العدد 5378 - الأحد 28 مايو 2017م الموافق 02 رمضان 1438هـ

في فيلم «كل شيء، كل شيء» .. الحب هو الحياة

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم

ماذا لو اكتشف أحد ما أنه لا يستطيع الخروج من بيته؟ أن تحاصره أنظمة حماية منذ الباب الخارجي للمنزل حتى غرفة نومه؟ أن يكون عليه أن يعقّم كل ما حوله، ويرتدي لوناً واحداً من الملابس؟ ألَّا يجد له صحبة غير الانترنت والكتب والمجسّمات المعمارية التي يقوم بتصميمها؟

هذه هي حياة «مادي» بطلة فيلم «كل شيء، كل شيء» للمخرجة ستيلا ميجي، وعلى رغم أن الوجوه لم تكن كثيرة في الفيلم، ولا الأحداث متشعّبة، إلا أن كم المشاعر الذي يعتري المشاهد كان أكبر بكثير من مجرّد ساعتين إلا قليلاً.

قصة الفيلم

تدور أحداث الفيلم حول «مادي» الفتاة ذات الـ 18 عاماً والتي لم تستطع الخروج من منزلها مذ كان عمرها أشهر، بعد أن اكتشفت والدتها الطبيبة إصابتها بمرض نادر من نقص المناعة، يحتّم عليها البقاء بعيداً عن الأشياء والبشر، ومنذ أن توفي أخوها ووالدها في حادث مروري، لم ترَ «مادي» من العالم الخارجي إلا تلك المساحة الضيقة المحيطة بمنزلها من خلال الغرفة الزجاجية التي صُمِّمت لها لتشعرها بأنها خارج جدرانها الأربعة.

«مادي» الحالمة ذات الخيال الخصب، لم تجد رفيقاً أجمل من الكتب التي تقرأها بنهم، وتكتب عنها قراءات انطباعية تنشرها عبر شبكة الانترنت التي كانت نافذتها على كل العالم.

قلمها وريشتها وكتبها ومجسمات تصميماتها المعمارية التي دائماً ما تضم رجل فضاء بداخلها كانوا عالمها الملموس وسط عالم افتراضي للأشياء والأشخاص اضطرت لاستخدام خيالها كي تعيش معهم. وقد اختارت رجل الفضاء رفيقاً لها، لأنها تشعر أنه سجين زيه الذي لابد وأن يرتديه ولا يستطيع مغادرته، تماماً كسجنها الذي يبدو أكبر باعتبار أنها لا تستطيع مغادرة منزلها أو استقبال أحد فيه ماعدا ممرضتها وصديقة واحدة.

هكذا عاشت «مادي» سنواتها الـ 18 قبل أن تنتقل أسرة جديدة إلى المنزل المجاور لها وتتعرف على «أولي» الشاب الوسيم المتشائم الذي يرتدي الأسود غالباً، والذي يهتم بالتعرف إليها عبر وقوفهما بقرب نافذتي غرفتيهما ومن ثم عبر محادثاتهما الهاتفية، لتنشأ بينهما علاقة تتحدى حدود الحبس.

تخترق «مادي» القوانين بمساعدة ممرضتها لتستقبل صديقها الجديد في المنزل قبل أن تكتشف والدتها الأمر وتطرد الممرضة وتمنع ابنتها من استخدام الانترنت والهاتف إلا بإشراف الممرضة الجديدة.

وعبر أحداث بطيئة تزخر بالمشاعر المتناقضة، تقرر «مادي» تحدي مرضها والسفر إلى هاواي لرؤية حلمها المتجسّد في المحيط والذي كان يمثل لها حياة وحرية، فتتفق مع صديقها ويغادران ليومين تصاب بعدها بالمرض الذي يدخلها غيبوبة لتعرف بعدها أنها لم تكن مريضة أبداً، وأن أمها خدعتها خوفاً من فقدها كما فقدت ابنها وزوجها، فتقرر الرحيل إلى حيث غادر «أولي» لتعيش حياتها كما تريد.

الحب أقوى

أحداث الفيلم المأخوذة عن رواية بالاسم نفسه للكاتب «نيكولا يون» كانت تقول إن الحب أقوى، وأن طاقته قد تقضي على أي حاجز. فحب الأم لابنتها وخوفها من فقدانها، كان دافعها لاختراع قصة مرضها وتصديقها، مهما اختلفنا أو اتفقنا مع الأسلوب. وحب البطلة للبطل كان دافعه التضحية بكل حياتها من أجل يومي سعادة تقضيهما برفقته. وحبها لحلمها جعلها تختار المحيط وتلقي بنفسها في أحضانه على رغم عدم إجادتها السباحة. وحب الفتى للبطلة جعله يصدق ما تقوله ويغادر منزله من غير تفكير في العواقب. وحبهما لبعضهما على رغم اختلاف عرقيهما فهي سوداء وهو أبيض جعلهما لا يعيران هذا الجانب اهتماماً.

هذا الحب غيّر البطل، وبثّ روح التفاؤل والشجاعة بداخله، حتى استطاع أن يغيّر من حياته ونظرته إليها وحتى لون ملابسه الأسود، وأن يدفع والدته إلى إيقاف ألمها مع زوجها السكّير العنيف، لترحل مع ابنها وابنتها ليلاً إلى غير عودة.

بين المخرج والأحداث

قد يبدو الفيلم موجّهاً إلى الشباب، وخصوصاً أن البطلين شابان، وأن الرواية الأصل كتبت للشباب، ولكن هذا لا يمنع أن يستمتع برسائله من يشاهده وإن تجاوز السن المفترض لمثل هذه الأفلام.

مخرجة الفيلم كانت متميزة في بعض المشاهد، فقد جسّدت رائد الفضاء الذي تصنعه البطلة وتضعه في كل مجسماتها، ليغدو حقيقياً يراقب ما يحدث في بعض المشاهد، ويدفع نحو تغيير الأحداث، إضافة إلى اهتمامها بزوايا تصوير بعض المواقف وانتقالها بين اللقطات القريبة وتلك البعيدة التي تجعل المشاهد يعيش مع الأحداث ليكون جزءاّ منها.

انتقال الكادر من المجسّم الموضوع في الغرفة إلى أرض الواقع، ومن المحادثة عبر الرسائل الالكترونية إلى اللقاء المباشر يجسّد مدى اندماج البطلين في علاقتهما وكسرهما الحواجز المفترضة عليهما، وكيف أن البطلة قادرة على التخيل كونها لم تعش حياتها إلا خيالاً.

فيلم «كل شيء كل شيء»، هو رسالة حب واضحة تؤكد أن الحب أقوى وأنه لابد وأن يكون حراً كي يبقى، ومتى ما أراد أحد سجن حبيبه بدافع الخوف من فقده أو لأي دافع آخر، لابد وأن يخسره في يوم ما، مادام غير قادر على احتوائه بمشاعره لا بسجنه.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً