العدد 5366 - الثلثاء 16 مايو 2017م الموافق 20 شعبان 1438هـ

سورية كمركز جيوسياسي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هل باتت الحرب المفتوحة على سورية في طور التسوية النهائية بعد اتفاقات «أستانة» على «المناطق المنخفضة التصعيد»؟ أم هي مجرد مرحلة تصعيد جديدة نحو توسعة مساحات حرب الاستنزاف والإنهاك؟

حتماً الإجابة لا تحتمل التأكيد أو النفي الإطلاقي، بقدر ما تدفع لمراجعة وضع سورية الاستراتيجي الذي ومن سوء حظها جعلها في قلب حروب الأقطاب الدولية، وأهدافها في إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، لم لا؟ والحرب المفتوحة على أراضيها بالوكالة تؤكد يوماً بعد آخر الأهمية الاستراتيجية التي تتجسد فيها كأحد المراكز الجيوسياسية والاقتصادية لهذه الأقطاب الدولية، فضلاً عن استغلال القوى الإقليمية لهذه الحرب حفاظاً على توازناتها الجيوساسية، ولإعادة صياغتها تبعاً لمصالحها وأولوياتها، الأمر الذي يدفع لمراجعة مفهوم الجيوسياسي وأبعاده في الأزمة السورية.

أهمية سورية

كشفت الدراسات والتقارير خلال العقود الأخيرة أهمية سورية كموقع جغرافي يقع شرق البحر المتوسط، وبالتالي فهي تمثل البوابة الساحلية لقارة آسيا ولهذا بالطبع أهمية خاصة لجهة المحور الأروراسي بما يمثله من دول الجوار الروسي في المنطقة الممتدة من شرق الصين إلى حدود أوروبا والشرق الأوسط، وهي تقع على تقاطع خطوط التبادل التجاري بين الثلاث قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، تماماً كما أهميتها لمحور الأطلسي الذي ينطلق في سياسته وتحركاته مستنداً إلى فكرة «حصار الأراضي المعادية من البحر وعبر الخطوط الساحلية، الأمر الذي يؤدي تدريجياً إلى استنزاف الخصم»، وفي هذا تأكيد على أهمية السواحل السورية كموقع لقواعد روسيا العسكرية وحلفائها من جهة، ولأميركا ودول الغرب من جهة أخرى بهدف السيطرة على إمدادات خطوط الطاقة من الخليج لأوروبا عبر سورية، والحد من حاجة أوروبا للغاز الروسي، أضف إليها غنى سورية بالثروات الطبيعية «بترول وغاز طبيعي ومعادن كالفوسفات والنحاس وغيرها» وما تتمتع به من تنوع في تضاريسها وإنتاجها الزراعي والحيواني والصناعي.

مدارس الجيوبوليتك

وعليه فإن تناول الأبحاث لأهمية المراكز الجيوسياسية ومنها سورية بالنسبة للأقطاب الدولية لم يأتِ من فراغ، فقد استند إلى خلاصة نظريات قاربتها دراسات كثيرة منها دراسة «المخيلة الجيوبوليتكية الروسية والفضاء الأوراسي، لأمينة مصطفى دلة، 2016» التي تطرقت لخمس مدارس روسية كـ «المدرسة الوطنية الديمقراطية: التكيّف مع الهيمنة الغربية، المدرسة الجيو - اقتصادية، مدرسة حفظ التوازن الأوراسي، المدرسة الحضارية، المدرسة الأوراسيانية التوسعية»، حيث درست هذه المدارس برأيها، الجيوبوليتكيا بحثاً عن الهوية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأشارت لملاحظة مهمة مفادها أن التوظيف الروسي التام والجزئي لمفاهيم ونظريات المدارس الخمس ارتكز على عدة أفكار؛ كفكرة التقارب مع الغرب، وضرورة الإصلاحات الديمقراطية، وتوظيف العوامل الاقتصادية ولعب روسيا دور الموازن الأمني والإقليمي، لكن النقطة الفاصلة بين النظريات تكمن في التأثير الكبير للمدرسة الأوراسيانية التوسعية التي وجدت أن معولها يعمل في توجيه وإدارة السياسة الروسية المحلية والخارجية حالياً ولاسيما بعد تولي فلاديمير بوتين الحكم. كيف؟

في خلاصة كتاب «أسس الجيوبولتيكا... مستقبل روسيا الجيوبولتيكي، دار الكتاب الجديد، بيروت 2004، راجع محمد عادل شريح/الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية» للفيلسوف والمفكر الروسي ألكسندر دوغين، ومن منطلق نشاطه السياسي كونه مستشاراً سابقاً في مجلس الدوما «البرلمان الروسي» خلال 1998 - 2003 ويشغل حالياً رئيس خبراء الجيوبولتيكا التابع للمجلس الاستشاري المتخصص بشئون الأمن القومي التابع لرئاسة مجلس النواب، يتناول الكتاب مفاهيم ومصطلحات الجيوبوليتكا التي يرى أنها «علم الحُكم» ورؤية للعالم، تتضمن في تركيبتها الجغرافيا والتاريخ وعلم السكان والعلوم العسكرية والاستراتيجية والأديان والبيئة وكل ما له صلة بحياة الدولة، كما يناقش المفردات الثنائية كـ «التيلوروكراتيا» وأصلها يوناني يعني حكم البر أو نموذج القوة البرية القارية والحضارة القارية حيث ترتبط بحسب تحليله بثبوت المكان وخصائصه النوعية التي تتجسد حضارياً بالاستقرار والروح المحافظة، وتتحدد بوضوح في التجمعات والكتل البشرية كالأسر والقبائل والشعوب والدول والامبراطوريات، كما أن رسوخ اليابسة يتجسد ثقافياً في رسوخ الأخلاق وثبوت التقاليد الاجتماعية، حيث تعلو الروح الجماعية وتراتبية النظام الاجتماعي، أما «التالاسوكراتيا» فتعني حكم البحر أو القوة البحرية أو الحضارة البحرية، بما تمثله من نمط غير مستقر ودينامي يرغب في الحركة والتغيير ويميل للمغامرة والتطور التقني وتشجيع الروح الفردية.

دوغين عقل بوتين

ومنه يخلص دوغين إلى أن «التيلوروكراتيا» و «التالاسوكراتيا» يمثلان تناقضين بين «المائية السائلة» و «الأرضية الصلبة»، وغالباً ما تكون الغلبة للتيلوروكراتيا؛ لأن عنصر الأرض «اليابسة» يمتد عميقاً في منظومة الحضارات بمجموعها، في حين يمثل عنصر الماء «حضارة البحر والمحيط» حالة جزئية وعرضية، مضيفاً أن هذا الصراع الحضاري مستمر حتى يومنا هذا، وأنه وعلى رغم تفكك الاتحاد السوفياتي فالصراع لايزال ممتداً عبر صراع قيم الليبرالية الديمقراطية وقيم السوق والاستهلاك وما أطلق عليه «الايديوقراطية» أي هيمنة العقيدة أو حكم المعتقد، وعن الدولة الروسية من حيث واقعها السياسي بعد الانهيار، يفيد بأنه «ليس للروس دولة الآن» وبالتالي هناك ضرورة لإيجاد «الإمبراطورية الروسية» لماذا؟ لأن الفيدرالية نظام مرفوض في روسيا، وكذلك مفهوم «الدولة الأمة»، فقدر روسيا الجغرافي والثقافي أن تكون إمبراطورية أوراسية.

يرتبط مفهوم أوراسيا عند دوغين بتقديره لواقع روسيا الثقافي من كونها ليست غرباً لعدم انتمائها لأوروبا وليست شرقاً لعدم انتمائها لآسيا، فهي واقع جغرافي وإثني وثقافي متميز يربط الشرق بالغرب، وكي تقوم بدورها وتحمل رسالتها للعالم، يجب أن تكون إمبراطورية مترامية الأطراف، ما يعني قيامها بتحالفات تسمح لها بمد حدودها البحرية حتى أطول مدى وهذا يتطلب أموراً عدة، منها الابتعاد عن المادية والإلحاد وتولية الجانب الروحي الأهمية القصوى وأن تسلك منهج المرونة في تسير الاقتصاد، وتحاشى الخصخصة والرسلمة، والسير باتجاه أخلاقي إنساني ديمقراطي معتمدة مبدأ الاستقلال الذاتي الثقافي منه واللغوي والاقتصادي والحقوقي بالنسبة لكل الإثنيات والأعراق والشعوب الداخلة في هذه الإمبراطورية، وهو بذلك يأمل أن تكون الإمبراطورية الأوراسية قارية عظمى، وخصوصاً أن معركة الروس للسيادة على العالم لم تنتهِ بعد، لذا فهي بحاجة لتنفيذ أربعة عناصر لتنجز معركة السيادة؛ تتمثل في تجميع الإمبراطورية، العودة للدين والقومية، فتح الآفاق السياسية للقدرة العسكرية الروسية، فتح الآفاق الاقتصادية للإمبراطورية الروسية، ذلك لأن الاستسلام للتفرد الأميركي الأطلسي في قيادة العالم برأيه ما هو إلا موت وفناء، ولا بديل لمواجهته سوى بلورة تكتل جيوبوليتكي مناوئ للأطلسية، وعليه لا غرابة إن وصفه أحدهم «بعقل بوتين». وانطلاقاً من هذه الفكرة تشارك روسيا لأبعد مدى في حرب الطاقة بسورية، والتدخل في جزيرة القرم ودورها في أوكرانيا... الخ.

في المحصلة، اتفاق المناطق المنخفضة التصعيد، جاء بفعل تحولات حدثت في مشهد صراع الطاقة، دفعت باتجاه تسويات إقليمية لتقاسم حصص السوق الدولية، وتجنب المواجهات الكارثية، بعد أن فقدت الجغرافيا البرية بحسب أحدهم أهميتها لصالح الجغرافيا البحرية، ولاسيما مع ظهور مشاريع جديدة في مجال أنابيب الغاز الدولية أبرزها توقيع اتفاقية إسرائيلية-أوروبية في مارس/ آذار الماضي لإمداد أوروبا بالغاز الإسرائيلي «عملياً غاز عربي مجمع في إسرائيل» سيعاد تصديره عبر أنبوب يربط إسرائيل بقبرص بإيطاليا ولهذا تتسارع خطوات تطبيع الأنظمة مع كيان العدو الصهيوني، كما فيه بالأساس تهديد للنفوذ الروسي على أمن الطاقة الأوروبي؛ ما يحدث في سورية عرى أطماع كل الأطراف كما كشف تناقضاتها ومصالحها، فهم آخر من يهتم لتدمير سورية.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5366 - الثلثاء 16 مايو 2017م الموافق 20 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:18 ص

      سيسقط بشار المجرم و سيخرج الإيرانيين مذلولين باذن الله تعالى و تعود دمشق الأمويين الكرام الى اهلها الأصليين و ليس ...

اقرأ ايضاً