العدد 5369 - الجمعة 19 مايو 2017م الموافق 23 شعبان 1438هـ

على قمم جبال أريرانغ أضعتُ حبي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يقول الخبراء بأن أزيد من 300 ألف جهاز حاسوب في 150 دولة قد أصابهم فايروس وانا كراي. هذا يعني أن 77 في المئة من دول العالم قد دخلها الفايروس مصيباً أول أهدافه في شبه الجزيرة الإيبيرية حتى أستراليا ونيوزلندا حيث تقهقر على أبوابهما. وعلى الرغم من أن شركات مرموقة في مكافحة الفايروسات الإلكترونية الخبيثة مثل كاسبرسكاي الروسية قد أعلنت قبل أيام أن الوضع تحت السيطرة، إلاّ أنها لم تكن قادرة قبل ذلك لتحمي شيئاً من تلك الحواسيب مما جرى لها.

ألفَت ما في الموضوع هو تقرير نشرته وكالة «رويترز» باللغة الإنجليزية أشار (نقلاً عن باحثين في الأمن الإلكتروني) إلى أن بعض رموز فايروس وانا كراي شبيه بما كان يحتويه فايروس لازاروس القوي من رموز. والمعروف أن جوقة لازاروس المتخصصة في التسلّل الإلكتروني نُسِبَ انتماؤها إلى كوريا الشمالية بعد تحقيقات طويلة. وقد بدأت نشاطها منذ تسعة أعوام وقامت باختراق حواسيب في 31 دولة أبرزها كان في كوريا الجنوبية واليابان وبنغلاديش ودول أوروبية وكذلك الولايات المتحدة الأميركية.

هذا الأمر يدفع المرء للتساؤل: كيف لبلد مُغلق تماماً ومُحاصَر منذ عقود أن يكون بهذه القوة؟ هل توجد علوم ووسائل تقنية أخرى يجهلها العالم موجودة لدى الكوريين الشماليين أو على الأقل أنهم قادرون على التنافس من وراء الحدود، ومن بين أصابع العقوبات الأميركية القوية التي جعلت البلاد في لحظة ما من لحظات التاريخ تدخل في مجاعة بائسة بعد السيول الجارفة؟ هذه أسئلة تشغل بالي كثيراً. وربما هي أيضاً تشغل بال الكثير من يقرؤون لما يجري في تلك المنطقة من دعاية غربية. لكن الأكيد أن هذا البلد يملك تطوراً صناعياً وتكنولوجياً محجوب عن هذا العالم.

كثيرون كتبوا عن هذا البلد. بعض ما كُتِب كان دعاية مضادة وبعضها حاول أن يجد لنفسه مكاناً في الحياد. قبل فترة نشرت إحدى الصحف مقالاً لكاتب جيد عن كوريا الشمالية. بعثت شيئاً منه إلى صديق عليم. علَّق بتشكيك بشأن ذلك. لم أستطع تحديد الصواب من الخطأ؛ لكنني استطعت أن أعرف مدى الجدل الذي يُحيط بذلك البلد إلى الحد الذي يجعل البعض يقول بأن سكانه يصل تعدادهم إلى 25 مليون نسمة، وفي ذات الوقت الذي يقول فيه بعضٌ آخر بأن تعداد الجنوب يفوق الشمال بضعفين، مع أن الإحصائيات العالمية تقول بأن تعداد كوريا الجنوبية يصل إلى 50 مليون إنسان فقط.

يتحدثون عن أن جيش الشمال يصل إلى مليون و 200 ألف جندي بينما جيش الجنوب لا يزيد تعداده عن الـ 67 ألف جندي. ويقولون بأن موازنة الجنوب هي 244 مليار دولار، وأن موازنة الشمال لا تزيد عن الثلاثة مليارات ونصف المليار دولار. لا نعلم هي إحصاءات اجتهد أصحابها في جمعها لكن، وبما أن البلد مُغلق فلا يبدو أن أغلبها سيأتي من خارج تقديرات أجهزة الاستخبارات الكورية الجنوبية.

وعلى رغم أن كوريا الشمالية بلد مُغلق؛ لكن لا يعني ذلك أنه لا يملك علاقات مع الخارج. البعض يظن أنه لا توجد سفارات أجنبية في بيونغ يانغ. هذا الأمر ليس صحيحاً. فأغلب دول آسيا الكبرى لديها تمثيل هناك باستثناء اليابان ودول أخرى. بل إن الاتحاد الأوروبي ممثَّل هناك. وبريطانيا لديها سفارة كاملة الأركان في كوريا الشمالية. لكن ما هو معروف عن هذا البلد أنه حَذر حتى مع أصدقائه الأوفياء ومنهم الصين وروسيا وكوبا الذين قدموا له وبسخاء السلاح والغذاء.

قبل أربع سنوات كَتَبَ الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو مقالاً في صحيفة غرانما خاطب فيه القيادة الكورية الشمالية قائلاً: «إننا نذكرهم بواجباتهم مع الدول التي كانت صديقة عظيمة لهم». لكن في المحصلة فإن أكثر المعلومات صحة بشأن كوريا الشمالية قد تأتي من هذه الدول.

ما لا يمكن للمرء أن يُنكره هو تطوُّر هذا البلد بشكل كبير. هل نتذكر الرادار الذي قامت كوريا الجنوبية بتصنيعه! لقد عكفت ست سنوات على إتمامه وكلفتها بحوث تجاربه 50 مليون دولار لكي تستطيع مواجهة السلاح القاذف الذي تمتلكه كوريا الشمالية. كما أن التطور لا يكمن فقط في الجوانب العسكرية والنووية التي تعكف باستمرار لتطويرها؛ بل هي أيضاً تمتلك عقولاً فريدة في تطوير صناعات مدنية جعلها تدرّ عليها نصف الناتج المحلي مستعينة بثروات معدنية كبيرة، أهّلتها لأن تصدِّر ما قيمته ثمانية مليارات دولار وهي في أتون العقوبات المفروضة.

ثقافة هذا البلد تزيد عن 2500 عام. وهي ثقافة ثرية. وبعد التحرر من الاحتلال الياباني كانوا مؤهلين كثيراً لأن يتطوروا. وقد أثبت الجنوب ذلك بشكل قوي. ليس التطور الاقتصادي فقط بل على مستوى النظام السياسي الذي (قد) يصاب بداء الدكتاتوية (باك تشونك مثالاً) لكنه ما يلبث أن يتعافى. ويُصاب بالفساد لكنه ينهض نافضاً عن جسمه ذلك العار كما فعل مع رئيسته قبل أشهر.

لقد ضُيِّعَ على الكوريين الشماليين حبّهم لمستقبل أفضل مرغَمِين على إنشاد الحب الضائع على جبال أريرانغ كل صباح كما هو في الفولوكلور الشعبي لديهم. شعب يُبدِع في وسط الجوع والصمت المطبق كي لا يقول كلمة مختلفة، فكيف به إن أُعطِيَ الكفاية والكلام الحر؟ بالتأكيد سيكون معجزة في الشرق بأسره.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5369 - الجمعة 19 مايو 2017م الموافق 23 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:32 م

      بالمناسبه عندنا مطعم فى البحرين اسمه اريران وهو كورى

    • زائر 1 | 10:02 م

      مقال جميل ولكن للعلم نشيد "آريرانغ" يُعتبر النشيد الوطني غير الرسمي في كوريا الجنوبية كذلك ، وقد أدرج في لائحة الثقافة العالمية لليونسكو . هو إذاً من الفولكلور الشعبي في الكوريتين ولكنه بدأ في جنوب شبه الجزيرة الكورية .

اقرأ ايضاً