العدد 2207 - السبت 20 سبتمبر 2008م الموافق 19 رمضان 1429هـ

الراحل أحمد باقر كسب رهان الفن والنقد

توفي الفنان التشكيلي أحمد باقر أمس الأول (الجمعة) في أحد مستشفيات العاصمة اللبنانية (بيروت) عن عمر ناهز 62 عاما، وذلك بعد صراع طويل مع مرض «السرطان»، لتفقد الحركة التشكيلية واحدا من أهم أعمدتها الذي سيظل خالدا بحزمة الأعمال المبهرة التي قدمها طيلة سني تجربته الفنية. كما ستظل مجموعة النقود التي شرحت تجربته وألقت الضوء عليها مهمازا لما قدمه الراحل من إنجازات.

يقول أحد النقاد: «مربكٌ» هـو دوما موت الفنان، لا سيما إنْ جاء في غير أوانه، وهـو ما يتقنه الموتُ أبدا مع المنتمينَ إلى أهـل الأدب و الفن. «مربك»، ولن أجدَ حرجـا في أنْ أضيفَ بأنّـه «مستفزّ»؛ ذلك لأنه يجيءُ ليجعـلكَ في مواجهة حياةٍ وتجربةٍ قد تتشظى في حيواتٍ و تجاربَ عديدةٍ إنْ كان الفنان أو الأديب متعـدّد الاهتمامات والمسالك والتجارب.

هذا الأمرُ تماما نشعر به الآن إذ نشرعُ في محاولة الإمساك بخيطٍ لنكتب عن فقيد الفن التشكيلي البحريني الفنان والناقد والمؤلف أحمد باقر. ويكمنُ «الإرباك» و «الاستفزاز» في السؤال عن أيِّ الجوانب تتيسَّرُ الكتابة عنها، وهل إنْ تمّ تناولُ جانبٍ معينٍ سيتمُّ إيفاءه حقه أم لا؟

بعد كمِّ الاستفزاز والملاحظة التي تفرضها تجربة راحلنا الكبير على الساحة التشكيلية البحرينية يمكن القولُ إنَّ فنان القلم الرصاص والفحم كان «حالة» بوصفه فنانا أوّلا وناقدا في الوقت ذاته، ما يجعـلُ الباحث يُسائلُ تجربته الممتدة عن مدى استطاعة الفنان من كسب رهان المزج بين الفن والنقد، فلطالما كانت المقولة الرائجة بأنَّ النقد يعملُ على تجفيف وتبريد الروح الإبداعية و الفنية، عوضـا عن إذكائها. بَيْـدَ أننا نلفي في تجربته تمازجا وتوفيقـا، فالتمازجُ عبر التنظير للخيل العربية، وهي الثيمة الأساسية التي اشتغل عليها وأتقنها، بروحٍ خلاّقةٍ وتنظيرٍ إبداعيٍّ يستمدُّ مادّته من التراث، وعبر جمالية امتزاج الطبيعة بالموروث بالرمز.

ويؤكد ذلك كتاب الراحل «الخيل العربية النجيبة في مملكة البحرين»، إذ يتماهى الفنانُ الموزّع بين إبداعٍ ونقدٍ إلى روحٍ واحدةٍ حين أطلَّ على جمهوره في معرضه التشكيلي ضمن فعاليات مهرجان ربيع الثقافة الثالث. وما دامَ الحديثُ عن إصداراته فبالوسع ذكـرُ كتبه الأخرى التي لا تقل أهميّة وهي: «الفن التشكيلي المعـاصر في البحريـن» (1981م)، «التصوير الضوئي» (1981م) و «مجيء الفن بمفهومه الأوروبي إلى العالم العربي» (1998م).

هذا فضلا عن اشتغاله بالتدريس الجامعي في جامعة البحرين، وذلك بعد نيله دبلوم الدراسات المتعمقة في علم الجمال وعلم الفنون من جامعة باريس الأولى (البانتيون ـ السوربون).

على أنَّ ذلك كلّه لم يحلْ دونَ توقـّد روح الفنان الإبداعية، واقتراحه لمشروعٍ ظلَّ وفيا له، يتمثل في استلهام الخيل العربية، وتوظيف الخطّ العربي وخط الثلث تحديدا في لوحاته، ليؤكّدَ عبر ذلك على الأصالة وانتقال الخيل إلى رمز الوجود، وللانتقال عبر ذلك كلّه إلى كينونةٍ متفرّدة تمنحها الخيلُ، وهي التي ظلت في تراثنا العربي محظية.

قد يبدو أنَّ استلهام الخيل العربية أمرا عاديا، ومن قبل فنانٍ عربيٍّ أيضا، ولكننا هـنا نتحدّثُ عن استلهام فنان ٍ تخرج في جامعات غربية، ليأتي مزدحما بأفكار حداثية تجديدية (تنتقي) من التراث ما يصلحُ مادّة ونواة لعمل ٍ فنيٍّ مغايرٍ ومعاصر.

في هذا السياق بالوسع الحديثُ عن الأهمية التي أولاها الفنان بروحه الأكاديمية حين انتبه بحسٍّ فنيٍّ إبداعيٍّ أوّلا، ومن ثمّ بتشذيبٍ نقديٍّ، إلى ثيمة الخيل العربية.

وهذا الاستلهام جاءَ بعد امتحانٍ دقيقٍ، وآخرَ يقومُ على رهان إبداع ٍ معاصر لا يكتفي بنسخ المنجز أوروبيا، وإنما عبر عملية فهمِ لفلسفة وكيميائية الفنّ الذي يقومُ عليه. من هنا ألفينا فنانا يتكئ على ثيماتٍ وسمت تجربته من خلال انتباهٍ دقيق للذاكرة العربية، وراحت الدراسة الأكاديمية تواصلُ دربها في ترويض قلمه الرصاص والفحمي منعا للعبة التجريب؛ ولذلك كان الفنان يحرصُ على الجودة وعلى ما يخدمُ تجربته، وذلك لتمتعه بحسٍّ نقديٍّ رفيعٍ صقلته مقاعدُ الدرس والممارسة الكتابية.

أيضا يستدعي البحثُ في أدواته الفنية فهو لا يستخدمُ إلاّ الورق والقلم الرصاص وطباشير الفحم والممحاة، في ما يشبه التقشف الفني، و لكنه يقومُ على اشتغالٍ نظريٍّ واعٍ للإمكانات التي تتيحها هذه الأدوات، ومدى تمكنها من تحقيق مقترحه الفني والجمالي، وهـو ما تتحدّثُ به لوحاته.

إنْ أردنا الاختزال فيمكن القول: «إنَّ الفنان أحمد باقر استطاع كسب رهان الفن والنقد في وقتٍ حرجٍ، لا يدعُ للمرء إلاّ فرصة الاشتغال إلاّ على أمر ٍ واحدٍ، وكذلك تمكـّنَ من ترسيخ تجربته بوصفه واحدا من جيل الروّاد التشكيليين، ومؤلفا في الفنّ التشكيلي حيث يندرُ عندنا مثل هذا الاشتغال».

الآن في حضرة غيابه، وحدها لوحاته وأقلامه الرصاص والفحم ندركُ أيَّ غيابٍ مفجعٍ تركه ثقيلا على فنانٍ كالخيل نجيبا وأصيلا.


أحمد باقر

من مواليد العام 1946.

- حصل على دبلوم في التصوير والرسم من المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة (البوزارت) 1972.

- دبلوم الدراسات المتقدمة في مجال تطوير وتخطيط المناهج التربية الفنية، جامعة ويلز، بريطانيا (1977).

- ماجستير في علم الجمال وعلم الفنون، أتسربون، فرنسا (1990).

- دكتوراه في الفنون الجميلة بمرتبة الشرف عن أطروحته: «أبحاث ودراسات في الفنون وتاريخها في البحرين»، جامعة السوربون - فرنسا (1992).

- عمل أستاذا مساعدا للفنون الجميلة بكلية الآداب في جامعة البحرين.

- في الستينيات، التحق بأسرة «هواة الفن»، وشارك في معرض جماعي للأسرة في نادي شركة نفط البحرين (بابكو).

- في العام 1967، قام بافتتاح معرض «غاليري» لعرض وبيع الأعمال التشكيلية في سوق المنامة.

- أقام معرضه الفردي الأوّل وكان في الرسم بقلم الرصاص، في مدرسة المنامة الثانوية للبنين.

- عضو مؤسس لجمعية البحرين للفنون التشكيلية (1983). وشارك في معظم معارض الجمعية التشكيلية.

- أسس الراحل مركز البحرين للفنون الجميلة والتراث في جامعة البحرين.

- عضو مجلس إدارة الشعر الشعبي.

- شارك في صالون الفنانين الفرنسيين في باريس (1977). والذي أقيم في القصر الكبير في الشانزليه.

- أقام له معرضا فرديا للرسم في مؤسسة التعليم العالي بقسم الفنون الجميلة في لندن.

- افتتح معرضه (الخيول العربية) في ولايتي فلوريدا، ميامي (الولايات المتحدة الأميركية).

- اختير ضمن 40 فنانا من دول مختلفة ليمثلوا الاتجاهات التشكيلية في العالم، وذلك ضمن وفد منظمة «اليونسكو» في معرض دولي متنقل، ضمن احتفالات المنظمة بالذكرى الـ 40 لتأسيسها.

إصداراته الفنية:

- الفن التشكيلي المعاصر في البحرين، (1980). وذلك ضمن إصدارات وزارة الأعلام.

- التصوير الضوئي، (1981). من إصدار وزارة التربية بعد أنْ وضع منهجا دراسيا لتعليم التصوير الضوئي في مدارس البحرين.

- «مختارات من أعمال الفنانين التشكيليين لدول الخليج العربية» (1986).

- «الفن التشكيلي في البحرين» (1993).

حصل على الكثير من الجوائز، أبرزها:

- الميدالية الفضية، الجمعية الفرنسية للفنون التشكيلية (1983).

- جائزة الشراع الذهبي، معرض الفنانين التشكيليين العرب في الكويت (1985).

- جائزة السعفة الذهبية، معرض الفنون التشكيلية لفناني دول مجلس التعاون، الكويت (1996).

- جائزة الدانة، معرض الفنون التشكيلية، البحرين (1997).

- برحيله فقدت البحرين أحد روادها المتميزين في الحركة التشكيلية، وقد رثاه زملاؤه، متفقين على خسارة الفن التشكيلي البحريني أحد رموزه.

- وقال عنه الرئيس الفخري لجمعية البحرين للفنون التشكيلية الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة: أنّ رحيله تعد خسارة كبيرة للبحرين. فقد كان رسّاما عظيما، وفنانا ممتازا، ومؤرّخا فنيا محترفا، والجميع سيفتقده كثيرا.

- كما وصفه زميله الفنان عبدالكريم البوسطة بأنه من الفنانين المؤثرين على الساحة التشكيلية، فالراحل يُعالج أعماله بدقة وبعد فني كبير، ورحيله خسارة للحركة التشكيلية البحرينية والعربية

العدد 2207 - السبت 20 سبتمبر 2008م الموافق 19 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً