العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ

مرسومان للطوارئ: السلامة الوطنية والأحكام العرفية

تسآؤلات عن صلتهما بقانون أمن الدولة

يتوقع صدور«مرسوم بقانون رقم... لسنة 2002 بشأن السلامة الوطنية». ويبدو القانون صورة من صور الأحكام العرفية التي تقنن العمل في حالات الطوارئ للحفاظ على الأمن العام. ويجيء إصدار القانون بعد حوالي 20 شهرا من إلغاء قانون أمن الدولة السيئ الصيت، مترافقا حينها مع سلسلة إجراءات حكومية مهدت للتصويت على ميثاق العمل الوطني...، وهو ما يربط مرسوم السلامة الوطنية في نظر البعض بقانون أمن الدولة. ويعتبر القانونيون قانون أمن الدولة مختلفا كليا عن القانون الحالي، الأول قانون غير دستوري بـ «المطلق»، إذ يتيح للسلطات محاسبة الأفراد على النوايا والزج بهم في السجن لمدة ثلاث سنوات.

أما الأحكام العرفية فإنها «مقننة بحسب الدساتير». ويقول الباحث القانوني حسن بوحجي في ورقة له بعنوان الشرعية الدستورية لكل من الأحكام العرفية وإعلانها: إن هذه الأحكام «في مفهوم الفقه الدستوري من أدق نماذج الشرعية الدستورية تكيفا من حيث الصعوبة والخطورة على مجمل المبادئ التي يؤسس عليها أي نظام أساسي لدولة نظام دستوري. إذ أجاز المشرع الدستوري - مرغما - تغليب المصلحة والسيادة العليا للدولة والمجتمع مقابل التضحية والمساس ببعض أو غالبية الحقوق والحريات العامة والخاصة للأفراد والمؤسسات التي تضمنها الدستور ونظمتها القوانين تحت ما يسمى الحفاظ على أمن الوطن والنظام العام، ضمن المفهوم العام لنظرية الضرورة في الظروف الاستثنائية، ومعيار التوازن بين استحقاق المبادئ ذات القيمة الدستورية ومتطلبات المحافظة على الأمن». ويضيف بوحجي في الورقة ذاتها أن «طبيعة الأحكام العرفية تستمد شرعيتها من المواد التي تضمنها دستور مملكة البحرين في المادة 36/ (ب) والمادة 123، وكذلك ما ورد في دستور دولة البحرين باعتباره مرجعية لميثاق العمل الوطني في المادة 36 فقرة (ب) والمادة 108 منه، ولكون الأحكام العرفية تصنف ضمن القوانين ذات الصفة الدستورية، فقد اعتبر بحق من أخطر القوانين في يد السلطة التنفيذية، باعتباره أداة في توظيفه لتعطيل أي حكم من أحكام الدستور تحت ذريعة الأحكام العرفية».

إشكالية التسمية

من وجهة نظر عبدالله الشملاوي (محام) فانه كان «الأولى أن يسمى المرسوم المرتقب بمرسوم الأحوال العرفية، لأن تسميته الحالية (السلامة الوطنية) تسمية موهمة وملغزة، وتنافي حسن الصناعة التشريعية التي تستلزم أن تكون عبارة المشرع واضحة، وبعيدة عن الغريب من الألفاظ، متماشية مع العرف اللغوي».

وأضاف الشملاوي أن المادة 36/ب من دستور المملكة تنص على أن «لا تعلن حالة السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية إلا بمرسوم، ويجب في جميع الأحوال أن يكون إعلانها لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ولا يجوز مدها إلا بموافقة المجلس الوطني بأغلبية الحاضرين».

ويستفاد من هذه المادة ـ كما يقول الشملاوي - أن «دستور 2002 يساوي في المعنى بين حال السلامة الوطنية والأحكام العرفية، بدليل استخدام أداة العطف البياني (أو)، ويؤكد ذلك الإشارة إلى الأحكام العرفية فقط في المادة (123)، ولم يذكر حال السلامة الوطنية. كما أن المادة 36 عندما ذكرت حال السلامة الوطنية أو الأحكام العرفية، أعقبت الحديث عنها بضمير المفرد بقولها «يكون إعلانها... ولا يجوز مدها»، ما يعني أن السلامة الوطنية هي الأحكام العرفية المعروفة عند الناس والمتداولة في التشريعات المقارنة، وكان المشرع في غنى عن استخدام العبارات الموهمة».

ويرى قانونيون آخرون ـ ومن بينهم الشملاوي وبوحجي - أنه مع وجود قانون للأحكام العرفية يحمل اسم «مرسوم بقانون رقم 27 لسنة 1981 بشأن الأحكام العرفية»، فإن صدور قانون جديد تحت مسمى «السلامة الوطني» لا يلغي مرسوم الأحكام العرفية، ومن حق السلطة التنفيذية أن تحدد إلى أي القانونين تلجأ.

الفرق بين «العرفية»

و«السلامة الوطنية»

يبدو المرسومان (الأحكام العرفية الصادر في 1981، والسلامة الوطني المرتقب صدوره) متمايزين، ويلاحظ أن المادة الثالثة من مرسوم الأحكام العرفية التي تشمل 12 فقرة، والمادة الخامسة من قانون السلامة الوطنية (تشمل 15 فقرة) هما المادتان اللتان تحددان للسلطة التنفيذية اتخاذ تدابير معينة في أحوال محددة.

والخلاف الأساسي بينهما أن مرسوم الأحكام العرفية الأول يعطي السلطات المسئولة مساحات واسعة لاتخاذ تدابير متشددة من دون الرجوع إلى القضاء المدني، إذ يتم الرجوع إلى القضاء العسكري. إذ تنص المادة (7) من المرسوم على تشكيل «محكمة أمن الدولة الصغرى (...) وتختص بالنظر في الجرائم...، وتشكل محكمة أمن الدولة الكبرى (...) وتختص بنظر الجرائم الأخرى التي لا تدخل في اختصاص محكمة أمن الدولة الصغرى».

أما مرسوم السلامة الوطنية فإن المادة الثامنة منه تنص على أن يحال الأمر إلى المحكمة الكبرى المدنية (وليس العسكرية).

إلى ذلك فإن الفقرات الواردة في المادة الثالثة من «الأحكام العرفية» أكثر تشددا من فقرات المادة الخامسة في «السلامة الوطنية». فبينما نصت الفقرة الثامنة من المادة الثالثة من مسودة القانون المرتقب على «إذا ظهرت دلائل على جمعية أو ناد أو نقابة تمارس أعمالا من شأنها الإخلال بالنظام العام... يجوز إيقافها مؤقتا»، نصت الفقرة الأولى من المادة الثالثة من «الأحكام العرفية» على «وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال... ووقف نشاط أي ناد أو جمعية أو جماعة». والفرق واضح بين استخدام تعبير جواز الإيقاف المؤقت، أو التعبير المتشدد الذي استخدمه قانون الأحكام العرفية «وقف نشاط...».

وتنص الفقرة التاسعة من «السلامة الوطنية» على «إذا تبين أن ما تحتويه بعض وسائل الإعلام... من شأنه الإخلال بالسلامة الوطنية... جاز منع نشرها أو إذاعتها...»، وجاءت نصوص الفقرة الرابعة من «الأحكام العرفية» أكثر تشددا، ونصت على «الأمر بفرض الرقابة على الصحف والمطبوعات...».

إلى ذلك فإن كلا القانونين يحتويان عبارات مطاطة، مثل «بث روح الفرقة بين المواطنين»، «السلامة الوطنية»، من دون تبيان ما المقصود بمثل هذه العبارات. فضلا عما يثيره وجود قانونين للطوارئ، أحدهما يبدو متشددا، وربما كان الأولى أن يتم إلغاء القانون الصادر في 1981 لكونه نفسه متأثرا بقانون أمن الدولة، بل كان أحد أدائه وأدواته التنفيذية

العدد 97 - الأربعاء 11 ديسمبر 2002م الموافق 06 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً