العدد 102 - الإثنين 16 ديسمبر 2002م الموافق 11 شوال 1423هـ

من التحالف العام إلى الشراكة الكاملة

المغرب - أميركا:

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

إذا كانت العلاقات السياسية وحتى العسكرية والأمنية وطيدة بين المملكة المغربية والولايات المتحدة، فإن العلاقات الاقتصادية والتجارية سائرة اليوم على النهج نفسه، وخصوصا مع وجود الجمهوريين في الحكم، والذين تربطهم علاقات صداقة تاريخية مع العرش العلوي. فالضوء الأخضر الذي أعطاه حديثا الرئيس جورج بوش شخصيا لإنشاء منطقة للتبادل الحر بين البلدين - وقعت واشنطن مثله مع ثلاث بلدان فقط حتى الآن - وتسمية الفرق المعنية بالتفاوض في هذا الملف، كذلك الزيارات المتبادلة للمسئولين في كلا البلدين خلال الأسابيع الأخيرة - دليل على ان القرار الأميركي بتعزيز قدرات المغرب قد اتخذ، وأنه لم يتبق سوى تحديد التفاصيل.

تعتبر الزيارة التي قام بها وزير الدولة للشئون التجارية دونالد إيفنز للرباط قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بمثابة تأكيد لنوايا الإدارة الأميركية في الشروع ببناء منطقة للتبادل التجاري الحر بين البلدين. وقد تعمد المسئول الأميركي حسم جميع الاسئلة المطروحة داخل المغرب ولدى دول الجوار الشمال إفريقي حيال هذا المشروع بقوله: «إذا كنا مع توقيع هذا النوع من الاتفاقات مع أصدقائنا المغاربة فلأننا مقتنعون بأن الحل سيكون رابحا، وإلا لن تكون هنالك فائدة منه». هذه العبارات التي تلفّظ بها «إيفنز» بشيء من التصميم، والتي صادفت عشية جولته على القارة الإفريقية، التي بدأها بالعاصمة المغربية، عكست ارتباطا كبيرا لدى دوائر القرار في المملكة، والتي تراهن بقوة على قيام هذه الشراكة مع أقوى وأغنى دولة في العالم»، ذلك لكونها تزامنت مع الجهود الاستثنائية المبذولة حاليا، والمركزة على تنمية قطاعات الشمال (الريف) والجنوب (الصحراء الغربية) في هذه المرحلة بالذات؛ إضافة إلى أن إنشاء منطقة للتبادل التجاري الحر هذه من شأنه تعزيز غالبية مواقع المغرب، الذي تمر علاقاته السياسية والاقتصادية بحال من التأزم الحاد مع الجار الإسباني. فالملفت في تصريحات «إيفنز»، وهو بالتالي أهم ما رصده المراقبون، عدم اكتفاء هذا الأخير «بالعموميات على الطريقة الأميركية، بهدف تأمين خط الرجعة عن الالتزامات، بل تقصد الإشارة إلى خطوات مستقبلية لطمأنة محاوريه المغاربة، في طليعتهم رئيس الوزراء الجديد إدريس جطو ومن جملة هذه الإشارات، وعده بالتوجه فور عودته للبلاد، إلى القطاع الخاص الأميركي لإشعاره بأن شروط العمل والفرص المتوافرة مع المغرب تتحسن باطراد بحيث باتت اليوم حقيقة أكثر من أي وقت مضى.

وفي سياق الالتزام عينه، أعلن المسئول الأميركي أن عددا من القطاعات تهم المستثمرين الأميركيين، كما سمّاها بالاسم. وتتمثل هذه المجالات في الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات والتأمين، وقطاع النفط - تجدر الإشارة الى أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها مسئول أميركي عن هذا الجانب في المغرب - ولم لا، حسب قوله، القطاع المصرفي والمالي. هذه التفاصيل التي قدمها «إيفنز»، شكلت إجماعا لدى الأوساط المغربية، بما فيها اللوبي العربي المؤيد لأوروبا، لناحية الجزم بأن الاقتراب من الهدف أصبح واقعا. كما جاءت تسمية فريق المفاوضين من قبل واشنطن بقيادة المساعدة للمثل التجاري للولايات المتحدة لأوروبا والشرق الأوسط كاترين، والتي قابلها سلسلة اللقاءات التي اضطلع بها، الوزير المنتدب للشئون الخارجية والتعاون «الطيب الفاسي فحوي» (أحد المقربين إلى الملك محمد السادس)، والمسئول عن ملف منطقة التبادل التجاري الحر لواشنطن بعد زيارة «إيفنز» بثمان وأربعين ساعة، مع المستشار الخاص للرئيس بوش لآسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا زالماي خاليزاد، والمساعد الخاص للشئون الاقتصادية الدولية جون كلاود، كذلك مساعد نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، لشئون الأمن القومي إريك اديكمان لتثبت بما لا يقبل الشك، بأن المغرب ليس حليفا «استراتيجيا» فحسب، بل شريكا اقتصاديا وتجاريا كاملا لها. ما يعني، أن واشنطن ستعمل من الآن فصاعدا على دعم اقتصاد هذا البلد والتخفيف من صعوباته المالية والاجتماعية على طريقتها - أي عبر فتح جميع القنوات التي تأتمر بأمرها في العالم للقيام بواجباتها.

يذكر ان الاميركيين لا يعطون مكافأة او قناعة حلفائهم الاستراتيجيين «شيكات على بياض» يتصرفون بها بحسب ما شاؤوا، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بالاقتصاد والتجارة، وبإعطاء الأولوية لغير شركاتهم. فالأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى. فإذا كان المسئولون الأميركيون قد أدلوا بتصريحات خرجت عن المألوف في بعض الحالات من حيث إيجابياتها، كما حصل هذه المرة بالنسبة إلى المغرب، فذلك يعود بالدرجة الأولى إلى كون الإدارة الجمهورية والكونغرس، المتعاطف جدا مع الرباط الملكية الحليفة تاريخيا، قد شاؤوا، من جهة، إعطاء إشارات سياسية بهذا الاتجاه لمن يهمه الأمر في هذه المرحلة.

ومن جهة أخرى حثوا المؤسسات المالية العالمية ومصارف الأعمال الخاصة وصناديق التنمية على دعم اقتصاد هذا البلد وحكومته الجديدة التي، بحسب مصادر فرنسية رفيعة المستوى، كان لأميركا رأي في تركيبتها مستندة بذلك إلى تصريحات سفيرتها في المغرب «مارغريت توتويالر»، المقربة جدا من الرئيس الأميركي، ففي مداخلاتها ومقابلاتها الصحافية التي تزامنت مع تشكيل الحكومة المغربية، قالت هذه الأخيرة: «أنا لا أفهم لماذا ينتقدون تسمية إدريس جطو في الوقت الذي يعتبر فيه هذا العمل دستوريا»، مضيفة أنه منذ وصولي إلى المغرب وأنا ألاحظ تعطش المغاربة للدينامية والفعالية، فتعيين جطو يسير في هذا الاتجاه. تشخيص المصادر الفرنسية نفاه المغاربة جملة وتفصيلا، ويردّون بالمقابل، بأن واشنطن لم تتدخل يوما في شئون المملكة الداخلية احترمت على الدوام كل ما يتعلق بسيادتها.

في إطار عدم إعطائها شيكات على بياض، تركت واشنطن مهمة التدخل لإحدى المؤسسات المرتبطة بها وهي غرفة التجارة الأميركية في المغرب التي أشارت الى نجاح اتفاق التبادل التجاري الحر الذي استجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة يبقى مرتبطا بتحسين بيئة الأعمال في المغرب بمعنى أن سلطات هذا البلد يجب أن تشيد حتى النهاية بعملية الإصلاح الاقتصادي وما تبقى من اقتصاده؟ ومتابعة برنامج التخصيص المتبقي واعتماد الشفافية أساسا ووضع حل للرشوة المتفاقمة، و«ترشيق الإدارات العامة» التي تستوعب جزءا أساسيا من نفقات الموازنة. هذا الموقف ينبع أساسا من رغبة السلطات الأميركية المختصة في تمهيد الطريق أمام دخول شركاتها بقوة إلى السوق المغربية وتعزيز أوضاع تلك الموجودة فيها. تجدر الإشارة هنا الى أن عدد الشركات الأميركية الموجودة اليوم يصل إلى 120 تمثل حجم استثمارات مقدر بأكثر من 600 مليون دولار. وقد خلقت هذه المؤسسات أكثر من 90 ألف موقع عمل مباشر وغير مباشر، توزعوا على عدد من القطاعات الاقتصادية بدءا من قطاع الاتصالات والمواد الاستهلاكية ، مرورا بمصانع الأدوية والملبوسات وصولا إلى المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة مثل ماكدونالدز وبيتزاهات وغيرها.

هل ذلك مكافأة للمغرب على مواقفه السياسية، وخصوصا في مرحلة الحرب الباردة وما تعرض له النظام من ضغوط ومحاولات تغيير والأدوار التي قام بها بشكل سري وفاعل من أجل السلام في منطقة الشرق الأوسط، في طليعتها مبادرات الملك الراحل الحسن الثاني بترتيب اللقاءات بين المصريين والإسرائيليين أو عقد قمة الدار البيضاء حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تلت إتفاق أوسلو؟ أم قناعة بالدور والموقع الجغرا-استراتيجي لهذا البلد في منطقة شمال إفريقيا؟ الاثنان معا؟ هذا ما أكده ممثل وزارة التجارة الخارجية ورئيس البعثة الأميركية للمفاوضات حول اتفاق التبادل الحر مع المغرب «روبرت زولليغ». ويلخص صاحب مشروع حل مشكلة الصحراء الغربية جيمس بيكر هذه المسألة بالتذكير بالزيارة التي قام بها الملك محمد السادس لاميركا في شهر أبريل - نيسان الماضي والتي وضعت أسسا متقدمة للعلاقات التحالفية بين البلدين. ويؤكد بيكر أنه خلال اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي بوش الابن بضيفه الملك محمد السادس في البيت الأبيض، بدا واضحا بأن التيار قد مر بينهما بشكل جيد، لم تتأخر نتائجه بالظهور للعلن ففي اليوم نفسه، طرحت واشنطن مشروع قرار لعرضه على مجلس الأمن تتبنى فيه خيار «الاتفاق - الإطار» المعروف باسم «خطة بايفر»، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي تفاوضي، في نزاع الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية. ما اعتبرته الجزائر انحيازا أميركيا إلى المغرب، من دون ان تصعد الموقف. وفي اليوم نفسه للقاء الثنائي على مستوى القمة، تعمد بوش اعلان قرار مشترك بين المغرب والولايات المتحدة للدخول في اتفاق للتبادل الحر فيما بينهما. بعد ذلك بيومين طار الملك محمد السادس من نيويورك إلى تكساس ليحل ضيفا على جورج بوش الأب، والمناسبة كانت زيارة مكتبة الرئيس الأب، وحضور مأدبة عشاء عائلية في منزل آل بوش.

كل هذه المبادرات والمواقف الأميركية، إضافة إلى اللفتات الخاصة لا يمكن اعتبارها بالمقاييس الأميركية مجاملة. فالمغرب ليس دولة غنية تحتاج الولايات المتحدة إلى ثرواتها الطبيعية المادية لتحريك جزء من مصانعها الحربية والمدنية. ما يؤكد أن واشنطن أرادت من وراء الخطوات الهادفة التي أعلنتها بوجود المليك الشاب، مكافأة للنظام الملكي على ما قدمه في إطار التحالف الثنائي على مدى العقود الماضية من ناحية، ومن ناحية أخرى، إظهار القناعة بالدور والموقع اللذين يتمتع بهما المغرب وضرورة العمل على تعزيزهما عبر نقل العلاقة من التحالف العام الى الشراكة الكاملة بكل ما تحمل معها من تبعات اقتصادية ومالية وأيضا «تسليحية». فالشراكة بدأت بحسب المسئولين المغاربة، تأخذ بعدا جديدا ومختلفا يرتب على المغرب في آن معا التزامات دقيقة ويعطيها حقوقا إضافية.

الترابط المزعج

وتخوف الجوار

في الوقت الذي أعطى فيه هذا الترابط الأميركي- المغربي شحنات من القوة والثقة بالنفس للعاهل المغربي ما سيمكنه من مواجهة العاتيات وهو مستند إلى شريك كامل، خلق في المقابل تخوفات لدى الاتحاد الأوروبي الذي يراقب بقلق تعثر مشروع برشلونة اليورو- متوسطي الذي أطلقه والذي من المتوقع ان يصادف هزات بعد القرار بتوسع أوروبا شرقا وضم دول هذه المنطقة إليه والتي تشكل منافسا مباشرا للدول المغاربة المتوسطية الموقعة اتفاق الشراكة. وتشير المعلومات ان إسراع الولايات المتحدة بإعلان المباشرة بوضع منطقة التبادل التجاري الحر كان بطلب من العاهل المغربي الذي أراد توجيه رسالة يعبّر فيها عن عدم رضاه لتوسيع أوروبا، وتقديم الدعم عشرة أضعاف لها مقابل الشركاء في جنوب المتوسط، كذلك، اتهام الأوروبيين بأن الرباط باتت حليفا وسندا لا يمكن التقليل من اهميته ونفوذه، وبأن المغرب لم يعد مجرد حليف عادي لواشنطن لكنه شريك كامل، عليه ان يأخذ في الاعتبار مصالحها الاستراتيجية في كل مكان من العالم. هذا الترابط المزعج «الذي وعى أبعاده ومخاطره صديق المغرب والأسرة العلوية، الرئيس الفرنسي جاك شيراك، كان سببا في الزيارة المفاجئة التي قام بها للرباط الأسبوع الماضي. فقد توصل شيراك مع «ابن أخيه» - كما يردد على الدوام - إلى صيغة تمحورت حول وقف المضايقات الإسبانية للمغرب، والتخفيف من دعم الاختراقات الأميركية في القارة السوداء، بمعنى ان تقف الرباط على الحياد في الصراع الخفي الدائر هنالك حول النفط والثروات الأخرى، فالنفوذ السياسي والجغرا-استراتيجي، مقابل وقوف أوروبا وإسبانيا تحديدا مع المغرب في مشكلة الصحراء الغربية والشروع في التفاوض حول مستقبل مدينتي سبته ومليلة والجزر بشكل هادىء يحفظ مصالح البلدين. ومن نتائج زيارة شيراك، صدور بيان مغربي رسمي يتحدث عن العلاقة الاستراتيجية بين فرنسا والمغرب وضرورة العمل على ترسيخها وتطويرها. تبع ذلك قيام العاهل المغربي بزيارة خاصة لفرنسا، على عادته كل سنة في مثل هذا الوقت، ابتداء من يوم الأحد الماضي. هذه الصيغة الجديدة التي توصل إليها شيراك مع «ابن أخيه» حظيت، على ما يبدو، بالموافقة الأميركية بعد التشاور بين الشركاء طبعا

العدد 102 - الإثنين 16 ديسمبر 2002م الموافق 11 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً