العدد 5374 - الأربعاء 24 مايو 2017م الموافق 28 شعبان 1438هـ

المغامرة الروائية الأولى

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

حضرت الأسبوع الماضي حفلاً ثقافياً بمناسبة تدشين الرواية الأولى لطبيب الأسنان عقيل الموسوي «أريامهرنامه» لخص الكاتب في تلك الأمسية رحلة الرواية، وكيف استلهمها؟ وكيف كانت أحداث الربيع العربي منطلقاً ودافعاً لكتابتها، ففي الرابع من يناير/ كانون الثاني العام 2011 انتحر الابن الأصغر لشاه إيران السابق علي رضا بهلوي (30 عاماً) في منفاه القسري بأن أطلق الرصاص على نفسه، وقد تزامن ذلك مع وفاة محمد البوعزيزي (26 عاماً) مطلق شرارة الربيع العربي الذي حرق نفسه إثر قيام شرطية بضربه ومصادرة عربة خضاره في مدينة سيدي بوسعيد التونسية، كان بطل الرواية هو الآخر شاباً عربياً ذاهلاً ومأزوماً ومغترباً يعيش تداعيات أحداث الربيع العربي، وربما كان ذلك هو العامل النفسي الخفي والخيط الذي جمع الشباب الثلاثة في تلك اللحظة الزمنية الفارقة.

وظف عقيل تلك البدايات لإنتاج رواية جميلة وآسرة استغرقته عملاً بحثياً امتد على مدى خمس سنوات، تنحو بعض الروايات المعاصرة إلى الاتكاء على الدراسة والتحليل التاريخي والعلمي وتقصي المعلومات من مصادرها الأصلية والفرعية من أجل الوصول إلى استنتاجات سليمة نسبياً من هذه الزاوية أو تلك، استغل الموسوي شغفه القديم بهواية جمع الطوابع واقتناء العملات النادرة والسفر والترحال واكتشاف الأمكنة لتلمس طريقه نحو صيرورة الحضارة الفارسية السالفة والمعاصرة، استطلع الأمكنة ميدانياً ومشياً على الأقدام (legwork)، وتأمل عميقاً في المنقوشات والعملات والدروع والرسومات والشعارات والأعلام والمجوهرات والسجاد ليقرأ التاريخ من هذه الزاوية أيضاً، وليحكي سيرة «نورالآريين».

وحسب الأكاديمي والكاتب نادر كاظم فإن «الرواية تقتحم عالم إيران بكل تعقيده التاريخي والجغرافي والسياسي والديني والقومي، وحيث يتابع شاب عربي قصة الشاهنشاه فيعرج على حركات إيران الوطنية المقاومة لخطط الغرب للهيمنة على السياسة والنفط، والأخرى الإسلامية المقاومة لدولة الشاه العلمانية، ويسقط كل ذلك على ما يجري في ثورات الربيع العربي».

في فصل منطق الشهنامة يروي المؤلف «كان عامة الإيرانيين يتحدثون الفارسية فقط؛ لكن علماءهم كانوا ثنائيي اللغة يجيدون العربية والفارسية، وبات عليهم أن يقرروا إما مواصلة الثنائية اللغوية وإما الانفصال، في تلك المعركة اللغوية تحدى الفردوسي فكرة التفوق العربي، واختار اللغة الفارسية ونفذ بالشهنامة إلى قلوب الإيرانيين، وليس من المبالغة النظر إلى هذا الكتاب على أنه رد الفعل الإيراني، ولو أنه جاء متأخراً بعض الشيء، فبعد الفتح الإسلامي صمتت الأمة الإيرانية قرنين من الزمان، احتاجت فيهما إلى ذلك الصمت والوقت لتتجاوز الصدمة الكبرى، وانهيار دولتها على يد العرب ولتعيد تدوير الهزيمة، ولما نطقت ايران كان لسانها الشهنامة وبطلها الجديد هو الفردوسي الذي كان ابن زمانه زمان الشعوبية وبعث القومية الإيرانية بامتياز».

ووفقاً للرواية فقد اجتهد شاه إيران السابق لاستعادة المجد الفارسي القديم هذا، والتأسيس لدولة أكثر علمانية، فاصطدم برجال الدين وبدأ يحفر لنهايته، وفي الفصل الخاص بقضية تأميم النفط في ظل حكومة الدكتور مصدق، يتحدث الراوي كيف جرى الانقلاب على مصدق بتحالف بين الداخل والخارج انتهى بسجن مصدق وإقصائه وقبر أحلامه الوطنية وهدم بيته لاحقاً، ثم كيف لعبت الصحافة «المرتشية» دوراً في تشكيل الرأي العالمي والمحلي للتأليب على مصدق بوصفه شيوعياً وخائناً للوطن؟

أطل الراوي على إيران من الخارج ومن الداخل، بعد أن سافر إليها سائحاً ومؤرخاً وقرأ أساطيرها وسيَر ومذكرات أهم رجالها وصانعي تاريخها وآدابها وشعرائها، واختار شكلاً روائياً متفرداً وجذاباً في توصيل المعرفة والمعلومة.

استنطق الراوي أبطال روايته وجعلهم يروون حكاياتهم بأنفسهم، ويعترفون بالأخطاء والمراجعات، لكن القارئ لرواية «أريامهرنامه» يتوقف ملياً أمام سيرة فرح ديبا الشهبانو والزوجة الثالثة للملك المخلوع الذي يتعرف عليها البطل من خلال المراسلة الإلكترونية لتعزيتها في وفاة ابنها، وينتهي الأمر بلقائها في باريس التي اختارتها فرح بلداً للمنفى، تعترف فرح ديبا التي ظلت وفية لحب الشاه ولعائلتها ولأبنائها الأحياء والأموات بتلك الحياة الزاخرة التي عاشتها: «إننا نعشق الحياة ليس لأننا نحب أن نعيش؛ ولكن لأننا مفطورون على الحب، وكلنا نعيش حياتنا على أمل أن نترك علاقات خالدة وذكريات رائعة، وأن من يعش حياة ممتلئة يمت بندوب كثيرة» .

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 5374 - الأربعاء 24 مايو 2017م الموافق 28 شعبان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:13 ص

      رائعة هي الرواية ومن اسردها ومن كتب عنها موفقان انت والكاتب

    • زائر 2 | 4:08 ص

      تحية طيبة لك سيدة عصمت
      و تحياتي لزميل المهنة و الاخ العزيز د. عقيل الموسوي و تمنياتي له بالتوفيق في عمله الادبي الاول.
      و كما عهدنا من زميلنا العزيز المفاجأت فهذا هو عقيل الموسوي
      و كل عام و عائلتكم الكريمة بخير و رمضان كريم.
      د. حسن الصددي

    • زائر 1 | 2:09 ص

      روعة

اقرأ ايضاً