العدد 5378 - الأحد 28 مايو 2017م الموافق 02 رمضان 1438هـ

الدراز للعبرة والبحث عن بدائل

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

أول الكلام: إن ما حدث في الدراز يوم الثلثاء الموافق 23 مايو/ أيار العام 2017، وموت خمسة أشخاص في غضون ساعات متتالية، لابد أن يثير الحزن الانساني بالنسبة للحس السليم وبغض النظر عن التفاصيل، وفي نفس الوقت إن ما حدث بالدراز يعكس أزمة تعيشها البلاد منذ فبراير/ شباط 2011، كما يؤشر إلى أن الوضع قد وصل إلى طريق مسدود.

أما أنْ يثير الحزن فإن عدد الذين قضوا نحبهم وفي غضون ساعات، يعتبر كبيراً وفاجعاً بالنسبة للقرية وبالنسبة للبحرين ككل. فهذا البلد أشبه بعائلة كبيرة ممتدة في المكان. وبالتالي فإن الحزن عام وشامل كموجة تنداح على عموم الوطن. وهنا يتساءل المرء ألم يكن هناك بدائل لتجنب هذا الذي حدث وتقليل الخسائر؟

والحس السليم يقول أن تكون لديك مشكلة وتريد حلها فهذا أمر عادي، لكن أن تكون الحلول مكلفة جداً، لا بل تزيد من تعقيد المشكلة الأصلية، وتترك جروحاً غائرة فهذا أمر غيرعادي، وبحاجة إلى إعادة نظر ووقفة موضوعية لمساءلة ما جرى بالضبط، وتقييم الموقف وتجنبه في المستقبل.

من الطبيعي أن أهل البحرين يختلفون ويتفقون على كثير من الأمور وهذا أمر معتاد؛ لكنهم لن يختلفوا على ضرورة حفظ الأرواح والأشخاص مهما كانت مواقفهم الحياتية أو السياسية من الأوضاع. فأرواحهم فيما بينهم هي أغلى شيء، ولا يعلو عليها شيء.

والجهات المعنية بحفظ النظام والأمن، هي معنية في الوقت نفسه بالحفاظ على حياة الناس، وبغض النظر عمن يكونون؟ وكيف يفكرون؟ وبماذا يعتقدون وأين يكونون؟ فالأمن هو أولاً وأخيراً هو أمن على حياة الناس، هو أمن يصون أرواحهم وحقهم في الحياة قبل أي شيء آخر حتى قبل أرزاقهم... فحق الحياة هو أول الحقوق دون منازع، وما عداه يأتي في المرتبة التالية.

لا أستطيع أن أجزم بطريقة لوجستية محددة في كيفية فض الاعتصام في الدراز، فهذا يقوم به أهل الاختصاص من المعنيين بالأمن، لكنني أستطيع القول أن هناك طرقاً متعددة لحل هكذا نوع من المشكلات بحيث تكون الكلفة الانسانية صفراً.

إن البحرين بحاجةٍ إلى انتهاج طريق يعتمد على فن المفاوضات أو الحوار، وهي طريقة ناجحة جداً وغير مكلفة في إيجاد الحلول لكثير من المشاكل، بما في ذلك المشاكل المستعصية منها حتى لو طال الزمن.

إن البحرين بحاجةٍ إلى تجريب أساليب حل المشكلات المستعصية بطرق جادة أخرى غير المعالجة الأمنية التي هي أساساً معالجة مكلفة مادياً وبشرياً للجميع، كما أنها مكلفة من حيث نتائجها لكل الأطراف، والواقع يؤكد ذلك. وهنا يحضرني مبدأ أو طريقة أو أسلوب المصالحات تعتمد على مبدأ معروف في كل مكان دون أن يترتب على ذلك أي خسائر بشرية لكل الأطراف الداخلة في المصالحة. فقط الربح الوحيد هو الحفاظ على الأرواح وتقليل الخسائر فيما بين الأطراف الداخلة في المصالحة، وتنتهي المشكلة عند هذا الحد، مع التزام كل طرف بإنهاء الوضع غير الطبيعي، وقد يؤدي ذلك في مرحلة لاحقة إلى الدخول في حلول سياسية وفقاً للمستوى الحضاري لمختلف الأطراف.

إلا أن ما حدث قد حدث بكثيرٍ من الأسى والحزن والخسارة، فإنه مع ذلك يمكن أن يكون درساً وعبرةً للجميع، وحافزاً للدخول في حوار جاد ومتكافىء يسبقه تبريد الساحة بانتفاء المظاهر الأمنية، في حوار يخرج البلاد والعباد من الطريق المسدود. ودون ذلك سنظل ندور في دائرة مفرغة وجهنمية، الكل فيها خسران.

وهنا لابد من تقدير أن الكلفة الإنسانية مأسوية جداً، وهذا ما لا نتمنى استمراره. ولأننا في شهر رمضان الكريم والمبارك فقد يكون مناسبة دينية وأخلاقية للأمِ الجروح من جهة، وللتلاقي والتوافق على حلول مقبولة من قبل كل الأطراف المجتمعية الفاعلة من جهة اخرى.

ما أحوجنا في هذه اللحظة التاريخية للخروج من التيه، فلنفتح ثغرةً في الطريق المسدود. لنجرّب سبلاً أخرى، وعليه لن نخسر شيئاً، بل الجميع سيربح، وبالنتيجة الوطن هو الرابح الأكبر. ورمضان كريم وكل عام وأنتم بخير.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 5378 - الأحد 28 مايو 2017م الموافق 02 رمضان 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 24 | 8:09 ص

      كلام سليم .. ويا ليت الكاتب العزيز ذكر نماذج من الحلول ...

    • زائر 23 | 10:56 ص

      حسبنا الله و نعم الوكيل

    • زائر 22 | 7:48 ص

      أحسنت جزاك الله خيرا

    • زائر 17 | 8:25 ص

      أحسنت جزاك الله خير... اليوم هناك حكر حتى على الكلمة

    • زائر 16 | 8:02 ص

      المشتكى لله 250 شهيد من 2011 الى الان نبث شكوانا الى الله اللهم ارحم شهدائنا الابرار وفك اسرانا

    • زائر 14 | 5:52 ص

      عمك أصمخ إذا كان يعترف بك أصلاً

    • زائر 12 | 5:35 ص

      شكرا للكاتب الكبير الاستاذ يوسف مكي.
      اصل المشكلة لو ان الدستور يحترم و يطبق بحذافيره لما حصل ما حصل منذ 2011 الى الان.
      البحرين فقدت عشرات الضحايا خلال هذه الفترة و هو رقم كبير جدا على البحرين بمساحتها الجغرافية الصغيرة.

    • زائر 11 | 4:49 ص

      بعد كل هذا ولا زال الحصار الى الان وهو الان اشد وهو ممتد الى داخل الاحياء بحيث تشعر بفرض عدم التجوال من كثرة العساكر

    • زائر 10 | 3:27 ص

      كلامك سليم لكن لمن القى السمع وهو شهيد والسؤال هل فض الاعتصام ام ان هناك اعتصام من نوع آخر يحيط ببيت الشيخ ويجعل الدراز كثكنة عسكرية؟
      لم يكن هذا هو الحل الانجح وان اصرّ البعض على رأيه انه الاسلم فالعواقب لم تأتي سليمة والحال من سيء لأسوأ بكثير والوضع والمعاناة تضاعفت وشكوى الناس لله في هذا الشهر

    • زائر 9 | 3:09 ص

      لقد اسمعت لوناديت حيا .....................................

    • زائر 8 | 2:57 ص

      عندما تغيب الحكمة ويغيب العقل والنية الصادقة في الحل لدى الطرفين تكون النتائج كارثية مثل ما هو حاصل من 2011 بشكل عام أو ما حصل بالدراز على وجه التحديد
      لن نجد مثل هذا النوع من الكوارث في الدول المتقدمة فقط في بلداننا حيث ترخص أرواح البشر سواء على أصحابها أو من قبل الآخرين المفترض منهم حماية الناس

    • زائر 7 | 2:28 ص

      مقال رائعة تنطوي على كثير مما يختلج في صدور كثير من البحرينيين أو ما يتهامسونه ولكن تأثيره ضعيف تحت زئير محركات المجنزرات وهدير سيارات الدفع الرباعي الامنية التي تجوب الدراز وغيرها ، كذلك الدعوة للحوار ولم الجراح تحتاج الى طرفين عاقلين ، ولا ادري بعد كل الاجراءات الاخيرة ، هل ما زلنا نملك طرفين ، فضلاً عن يكونوا عاقلين. الحقيقة الصعبة ، بأن البلاد دخلت حقبة جديدة هي الاكثر تعقيد وصعوبة على مستقبل البلاد في كافة الصعد والمجالات ، وخاصة البعد الاجتماعي ، وهذا اخطر تداعيات احداث الدراز.

    • زائر 15 زائر 7 | 7:14 ص

      عجبتني عبارة طرفين عاقلين
      الحكومة وبحكم خبرتها الطويلة في الحكم اكتسبت خبرة كبيرة ولابد انها عاقلة والا لما استمرت يبقي الطرف الآخر الآن الذي علينا تمحيصه بشكل ادق وبجدية لنستبين خبرتهم السياسية الفعلية وامكانياتهم العقلية والتفاوضية

    • زائر 18 زائر 15 | 8:41 ص

      طبعاً أخي العزيز ، عندما نتحدث عن العقلاء في معرض القضايا الوطنية والاجتماعية ، لا نتحدث عن النجاح في بقاء طرف معين في السلطة الرسمية او الحزبية ، بل نحن نتحدث عن النجاح في صيغ التعاقد والاستقرار الاجتماعي والسياسي. لا يمكن اعتبار بقاء الحكم في السلطة انجاز له ، فلم يكن مهدد بالزوال في يوم من الايام ، اما الطرف الاخر، أتفق معك، بأنه لم يكن عاقل ولا مؤهل ولا وطني ، اما اليوم فهو ليس طرف ، فقد صفاته التمثيلية. النجاح الوطني هو في الوحدة الوطنية بين مختلف اطياف البلد ثم الاستقرار والتنمية المشتركة

    • زائر 6 | 2:21 ص

      رجعتو للأذان في خرابة...يبه لا تتعبون نفسكم...خلاص...أشربت مروقها ولن ترجع للوراء....

    • زائر 1 | 11:18 م

      أحسنت. . أستاذي الكريم. .

اقرأ ايضاً