العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ

تتفق غالبية الدول على تحفظات خمسة... ومنح جنسية الأم للأبناء حق يتوجع

عندما تُقرأ حقوق المرأة بعقلية «قريش»

حمل المشاركون في ورشة عمل حقوق المرأة ضمن اتفاق سيداو التي نظمها بالأمس مركز البحرين لحقوق الإنسان هما أثقل وزنا من ذي قبل، بعد ما استعرض المحاضرون مواد اتفاق القضاء على أشكال التمييز كلها ضد المرأة الذي وقع عليه أكثر الدول مع تحفظات كثيرة مس أغلبها جوهر الاتفاق.

وفي القاعتين اللتين توزع عليهما المشاركون بعد التسجيل وحفل الافتتاح طرحت مداخلات ساخنة دارت حول القراءة القبلية لبنود الاتفاق والتحفظات التي تجمع عليها غالبية الدول العربية ليكون الحديث عن منح جنسية المرأة لأبنائها كحق من الحقوق الأساسية محورا مهما ذا صدى يليه التمييز بين الرجل والمرأة في الوصول إلى مواقع صنع القرار. في الوقت الذي أكد فيه رجال الدين المشاركون في الورشة أن اتفاق سيداو هو اتفاق مميز على الصعيد الحقوقي الإنساني ولا تحتمل بنوده التي تعتبر جزءا من القانون الدولي لحقوق الإنسان هذه التحفظات كلها منذ العام 1981 حينما دخلت حيز التنفيذ الدولي بعدما تبنتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 18 ديسمبر/كانون الأول من العام 1979.

وقال رجل الدين والكاتب الصحافي سيد ضياء الموسوي: «إن التحفظات الدينية على الاتفاق هي تحفظات شخصية على الأرجح ولا تعكس عدا أفق المجتهدين الذين ينظرون إلى النص الديني على أنه تاريخ وجزء من الماضي»، موضحا: «أن قراءة نصوص الاتفاق باتجاه يشذ عن جوهرها وأهدافها الإنسانية يعكس سيكولوجية معينة وأمزجة تعكس ما تعيشه في الواقع على التعاطي معها».

وحسب الموسوي الذي ابدى تعجبه من التحفظ على نص المادة التاسعة الواردة في الجزء الثاني من الاتفاق والناص على أن «تمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل في اكتساب جنسيتها أو الاحتفاظ بها أو تغييرها، وتضمن بوجه خاص ألا يترتب على الزواج من أجنبي تغيير جنسية الزوج أثناء الزواج أو أن تتغير تلقائيا جنسية الزوجة أو أن تصبح بلا جنسية أو أن تفرض عليها جنسية الزوج... وتمنح الدول الأطراف المرأة حقا مساويا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها»، وقال: «العدالة الإلهية تعطي المرأة حق أن يحمل أطفالها الجنسية التي تنتسب إليها، ونحن في البحرين لا نزال نزيد ونعيد في هذا الجدل في الوقت الذي نتخبط فيه بالتجنيس العشوائي الذي سندفع ثمنه عاجلا أم آجلا».

مؤكدا: «عدم منح المرأة حق انتساب أبنائها لجنسيتها لمجرد أنها امرأة هو أكبر اضطهاد يمارس ضد حقوق المرأة الإنسانية».

واستعرض المحامي عبدالله الشملاوي ومعه محمد رضا بو حسين الذي سير الفريق الذي ناقش حقوق المرأة السياسية الفرق بين مفهوم الاتفاق والإعلان إذ يأتي الاتفاق بمعنى: «المعاهدة بين دولتين أو أكثر تلتزم بمقتضاه الدول الموقعة بالتزامات قانونية محددة ومخالفة أي بند من بنود الاتفاق يوجب عقابا على الدول المخالفة»، فيما يعني الإعلان: «مجموعة من المبادئ الأساسية وهي غير ملزمة دوليا لأية دولة من الدول... وبهذا يكون الاتفاق ملزما ويترتب على مخالفته عقاب، فيما يتجرد الإعلان من الالتزام».

واتفق المشاركون على أهمية أن تؤائم الدول قوانينها الوطنية بما يتفق مع اتفاق كوبنهاجن أو سيداو الذي يعتبر في جوهره إعلانا عالميا لحقوق المرأة وبمثابة تشريع دولي شامل للمعايير القانونية لحقوق المرأة التي تنص على مبدأ القضاء على التمييز ضد المرأة وتعزيز مساواتها بالرجل، ليسجل تبني هذا الاتفاق علامة فارقة في تاريخ الحقوق الإنسانية للمرأة.

وأرجع الشملاوي الأسباب التي خلفت التحفظات خلال السنوات الماضية إلى العقلية التي تقرأ الاتفاق بتفسيرات تشذ عن الجوهر والمحتوى، معلقا: «للأسف كتب الاتفاق بعقلية فولتير، لكنه يقرأ بعقلية حجي خضير».

وأضاف: «القراءة القبلية بعقلية قريش جعلت الذكورة تسلب من المرأة حقوقا كثيرة كانت لها في الأساس، ولنا أن نتصور الحقوق الإنسانية كمسطح هندسي له عدة أوجه هي الحقوق، وعلى السطح تبرز المساواة، غير أنها أقوال وليست أفعال».

وحسب الشملاوي فإن «للبحرين تجربة مشهودة منحت للمرأة الحق في المشاركة السياسية قطعت دابر الشك والمماحكة، على عكس الممارسات في الدول الأخرى كالكويت على سبيل الاستشهاد التي أقصت المرأة عن العمل السياسي بسبب القراءة القبلية تلك».

فيما عاد سيد ضياء الموسوي ليطرح سؤالا جوهريا: «ما الفرق بين الرجل والمرأة؟ للمرأة حقوق كثيرة كفلها الإسلام غير أن الثقافة الشرقية انتقصت منها الكثير عندما اجتهد الكثيرون ليختلفوا في وضع الرؤيا الصحيحة».

وقال: «يجب مراعاة الدين والشريعة الإسلامية في التعاطي مع المرأة؟ الكثير من المجتهدين الآن يرون أن الأعراف المترسخة يجب أن تنتهي، ويجب على الدولة أن تنظر في تعامل بعض القضاة مع قضايا الأحوال الشخصية، وان تتعامل بطريقة قانونية مع القضاة الذين يستغلون الشرع لتحقيق أغراض شخصية».

وعقبت الكاتبة سميرة رجب مستغربة مما يطرحه الموسوي قائلة: «نعرف أن رجال الدين هاجموا الاتفاق وكأنه دستور وضعته نوال السعداوي، والتحفظات التي مست عددا من بنود الاتفاق قيدت حرية المرأة بما لا يدع مجالا للشك، يجب أن نخرج مظاهرة احتجاج على كل من يحاول الانتقاص من حق المساواة الاجتماعية للمرأة».

ورد العضو البرلماني عبداللطيف الشيخ مؤكدا أن «هناك قضايا شرعية لا يجوز الاجتهاد فيها»، معتبرا اختلاف القراءات مرونة تدلل على سعة أفق الشريعة الإسلامية و«المحك فيما نختار وفيما نجتهد».

وأكد الشيخ أن «الفتوى والاجتهاد يتغيران بتغير الزمان والمكان، والفيصل في أن نختار ما يناسبنا (...) نحتاج بشدة إلى خطاب إقناعي يغير في التراكمات التي كرستها الممارسات والأعراف المجتمعية على مر العصور، أكثر من الدين والشريعة».

وطالبت رئيسة جمعية البحرين النسائية وجيهة البحارنة بإقرار عقوبات على الانتهاكات اليومية لحقوق المرأة «فالنص لا يعطي الأمان والشواهد كثرة الانتهاكات على المستوى السياسي والاجتماعي التي تأتي نتيجة لمخزون التراث والتقاليد، والسؤال هل يستطيع الاتفاق إيقاف تلك الممارسات؟».

عضو مجلس الشورى ندى حفاظ طالبت بإعلان عالمي يحدد المعايير ويرتبط بزمن محدد يعقب الاتفاق، وقالت: «الاتفاق يعرض نصوصا مجردة، بيد ان الإعلان العالمي يفعلها، تماما هذا ما حدث مع اتفاق حقوق الطفل الذي خلفه إعلان وضع المعايير الدقيقة ساعد في الالتزام وفعل التطبيق (...) ما نحتاجه بالفعل نظام للمتابعة وفرض الالتزام».

فيما علق الشملاوي: «أين كان اتفاق حقوق الطفل الذي وقعت عليه البحرين عندما زج أطفال في قضايا أمن الدولة»؟ وعاد ليقول: «في كل مجتمع يوجد من يقرأ النصوص القانونية بعقلية قريش».

سميرة رجب أكدت من جانبها أن تطبيق الاتفاق يعتمد على فهمنا للشريعة «نحن بحاجة إلى نصوص قانونية ملزمة، نريد إجماعا على الأفضل لا فتاوى ومفتين يختلق كل منهم مدرسة (...) يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام عدد من رجال المنابر الذين ينتهكون حقوق المرأة علانية ويمارسون التمييز جهرا ونحن نلف وندور منذ 14 قرنا في الحلقة المفرغة ذاتها».

وأيد عبداللطيف الشيخ فكرة وجود النص الشرعي موضحا «أن المذهب المالكي عبارة عن مواد ونصوص شرعية».

القاضي الجنائي خالد الخليفة أكد أن التوقيع على الاتفاق يعني الالتزام، ويجوز كإثبات لحسن النية أن نوقع بالأحرف الأولي على أن تلتزم الدولة بألا تأتي أية ممارسات تحبط روح الاتفاق.

وقال: «لابد من لجنة تراجع سياسات الدول، فختان الإناث في مصر على سبيل المثال أصدر بحقه وزير الصحة قرار منع، غير أن ممارسات الختان تصاعدت عوضا عن أن تتناقص، إذ طبق الاتفاق بشكل مغاير، لذلك نحتاج إلى لجنة ترصد سياسات الدول».

وناقش المشاركون مفهوم التمييز الإيجابي الذي يأتي بمعنى تمكين المرأة مما يتوقع أن تحرم منه كمقاعد مخصصة لها في المجلس النيابي، وهو المخرج الذي أكد عليه الجميع كخطوة لإعادة الحقوق التي سلبت، في الوقت الذي اختلفوا فيه على من سبق الآخر التصديق على المعاهدات الدولية أم الدستور الوطني، إذ أكدت الأوراق التي طرحت في الورشة على أن الاتفاقات الدولية تعلو الدستور والقوانين المكملة للدستور واللوائح والقرارات، فيما أكد القاضي خالد الخليفة أن القوانين المحلية تعلو الاتفاقات الدولية في التطبيق و«أن أي اتفاق توقع عليه الدولة يصبح من النسيج القانوني الوطني».

المشاركة منى عباس فضل قالت: «المشكلة أننا نعيش في مجتمعات تتناقض مع نفسها، فالاتفاقات تستحضر عندما تريد إرادة الدولة، ويروج لها متى ما أرادت الدولة»، في الوقت الذي استنكرت فيه أن تعقد مقارنة بين حقوق المرأة وحقوق المعاق، ما يدلل على أن نصف المجتمع مشلول أو عاجز عن العطاء والتفاعل.

وقالت سميرة رجب: «نحتاج إلى اكثر من جيل ليتغير هذا المفهوم المغلوط، والتجربة أثبتت أن ما لا يأتي عن قرار سياسي لا يسود، لذلك نحتاج إلى تصحيح الأوضاع».

وذهب المشاركون إلى استعراض عدد من الانتهاكات التي تمارس ضد المرأة على رغم أن البحرين من الدول التي انضمت إلى الدول المصدقة على الاتفاق بتحفظ، والذي يشير في معناه إلى أن الدولة طرف لا يوافق على الالتزام بمادة أو أكثر من أحكامها والتحفظ من حيث المبدأ أن تستخدم مؤقتا فقط عندما تكون الدولة غير قادرة على إعمال مادة من مواد معاهدة.

وكان العنف الأسري، أي العنف الذي يمارسه الرجل ضد المرأة والتمييز في التعامل مع قضية حرية الذكر وحرية الأنثى، وعدم العدالة في توزيع المهمات المنزلية بين الزوج والزوجة على رغم عمل الزوجة، وحصر الترقيات للمناصب القيادية العليا على الرجل وهضم حقوق المرأة الإنجابية وحقوقها في الانتفاع من خدمات الإسكان من أبرز القضايا التي طرحت على بساط التداول.

فيما طالبت النساء الممثلات عن الجمعيات النسائية أن توضع ضوابط ومعايير من جهة لها سلطة تقنن مسائل تعدد الزوجات من دون ضوابط حتى وإن كانت النسبة لا تفوق الخمسة في المئة، وان تخلق مؤسسات رسمية قانونية غير المحاكم لتنظر في قضايا الطلاق وتحمي حقوق المرأة.

وقال عبداللطيف الشيخ أن البرلمان سيمنح أولوية لقضايا حقوق المرأة داعيا إلى أن تتبنى المحافظات الخمس والمجلس الأعلى للمرأة مشروع المؤسسات التي تلعب دور الإصلاح والنظر في قضايا حقوق المرأة قبل أن نصل إلى المحاكم.

وقالت منسقة مشروع برنامج حقوق الإنسان في المكتب الإقليمي للدول العربية شذى أمين في حديث إلى «الوسط» «إن الورشة تعمل على زيادة الوعي النسائي بحقوقهن وباتفاق القضاء على أشكال التمييز جمعيها ضدها، تمهيدا لعمل مشروعات أخرى».

وأضافت: «نعمل على خلق قاعدة من المختصين بقضايا حقوق الإنسان ليساعدوا المنظمة في تحقيق أهدافها الإنسانية».

وقالت: «وقعت 15 دولة عربية بتحفظ، فيما لم توقع الامارات وقطر والسودان (...) معظم التحفظات تدور في فضاء الزواج والأحوال الشخصية ومنح الجنسية للأبناء والتنقل بحرية، مشيرة إلى أن اليمن عندها التحفظات الأقل عددا من دول كثيرة أقل تقدما وديمقراطية، وجزر القمر وقعت من دون تحفظ يذكر».

ومن جانبه قال مدير لجنة العلاقات الدولية في مركز حقوق الإنسان حسن موسى في حديث آخر إلى «الوسط»: «إن البحرين تتحفظ على خمس مواد هي ذاتها التي تتحفظ عليها غالبية الدول (...) نحن نسعى إلى مناقشة التحفظات والأسباب القابعة وراءها، لنرى أن كانت التحفظات تفرغ الاتفاق من محتواه أو تمس جوهره»، ورجح موسى أن تمس التحفظات جوهر الاتفاق مؤكدا أن المركز في ختام الورشة سيرفع تقريرا مفصلا للجهات المعنية لإيجاد قنوات للحوار وتفعيل الالتزام بالاتفاق.

وأكد: «على عاتق البرلمان تقع مسئولية دراسة مدى ملاءمة الاتفاق مع التشريعات الوطنية، على أن تعدل القوانين لتتواءم مع الاتفاق»، مطالبا بجهة قضائية محلية ترصد الخروقات وتكفل عدم تكرارها.

وقال نائب رئيس لجنة التدريب والمؤتمرات في مركز حقوق الإنسان سعيد رجب زايد إن للورشة أهدافا رئيسية ثلاثة هي بناء قاعدة قوية من المدربين والناشطين في مجال حقوق المرأة الإنسانية ورفع التوصيات والتحفظات والمقترحات إلى منظمة الأمم المتحدة وصندوق المرأة الإنمائي ونشر الثقافة الحقوقية في أوساط النساء لتغيير النظرة للمرأة على الأصعدة السياسية والمدنية.

افترق المشاركون بعد يوم مشحون أيقظ الأوجاع وذكر بأن الوضع الذي كان وما زال فيه يؤكل من سفرة ممتلئة لتأتي المرأة وتأكل البقايا يجب أن يزول إلى غير رجعة... يعود الفريق اليوم ليقف على حجم مشاركة المرأة في المواقع القيادية والمؤسسات التشريعية وسلك القضاء ومجالس البلدية والأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، ليقف على أوجاع جديدة تشير بوضوح إلى غلبة العنصر الذكوري في تلك الميادين كلها وتدلل على دور المرأة الذي ينحصر في الإنجاب والتربية وتدبير المنزل أكثر من أي شيء آخر

العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً