به هذا المقال هو تلخيص ما ورد فيه من أن قطاع السياحة ضخم ويتوقع منه أرباح مادية كبيرة للدولة مستقبلة السياحة، إلا أن السياحة تترتب عنها أضرار على البيئة والإنسان. تأتي السياحة البيئية تعريفا مثاليا لما يجب أن تكون عليه السياحة النظيفة العادلة التي تضمن استمرار السياحة وتنميتها مع الحفاظ على البيئة واحترام الإنسان

العدد 89 - الثلثاء 03 ديسمبر 2002م الموافق 28 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً