العدد 5366 - الثلثاء 16 مايو 2017م الموافق 20 شعبان 1438هـ

طفحَ الكيلُ... والصبرُ نَفَد

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

تصوروا أن 80 في المئة من جمعياتكم الخيرية، التي من صميم عملها جمع واستلام الأموال من المتبرعين والمحسنين لتوصيلها للمحتاجين من المواطنين ولخدمة التنمية في المجتمع البحريني، تُعاني الأمرّين؛ تشتكي من البيروقراطية القاتلة وتعاني من شيء من هذا القبيل!

هذا ما أكدته دراسة حديثة سريعة نشرتها بعض الصحف المحلية في مملكة البحرين، شاركت بها 48 جمعية بنسبة 46 في المئة من مجمل الجمعيات الخيرية في البحرين. الدراسة تؤكد أن 44 في المئة من الجمعيات رُفِضَت طلباتها بعد مدة انتظار تزيد على 6 أشهر، و34 في المئة بدون ترخيص لمدة سنة إلى سنتين أو أكثر، و22 في المئة بدون ترخيص لمدة من شهر إلى 6 أشهر. 40 جمعية من أصل 48 جمعية رُفض طلبها للحصول على ترخيص لجمع المال على رغم استيفائها جميع الشروط.

بعد نشر الدراسة في إحدى الصحف المحلية، تشرفت الجمعيات الخيرية بتوجيهات من صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر للسلطات المختصة «بتعجيل الإجراءات التي تكفل قيام هذه الجمعيات بواجباتها في تقديم خدماتها الخيرية»، مؤكدا سموه على خصوصية شهر رمضان المبارك. ولكن حتى كتابة هذا المقال، لم تتجاوب هذه السلطات مع التوجيهات الكريمة، ومازالت هذه الجمعيات تنتظر الرد على طلباتها لاستصدار رخص لجمع المال. قراءتنا لتوجيهات صاحب السمو الملكي تؤكد أن تعجيل الإجراءات لا تقتصر على شهر رمضان المبارك على رغم أهمية هذا الشهر الفضيل، وإنما تغطي جميع طلبات الجمعيات الخيرية طوال العام.

الحقيقة الواضحة أن مشكلة كبيرة تواجهها هذه الجمعيات، منذ أن صدر مرسوم بقانون (21) لعام 2013، وهي مشكلة استصدار رخص جمع المال للأغراض العامة. وقد كُتِب الكثير عنها وتأثيرها السيئ جدا على الجمعيات الخيرية، التي هي عصب الحياة بالنسبة للعوائل المحتاجة ومستقبل أبنائها. لم تتفاعل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية إيجابيا مع هذه الشكاوى التي وصلت الآن إلى مرحلة خطرة تهدد بقاء هذه الجمعيات. تعاملت الوزارة بتعسف شديد مع طلبات هذه الجمعيات التي تقدمت بها للوزارة، ورفضتها بدون سبب، وكررت رفضها وبدون سبب أيضا، فتفاقمت المشكلة خلال السنتين الأخيرتين، وبشكل كبير.

أصبحت لهذه المشكلة أبعاد كبيرة، تأثرت بها الجمعيات سلبا، وأثرت على مواردها المالية، وانحسر زخم المتطوعين في هذه الجمعيات؛ بسبب زيادة الجهد وهدر الوقت وبيروقراطية الآليات التي وضعتها الجهات المختصة لتطبيق المرسوم بقانون. حاولت الجمعيات الخيرية التأقلم مع هذا الوضع المعيق لعملها وأدائها طوال هذه الفترة، إلا أن ذلك لم ينتج عنه أي انفراج يذكر أو تعديل في هذه الآليات.

الحقيقة التي يعرفها الجميع أن الجمعيات في مرئياتها وعملها طوال هذه السنين، تعاونت تماما مع الوزارة من أجل تنفيذ المرسوم بقانون، على أساس أنه سينظم عملية جمع المال، وظلت ملتزمة بهذه القوانين والأنظمة. الوزارة أصرت على أن تقوم جميع المنظمات الأهلية بتنفيذ هذا القانون، ومن ضمنها الجمعيات الخيرية التي تعلم الوزارة أن من صميم عملها اليومي جمع المال لتحقيق أهدافها، فظلت تعاني من أضرار كبيرة وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتها للأسر المحتاجة.

ترى الجمعيات تزايد عدد الطلبات المرفوضة من قبل الوزارة على رغم أن الجمعيات لا ترى لذلك أي سبب يذكر. ولماذا هذا الرفض أصلا وعلى أي أساس؟ إضافة إلى أن الوزارة لديها الوقت الكافي لمعاينة ودراسة هذه الطلبات وإفادة الجمعيات بأية معلومات ناقصة. لا ترى الجمعيات أي داع لرفض طلبات مستوفية الشروط بحسب المرسوم بقانون.

المشكلة أيضا أن الوزارة نفسها أخفقت في تطبيق هذا القانون التي أرست هي نفسها آلياته وبنوده ولم تلتزم به، إضافة لعدم اهتمامها بتعديل هذه الآليات التي لا تتناسب مع عمل وأداء هذه الجمعيات بعد تجربتها عمليا من قبلها. إضافة إلى أن المرسوم بقانون يحتاج لإعادة النظر والتعديل في بعض بنوده، ومنها مثلا، مدة الترخيص التي اقترحتها الجمعيات لأن تكون سنتان على الأقل، وهي مدة دورة مجلس إدارة الجمعية بعد عملية الانتخابات.

ينطبق المثل البحريني «بيكحلها عماها» على هذه المشكلة، أي أنه عندما وضعت الوزارة هذا القانون كان هدفها المعلن تنظيم عملية جمع المال، ولكن تحول هذا الهدف السامي عند التطبيق إلى «طز عين» الجمعيات الخيرية فعمتها.

من خلال التجربة، فإن الجمعيات ملتزمة تماما بجميع القوانين والأنظمة التي تنظم عملية جمع المال، ولذلك نعتقد بأن حل هذه المشكلة حلا دائما يرضي هذه الجمعيات، بعد أن تفاقمت المشكلة لهذه الدرجة، سيعود مرة أخرى إلى أعلى الهرم في القيادة الحكيمة، لنتشرف بحل دائم، تعود الأمور من خلاله إلى نصابها وتنعم الجمعيات مرة أخرى بظروف أفضل لخدمة بحريننا ومحتاجيها ومجتمعها ككل.

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 5366 - الثلثاء 16 مايو 2017م الموافق 20 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 1:32 ص

      احنا نشوف اعلانات لجمعيات مشابه تجمع المال علناً واليك بعض الشوارع في مدينة عيس وشارع الاسقلال وشارع ٧٧ وشارع المدارش

    • زائر 13 | 2:10 م

      لا حياة لمن تنادي .. للأسف

    • زائر 12 | 8:05 ص

      فعلا! لنفس الأسباب اللي ذكرها الكاتب سنغلق جمعيتنه في نهاية هذا الشهر بعد خدمة المجتمع لأكثر من ١٥ عام و للأسف قبل شهر رمضان و لن نستطيع مساعدة الأسر المحتاجه في هذا الشهر الفضيل????

    • زائر 10 | 9:18 ص

      بارك الله فيك ياولد مدن
      فعلاأ طفحَ الكيلُ
      يريدون يجوعون المواطن بي طريقه

    • زائر 9 | 9:16 ص

      بارك الله فيك استاذنا
      موضوع جميل

    • زائر 8 | 7:35 ص

      أستاذنا الغالي حسين مدن شكرا جزيلا على ما تقوم به تطوعا في خدمة المجتمع البحريني خصوصا المعتازين منهم، بارك الله فيك وسدد خطاك

    • زائر 6 | 7:08 ص

      نسوي بجميع القرى جمعية بلابشت ونوزع الفقراء على وجهاء القرية واغلاق الجمعيات وكان الله غفور رحيم

    • زائر 5 | 2:44 ص

      شكراً لكاتب الموضوع ... القوانين الحالية معيقة ونتائجها السيئة بارزة للعيان ... ويش تنتظر الحكومة .. إن الجمعيات الخيرية اتصك أبوابها في وجه المحتاجين ؟

    • زائر 4 | 2:05 ص

      المشكلة هي انه مسمى جمع المال هو مغالط في القانون حيث ان عملية الجمع هي السعي لجمع المال اما الالية التي تقوم بها الجمعيات الخيرة هي استلام التبرعات و الصدقات و ايصالها الى المحتاجين ، فليس هناك شي يسمى جمع المال ....

    • زائر 3 | 1:38 ص

      باختصار يريدون استمرار البؤس والحرمان وووو حتى فقط يفكر الفقير كيف يؤمن وجباته يوم بيوم !! العمل الخيري محارب. الا يستحون.

    • زائر 2 | 1:22 ص

      بالفعل كما كتب كاتب الموضوع - جزاه الله خير الجزاء - أن الزخم حيال العمل التطوعي آخذٌ في الانحسار يوم بعد آخر وهذا يؤثر كثيراً على عمل الجمعيات التي هي في الأصل ترفع عبء كبير عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية فبدلاً من تذليل الصعاب لهم توضع العراقيل فمن طلبات المال إلى حاويات الملابس المستخدمة وهكذا، وبالرغم من كتابة أكثر من موضوع حيال ذلك إلا أننا لم نرَ الاستجابة حيال هذا الأمر.

    • زائر 1 | 10:23 م

      من واقع خبرة لبعض السنوات المشكلة هي مشكلة المجتمع نفسه، فقضية التواكل والاتكاليّة هي لبّ المشكلة .
      فغالبية الناس لا تودّ المشاركة في العمل التطوعي لكن معظم الناس جاهزين للنقد.
      اذا جاء وقت الانتخابات في بعض المناطق يطرّون حضور الناس ومشاركته ضرارة ولكن حين مجالس النقد والغيبة والنميمة والبهتان الجميع جاهز لأن يقدّم طرحه في ذلك.
      الصناديق الخيرية محتاجة الى عمل تعاوني وابداع ومساهمة من كل المجتمع وتحتاج الى فكر وعقول تطوّر هذه الصناديق وطريقة عملها .

    • زائر 11 زائر 1 | 10:35 ص

      في الواقع نجد الجمعيات الخيرية والإنسانية تئن من التضييق الخانق الذي يمارس ضدها باسم الترخيص بجمع الأموال ،كل الجمعيات الخيرية مرخصة ،فلماذا كلما أرادت جمع تبرعات لمشروع خيري معين يطلب منها أخذ رخصة للجمع لهذا المشروع أو ذاك -شكرا أبا علي

اقرأ ايضاً