العدد 2205 - الخميس 18 سبتمبر 2008م الموافق 17 رمضان 1429هـ

فضائيات وأصحاب مليارات!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نشر الشيخ يوسف القرضاوي على موقعه بيانا ساخنا يدافع فيه عن نفسه بسبب الانتقادات الساخنة التي تعرّض لها حديثا، بعد تصريحاته الصحافية التي اتهم فيها المسلمين الشيعة بالمبتدعين.

لن ندخل في الجوانب المذهبية، فلكل طرف معتقداته وآراؤه التي لن يزيدها النقاش إلاّ تجذّرا ورسوخا، كما أثبتت تجربة 14 قرنا، لكن المؤسف هو سيطرة القراءة المذهبية للأحداث السياسية المعقدة اليوم. هذه القراءة المذهبية منحازةٌ سلفا للذات، ومتحاملةٌ على الآخر، فتجرّ إلى سلسلة من الأخطاء والتصورات الخيالية.

أحد هذه الأخطاء ما طرحه الشيخ القرضاوي بخصوص الإعلام، في سياق دعوته لمواجهة «الخطر الشيعي»، فبعد اعترافه بأنهم مسلمون، اتهمهم بأنهم مبتدعون، و»خطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم يستطيعون ذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي».

وإذا كان الكلام مرسلا من الخارج، فإن العارفين بالبيت من الداخل يرون في هذا التعميم تهويلا يقوم على فوبيا مذهبية، واستنفارا للحكومات والشعوب العربية والإسلامية ضد عدو «مفترض»، وتضييع للعدو المشترك.

لن أتكلّم عن القضايا المذهبية، فليس ذلك مجالي، ولكن يمكنني الحديث بصراحةٍ عن الإعلام. فنحن أمام أكثر من 400 فضائية عربية، مقابل فضائيات «أخرى» لا تزيد على العشرين. (أي أنها 5 في المئة من المجموع).

أغلب الفضائيات الـ 400 لا تبث غير الأغاني والرقص والبرامج الهابطة، وهي الوليد الشرعي للأموال النفطية. أمّا الفضائيات «الأخرى»، فنصفها رسمي، ونصفها الآخر يموّل بأموالٍ أهلية، من قبل مراجع ورجال دين وتجار، وجدوا أنفسهم أمام فضاءٍ مفتوحٍ لأول مرة في التاريخ، لبثّ ما يؤمنون به من معتقدات وأفكار، ظلّت ممنوعة ومقموعة ومحارَبَة على يد الحكام، بمباركةٍ من وعّاظ القصور والسلاطين.

أغلب هذه الفضائيات تعيش في التاريخ، وهي لذلك عرضةٌ للكثير من الانتقادات والمآخذ حتى من داخل البيت. وربما تحتاج إلى ثلاثين عاما حتى يكتسب كوادرها تلك المهنية والقدرات الفنية الخالصة، لتصل إلى مستوى «التبشير»، الذي يتحدّث عنه الشيخ القرضاوي بخوفٍ وجزع.

هذه الفضائيات «التاريخية»، وعلى رغم ما يؤخذ على خطابها من وعظ أخلاقي مباشر، لن تشاهد فيها لقطة لفتاةٍ ترقص شبه عارية، أو تتقلب على السرير بملابس غرفة النوم في أوضاع خادشة للحياء، أو تشاهد شابا مائعا يتكسّر في مشيته؛ أو قصائد وأغنيات ماجنة تذكرنا بخمريات أبي نواس. كلّ ما تبثه دعوة مباشرة للفضيلة والأخلاق، وأحاديث لا تنقطع عن التاريخ وأبطاله، من وجهة نظر خاصة وغير مألوفة على الأذن العربية. وهذا هو الخطر الأكبر الذي يهدّد بتحريف عقائد بقية المسلمين!

في هذا الشهر المبارك، عندما تجلس لتناول السحور، فإنك مخير بين التنقل بين 400 فضائية عربية، تبث سيلا من الأغنيات والطرب 24 ساعة، وبين أن تديره على قنوات أخرى محدودة، تبثّ أدعية السحر والمناجاة لرب العالمين، التي صاغها أئمتهم الكبار بلغةٍ أدبية روحانية ولا أبدع. هؤلاء هم الخطر الأكبر على الأمة الذين يجب الاستنفار لمواجهتهم، والذين يتكرّم عليهم الشيخ القرضاوي - حفظه الله - فيعتبرهم مجرّد «مبتدعة»، وليسوا كفارا كما يفعل الآخرون!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2205 - الخميس 18 سبتمبر 2008م الموافق 17 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً