العدد 5372 - الإثنين 22 مايو 2017م الموافق 26 شعبان 1438هـ

بشمي وشواغل التاريخ والأدب

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

كان عقد الثمانينات بحق هدية الاستقرار والوفرة المالية لأبناء البحرين، وفي سنواته الهانئة تنامى الإحساس بالثقة والكبرياء الوطنيين، فإذا كانت السبعينات تمثل مرحلة الفوز والظفر بنعمة الاستقلال وانطلاق البناء، فإن الثمانينات هي عقد العنفوان والشموخ الوطنيين بامتياز.

لهذا انفتحت شهية الكتاب والمؤلفين إلى اقتحام مجال الكتابة التاريخية تعبيراً عن هذا الحس بالهوية الوطنية الذي استيقظ فجأة، ليجد نفسه أمام رفوف خالية من الكتب وذاكرة تاريخية فقيرة باهتة الألوان مطموسة الملامح، وكان من أوائل من حملوا هذا الهمّ وأخذوا على عاتقهم مهمة إنعاش الذاكرة الكاتب والإعلامي إبراهيم بشمي.

منذ حصوله على بكالوريوس صحافة من كلية الآداب بجامعة القاهرة في العام 1971م، لم يترك إبراهيم بشمي القلم إلا ليستبدله بآخر، أو ليفكر في مشروع كتاب أو مقالة.

الأمر الذي وضعه في قائمة أكثر الكتّاب البحرينيين إنتاجاً، فقد كتب الحكاية، وكتب في أدب الطفل، وأثرى المكتبة المحلية والعربية بمجموعة من القصص التربوية الهادفة.

دخل بشمي مجال التاريخ من بوابة الصحافة والأدب، وهو من المؤسسين للصحافة في البحرين، ومن أوائل الصحافيين القلائل الذين حملوا مؤهلاً جامعياً في المجال الصحافي، إلى جانب اشتغاله بالتأليف في مجال التاريخ والتراث، حيث أصدر الكثير من الكتب التي ركزت بصفة خاصة على دول الخليج واليمن وبعض الدول المجاورة، وبلغ عدد عناوين الكتب التي ألفها ونشرها 111 عنواناً!

تجربة بشمي الطويلة مع التاريخ والتراث تستحق الثناء فعلاً، فهذه المسيرة بدأت عندما كان رئيس مجلة بانوراما الخليج، حيث قدم للمكتبة البحرينية في العام 1989 (مذكرات شريفة الأمريكانية)، والمذكرات تستعرض قصة البعثة الأميركية في البحرين العام 1922.

وفي هذه المرحلة قدّم، وفي نفس العام، كتاباً آخر لا يقل أهمية عن الكتاب الأول، وهو (أرض النخيل) للرحالة الهندي سي . أم. كرستجي. والكتاب عبارة عن رحلة قام بها المؤلف في العام 1916 - 1971م وامتدت من بومباي إلى البصرة مع وصف شامل لموانئ وشعوب الخليج العربي، وشط العرب وأحوالهم وتاريخهم وعاداتهم، وقام بترجمة الكتاب منذر الخور.

وأصدر بشمي في مجال التاريخ والتراث مجموعة من الكتب، مثل: اليمن بوابة الخليج الخلفية (1982)، وبلوشستان قوس الخليج المشدود (1982)، وأيام زمان (1986)، حكايات شعبية (1986)، بيوت البحرين القديمة (1987)، أرخبيل الحكايات (1988).

ومع دخول «مجلة بانوراما الخليج» في ملكية «صحيفة الأيام»، يدخل عطاء بشمي في حقل التاريخ مرحلته الثانية، فقد استمرّ بشمي وفياً لمشروعه في إصدار سلسلة من الكتب والدراسات التاريخية المعنية بتاريخ البحرين والخليج، وهكذا تمكّن من الاستمرار في إصدار بعض العناوين المهمة والتي لا تزال تتمتع بأهمية خاصة في المكتبة التاريخية المحلية والخليجية، وأبرز هذه العناوين: «قلائد النحرين في تاريخ البحرين» (2003) لناصر بن جوهر الخيري، و «أحداث ووقائع ومشايخ بستك وخنج ولنجه ولار» لمحمد أعظم بني عباسيان بسكتي، ترجمة وتعليق محمد وصفي أو مغلي وإعداد بشمي نفسه (1993م)، و «عقد اللآل في تاريخ أوال» لمحمد علي التاجر (1994م) إعداد بشمي أيضاً.

واستمر عطاؤه في التدفق، فأصدر: مملكة هرمز الفقاعات الذهبية (1994)، حكايات الأمثال، إعداد (1994)، الحكواتي الشرقي (1994)، المنامه شانزليزيه الخليج (1994)، وخليج السبعينات... رواية شاهد عيان (2002).

الميزة التي تنطوي عليها تجربة بشمي الغنية أن صاحبها شديد الوفاء للثقافة والمعرفة، وقلّ من يدخل معترك الصحافة ويبقى على وفائه القديم ويظل ممسكاً في داخله بوهج وحرارة الحب للأدب والثقافة الجادة، الصحافة في الخليج على الأقل لم تعتد على هذا النوع من الالتزام الراقي، وهي التي غالباً ما تنزلق حتى أخمص قدميها في مستنقع الحدث اليومي والجري حدّ اللهاث وراء بريق الإثارات المؤقتة.

بشمي أيضاً يعتقد أن كل شيء قابل للكتابة، لا يوجد موضوع ضئيل القيمة أو قليل الأهمية، كل ما في الحياة يستحق أن ننظر له نظرة جمالية خاصة، والعبرة تكمن في الأسلوب وليس بالضرورة في جِدّة المعلومة أو كثرتها، العناية باختيار الزاوية التي ينظر منها الكاتب إلى الأشياء من حوله، وإلى اللغة التي يستعين بها في توصيف ما يراه ويسعى لتقديمه للقارئ، وهذه النظرة مشبعة بتقديس الحياة، واحترامها، وتمجيد الجمال فيها، هي رؤية من يعتقد أن العمر قصير لتحقيق كل ما يصبو إليه المرء، لكن عليه إن يسعى لإبراز الجمال الكامن في الحياة مستعيناً بمواهبه وبالفرص التي تلوح له، أو يسعى إليها قبل أن تأتيه، وإن اضطر، اقتحمها اقتحاماً، وهذا ما يفسر انفتاحه الواعي وإسهامه الدؤوب في إنتاج نصوص إبداعية في حقول التاريخ وأدب الأطفال، والثقافة العامة.

أخبرني قبل أشهر أنه مشغول بنصوص العارف الكبير جلال الدين الرومي، وبإعداد كتاب عن النخلة! وفي التاسع من أبريل/ نيسان الماضي نظمت أسرة الأدباء والمفكرين بالتعاون مع مركز عيسى الثقافي «سينوغرافيا العشق... تجليات جلال الدين الرومي» استعرض فيها إبراهيم ملامح عن حياة شخصية الرومي التي رصدها في كتابه «مولانا» أيقونة التسامح والمحبة والسلام، في أجواء امتزج فيها الشعر بالموسيقى والرقص الصوفي.

بدأ عمله كصحافي جريدة الأضواء في الفترة 1971 - 1973 وعين مديراً لتحرير «مجلة صدى الأسبوع» العام 1975.

أسس في العام 1983 «مجلة بانوراما الخليج» وهي مجلة اجتماعية ثقافية شهرية وكان صاحبها ورئيس تحريرها في الفترة 1983 - 2003 قبل أن تؤول ملكيتها إلى مؤسسة الأيام للصحافة، المؤسسة التي عمل فيها نائباً لرئيس مجلس الإدارة في الفترة 1991 - 2003.

وقد أصدر العام 2006 جريدة الوقت وهي جريدة يومية سياسية مستقلة وأصبح رئيس مجلس إدارتها ورئيس تحريرها لحين توقفها عن الصدور في 3 مايو/ أيار العام 2010.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 5372 - الإثنين 22 مايو 2017م الموافق 26 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 5:54 ص

      مقال رائع
      شكرا

      وشكر استاذ ابراهيم بشمي، ...

    • زائر 3 | 12:30 م

      لتمنى عودة الكتاب المخضرمين واعادة نشر كتبهم التي اثرونا بها ويكون ذلك عبر الوسائل المرئية .. ليتعرف عليها الجيل الجديد ولا ننسى بقية الكتاب .

    • زائر 2 | 4:39 ص

      كمتابع وقاريء اختلف كثيرا مع وجهات الكاتب ابراهيم بشمي السياسيه إلا ان الحق يقال انه كاتب بارع وله اسهامات ثقافيه وتاريخية وقلمه جميل

    • زائر 1 | 12:52 ص

      ممتاز
      عمود ممتاز، لك الشكر

    • زائر 4 زائر 1 | 2:53 م

      شكرا أستاذ وسام السبع مقال ممميز

اقرأ ايضاً