العدد 5376 - الجمعة 26 مايو 2017م الموافق 29 شعبان 1438هـ

الحصن في موقع قلعة البحرين: هل يعود لفترة الدولة العيونية؟

آثار الحصن في موقع قلعة البحرين
آثار الحصن في موقع قلعة البحرين

المنامة - حسين محمد حسين 

تحديث: 28 مايو 2017

كشفت البعثة الدنماركية في موقع قلعة البحرين في موسم التنقيب 1955 - 1957م عن آثار قصر مُحصَّن، وقد تابعت البعثة العمل في التنقيب في هذا الحصن في موسم العام 1971م. هذا، ومن المرجّح أن هذا القصر المحصن ربما كانت له أغراض تجارية أيضاً؛ حيث إنه يحتوي على عددٍ من الغرف الكبيرة الخاصة بصناعة الدبس. وفي تقريرها الأوّلي حول هذا القصر المحصن، رجّحت البعثة الدنماركية أن هذا القصر المحصّن قد بُنِي بعد القرن الحادي عشر الميلادي وذلك اعتماداً على تحليل الفخّار الذي عثر عليه فيه والذي يعود غالبيته إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين (Hojlund and Andersen 1994, pp. 23-31). هذا، وقد أكد التقرير التفصيلي الذي نشر لاحقاً بشأن هذا الحصن على النتيجة ذاتها، وأضاف التقرير، أن بعض هذا الفخّار ربما يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي (Frifelt 2001, pp. 35-46).

هذا، ويؤكد Priestman في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه، والذي أجرى فيها مقارنات بين العديد من أنواع الفخّار الإسلامي، على أن بعض من هذا الفخّار الإسلامي الذي عثر عليه في الحصن يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، على سبيل المثال الفخّار الذي أطلق عليه اسم MGPAINT.1، أي الفخّار الأرجواني المطلي غير المزجّج، والذي يرجّح أنه كان يصنع في البحرين في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر الميلادي (Priestman 2013, p. 367).

إن وجود هذا الكمّ الكبير من الفخّار الإسلامي والذي تم التوافق على الفترة التي انتشر فيها لا يترك مجالاً للشك أن القصر المحصن كان، بأقل تقدير، يستخدم في تلك الفترة نفسها التي يعود لها غالبية الفخّار الإسلامي؛ أي القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين؛ أي فترة الدولة العيونية. هذا ويرجّح Priestman، بحسب تحليل الفخّار، أن القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين هي فترة ذروة الاستيطان في الفترة الإسلامية في موقع قلعة البحرين (Priestman 2013, p. 133).

يذكر، أن البعثة الدنماركية ترجّح أن القصر المحصّن تم بناؤه في الفترة الإسلامية ذاتها التي يعود لها الفخّار، (ربما القرن الحادي عشر الميلادي أو الثاني عشر الميلادي) وأنه بني على بقايا بيوت تعود للفترة الهلنستية (300 ق. م. – 200 م)، وأن آثار هذه الفترة الهلنستية تنتشر حتى في المناطق المجاورة للحصن (Frifelt 2001, pp. 35-46)،(Hojlund 2006).

نظرية البعثة

الفرنسية حول بناء الحصن

نقّبت البعثة الفرنسية بقيادة Kervran، في موقع القصر المحصّن في الفترة ما بين 1978 - 1986م، ونشرت نتائجها على مرحلتين، التقرير الأولي الذي نشر في العام 1982م، وفيه ترجّح البعثة الفرنسية أن الحصن بني في الفترة الإسلامية (Kervran et. al. 1982). أما التقرير النهائي فقد نشر في العام 2005م، وفي هذا التقرير الأخير تتفق البعثة الفرنسية مع البعثة الدنماركية على تحديد الفترة التي يعود لها الفخّار الإسلامي الذي عثر عليه في الحصن وهو القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين (Vogt. 2005, pp. 309 - 328)، إلا أنها ترى أن الحصن مر بأربع مراحل: مرحلة البناء قرابة العام 200م، ومرحلة استيطان بسيطة قرابة العام 400م، ومرحلة هجر فيها الحصن (ما بين 400 - 1250م)، ومرحلة إعادة استعماله كجزء من مركز تجاري محصن وذلك في فترة السيطرة السلغرية في قرابة العام 1250م واستمر كذلك حتى هجر قبل العام 1400م (Kervran and Rougeulle 2005, pp. 161-177)

هذا، وقد نشر Hojlund دراسة خصها في الرد على فرضية البعثة الفرنسية، وقد أثار العديد من التساؤلات الجديرة بالتوقف عندها وتأملها، كما أكد Hojlund في دراسته على أن المستويات الآثارية الذي عثرت عليها البعثة الفرنسية أسفل سطح الحصن ما هي إلا المستويات الهلنستية التي تنتشر في المنطقة والتي بني عليها الحصن، وأن الفخّار الذي عثرت عليه البعثة الفرنسية في تلك المستويات، شبيه تماماً بالفخّار الذي عثرت عليه البعثة الدنماركية في الطبقة الآثارية التي تعود للفترة الهلنستية، باستثناء كسرة واحدة غريبة، وعليه يرى Hojlund أنه من الصعب ترجيح فرضية بناء الحصن في الفترة الهلنستية، بهذه الأدلة فقط (Hojlund 2006).

أما في ما يخص المرحلة الرابعة التي حدّدتها البعثة الفرنسية لتجديد وإعادة استعمال الحصن في الفترة الإسلامية فقد حدّدتها بقرابة العام 1250م، وذلك اعتماداً على العملات السلغرية التي تم العثور عليها في الحصن (Kervran and Rougeulle 2005, pp. 283-295). وبذلك، تكون البعثة الفرنسية جاءت بنظرية مغايرة تماماً للبعثة الدنماركية، ليس من حيث تاريخ البناء فقط، وإنما في طريقة تحديد الفترة الإسلامية التي استعمل فيها الحصن؛ حيث اعتمدت البعثة الدنماركية على دليل تحليل الفخّار الإسلامي في تحديد تاريخ بناء الحصن واستعماله، بينما استخدمت البعثة الفرنسية العملات السلغرية فقط في عملية تحديد فترة تجديد وإعادة استعمال الحصن في الفترة الإسلامية.

يذكر، أنه بالإضافة للعمل السلغرية تم العثور على العديد من العمل في الحصن وفي منطقة القرية الإسلامية المجاورة، منها عمل تعود لفترة القرامطة، من النوع الشائع التي كانت تضرب محلياً، كما عثر على عملات تعود إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين (Frifelt 2001, pp. 166-167).

الخلاصة

تُعتبر نتائج تحليل الفخّار الإسلامي من الأدلة القوية التي تشير إلى عملية استعمال الحصن الإسلامي في الفترة نفسها التي يعود إليها هذا الفخّار، والذي يعود غالبيته إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، أي فترة الدولة العيونية، وما بعدها، بمعنى، أنه في حال تم رفض نظرية بناء الحصن بعد القرن الحادي عشر الميلادي أو تم قبولها، فإنه من الصعب أن يستبعد الفخّار الإسلامي كدليل على استعمال الحصن في الفترة التي يعود لها ذلك الفخّار.

يذكر، أن بالقرب من هذا الحصن بُنيت قرية أيضاً، وأن تاريخ بنائها مرتبط بتاريخ بناء أو إعادة استعمال الحصن في الفترة الإسلامية، وهو ما سنتطرق له بالتفصيل في الحلقات المقبلة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً