العدد 5367 - الأربعاء 17 مايو 2017م الموافق 21 شعبان 1438هـ

إسلام بلا فرق ومذاهب

منصور محمد سرحان comments [at] alwasatnews.com

تشهد المجتمعات الإسلامية في هذه الأيام مشكلة في غاية الخطورة تهدد أمن واستقرار ووحدة الأمة الإسلامية. وتتمثل تلك المشكلة في ظاهرة خطيرة جداً يجب تداركها قبل أن يستفحل خطرها، وهي ظاهرة التعصب المذهبي الذي يؤدي إلى انتشار الطائفية بين ضعاف النفوس، وتلك نار حامية تحرق الأخضر واليابس.

وقد ازدادت هذه الظاهرة في هذه الأيام نتيجة مؤامرات تحاك ضد الأمة الإسلامية للقضاء على وحدتها، وجعلها أمة ضعيفة ممزقة تنتشر فيها المشاكل والفتن بشكل دائم ومستمر. ويؤكد واقع الحال ذلك، فهناك دول إسلامية عربية وغير عربية قد تم تدمير كامل بنيتها التحتية؛ بسبب الفتن والحروب والصراعات الطائفية والعصبية، وأصبح إصلاح ذلك الخراب والدمار يحتاج إلى عشرات السنين، كما يحتاج إلى آلاف المليارات من الدولارات لإعادة البنية التحتية إلى وضعها الطبيعي.

وتحاول بعض القوى الخارجية وفي غفلة من أبناء الأمة الإسلامية جعل الدول الإسلامية بما فيها الدول العربية تعيش نزاعات وصراعات مذهبية؛ وذلك من أجل شغلها عن التركيز على طلب العلم والمعرفة، والقيام بعمل الأبحاث والتجارب العلمية التي من شأنها تطوير المجتمع وازدهاره من جميع النواحي الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والثقافية والعلمية.

ومن المدهش حقاً أن نجد بعض المجموعات الدينية على اختلاف مذاهبها، وكذلك بعض المجموعات المثقفة على اختلاف مشاربها تدخل نادي الطائفية من أوسع أبوابه، الأمر الذي يجعل الأمة الإسلامية تساعد الأعداء على نفسها، من أجل القضاء على وحدتها وتدمير مستقبلها، مجسدين بذلك بيت الشعر:

لا يبلغ الأعداء من جاهل

ما يبلغ الجاهل من نفسه

لقد تجاوزت الدول المتقدمة في الشرق والغرب هذه المشكلة من خلال تطبيق الحكمة القائلة الدين لله والوطن للجميع. أما الدول الإسلامية التي تنتشر فيها نيران الطائفية بأبشع صورها فهي تنادي بالوطن للفرقة أو المذهب، ومن خالف ذلك فمصيره الحرمان والشقاء، الأمر الذي يخلق مشكلة أزلية يصعب حلها ما لم يرجع الجميع إلى النهل من تعاليم الدين الإسلامي الأصيل.

إن عدم الرجوع إلى الدين الإسلامي الحق سيبقي الأمة الإسلامية تعيش صراعات لا جدوى منها، بل إن تلك الصراعات يجعلها مرغمة على التعلق بأذيال الدول الأخرى دون الاعتماد على نفسها للخروج من المشكلات التي تعصف بها، سواء كانت تلك المشكلات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية.

إن التمسك بالإسلام وقيمه وتعاليمه التي تحث على الوحدة والاعتصام بحبل الله والاهتداء بالقرآن الكريم هي سبل نجاة الأمة. فالدين الإسلامي اكتمل قبل وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام دون وجود مذاهب أو فرق إسلامية. فقد قال جل من قائل: «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» (المائدة). فالدين الإسلامي يشمل مجموع الشرائع، والأحكام والأخلاق التي شملتها الشريعة، وأتم الله جل جلاله بها الدين على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالقرآن الكريم ذكر الدين ولم يذكر المذهب في أكثر من آية. فقال تعالى: «إن الدين عند الله الإسلام» وقال تعالى: «ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه».

عاشت الأمة الإسلامية في مختلف الأمصار بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وبعد وفاة الخلفاء الراشدين الأربعة ردحاً من الزمن دون وجود مذاهب إسلامية. ولم يكن أبوبكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي شيعياً أو سنياً. ولم يكن أحدهم حنفياً أو مالكياً، أو حنبلياً أو شافعياً، أو جعفرياً... بل كانوا مسلمين دون مذاهب. وكذلك كان المسلمون في جميع الأمصار الإسلامية أثناء عهد الخلفاء الراشدين جميعهم دون مذاهب أيضاً.

برزت المذاهب الإسلامية في نهاية الدولة الأموية وفي عصر الدولة العباسية. وإن أول الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة هو الإمام أبوحنيفة النعمان الذي ولد العام 80 هـ وتوفي العام 150 هـ . وأصبح عالماً فقهياً عند بلوغ سن الأربعين، حيث كان يدرس تلاميذه، ويعرض عليهم فتاواه ويقيس الأشياء بأشباهها والأمثال بأمثالها. وبوضعه تلك القاعدة الفقهية برز المذهب الحنفي الذي كان له أتباعه، وهو أول مذاهب أهل السنة والجماعة. وهذا يعني أن بروز المذهب الحنفي كان في سنة 195هـ أي بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بما يقرب من 179 سنة.

أما الأئمة الثلاثة رضوان الله عليهم فهم: مالك بن أنس صاحب المذهب المالكي، ولد سنة 93هـ وتوفي سنة 179هـ، وأحمد بن حنبل صاحب المذهب الحنبلي ولد عام 164هـ وتوفي عام 241هـ، والإمام الشافعي ولد عام 150هـ وتوفي عام 204هـ.

اعتمد الشيعة الاثنا عشرية على الأئمة الاثني عشر من آل البيت وعرفوا بأتباع المذهب الجعفري نسبة إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق رضوان الله عليه. فقد ولد عام 83هـ وتوفي عام 148هـ وكان فقيه زمانه فنسب إليه المذهب الجعفري.

تلك معطيات تؤكد أن المذاهب نشأت بعد وفاة الرسول بأكثر من مئة عام، وهي مذاهب نجلها ونحترمها. وهناك فرق إسلامية لها مذاهبها الخاصة بها وهي محل التقدير والاحترام، بعضها قريبة من تلك المذاهب الخمسة، وبعضها بعيدة عنها، ومن بين أهمها المذهب الزيدي، والمذهب الأباضي والمذهب الظاهري. وحري بالذكر أن جميع أتباع المذاهب الإسلامية على اختلافها تؤمن بأركان الإسلام الخمسة وهي: النطق بالشهادتين، وأداء الصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، وإيتاء الزكاة.

تفرق المسلمون إلى مذاهب مختلفة، ويكون الحال طبيعياً عندما تسود روح التسامح بين أتباع جميع المذاهب والفرق الإسلامية، ويعمل الجميع على نبذ الفرقة فيما بينهم، فالدين لله والوطن للجميع. وتعني هذه الحكمة أن يعيش جميع أبناء الوطن الواحد أخوة متحابين سواء كانوا مسلمين أو يهود أو مسيحيين، أو من ديانات وضعية على اختلاف المذاهب التي يعتنقونها. أما الوطن فهو يتسع لكل فئات المجتمع على اختلاف الأديان والمذاهب فقد عاش في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك في عهد الخلفاء الراشدين اليهود والنصارى جنباً إلى جنب مع المسلمين، حيث ضمن لهم الإسلام حقوقهم.

إن العمل بالحكمة (الدين لله والوطن للجميع) تؤدي إلى اختفاء نيران الحقد والبغضاء وتنتشر ظاهرة التسامح بأجلى صورها، الأمر الذي يؤدي إلى تطور المجتمعات الإسلامية في كافة مجالات الحياة وبخاصة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وتصبح الدول الإسلامية قوة عظمى لا يستهان بها وهو مالا تريده بعض القوى التي تتحكم اليوم في مصير العالم، وتعمل جاهدة على ضرب الدول الإسلامية وتفكيكها وجعلها دولاً ضعيفة تابعة لها... فهل من صحوة لهذه الأمة العظيمة؟

إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"

العدد 5367 - الأربعاء 17 مايو 2017م الموافق 21 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:46 ص

      فعلاً ما ينقصنا هو ثقافة (الدين لله و الوطن للجميع).
      بمجرد أن تختلف في الدين مع جماعة تجدها تذهب إلى وجوب استنقاص حقوقك الإنسانية و المدنية.

    • زائر 7 | 2:42 ص

      في هذه المنطقة من العالم تبدوا المسألة عصية على التطبيق و ذلك بسبب ان الأنظمة هي من يجب عليها تصحيح مسارها في هذا الشأن أولا.. او على الاقل تترك الناس لفطرتهم السليمة و لن تكون هناك الكثير من الخلافات / المشاكل

    • زائر 4 | 12:52 ص

      نطالب بالعلمانية وهي فصل الدين عن السياسة بحيث يكون الدين لله والوطن للجميع

    • زائر 2 | 12:02 ص

      ياريت
      يتم اعادة نشر هذا المقال كل يوم ، كلام العقل كلام المؤمن القوي كلام قريب من الروح ، شكرا استاذ على هذا الكلام النيّر وسط كل هذا الظلام الذي نضيع أوقاتنا فيه

اقرأ ايضاً