العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ

توثيق سيرة قاضي الشرع الجعفري في القطيف والبحرين...الشيخ علي بن حسن آل موسى

إعداد الباحث: فؤاد جعفر عيسى 

23 يوليو 2008

توفى الشيخ علي بن حسن آل موسى في يوم الأربعاء السادس والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1362 هـ الموافق 1943م، ودفن في مقبرة تاروت وقد ناهز 105 سنوات من العمر.

ومن الجدير ذكره أنه توفي معه في السنة نفسها بعض المشايخ من القطيف وهم:

الشيخ عبدالله بن معتوق التاروتي، الشيخ علي بن جعفر القديحي،الشيخ علي بن حسن الخنيزي القطيفي؛الشيخ منصور بن عبدالله آل سيف التاروتي.

وكان هؤلاء الخمسة - معهم صاحب هذه الترجمة - من كبار العلماء في منطقة القطيف في ذلك الوقت فكان الرزء كبيرا على أهالي القطيف في تلك السنة وقد رثاهم الشعراء والأدباء.

ومن الغريب أن قبر الشيخ عبدالله بن معتوق قد بني بعد وفاته وهو لا يرى ذلك جائزا، بينما ظل قبر الشيخ علي بن حسن من دون بناء فترة طويلة من الزمن وهو لا يرى حرمة في ذلك - لأن بعض أولاده لا يرى ضرورة في بناء القبر - ولكن قد بنى أهالي القطيف قبره في السنوات الأخيرة (من دون قبة). وقد ترك من وراءه ذرية صالحة كثيرة منتشرة في بلدان الخليج كالبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت تعد الآنَ بالألوف.

وتجدر الإشارة إلى أنّ صاحب (أنوار البدرين) الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي البحراني (المتوفى العام 1340 هـ الموافق 1921م) لم يذكر الشيخ علي بن حسن آل موسى التاروتي لا من قريب ولا من بعيد في كتابه المزبور مع أنهما عاشا في القطيف في زمن واحد وطلبا العلم في وقت واحد، إلا أنّ الثاني قد ولد قبل الأوّل ومات بعده، ولا نعرف السبب في ذلك. وهو يذكر ما نصه: أما الكلام في ذكر علماء وأدباء وفقهاء القطيف فاعلم أنه لم يصل إلينا منهم إلا الشاذ اليسير وما خفى علينا الجم الكثير ص 280 - هذا عن الأموات - أمّا عن الأحياء فيقول: وقد سمعنا بعلماء كثيرين وأدباء بالغين إلا أني لم أعلم بحقائق أحوالهم ولم أقف على شيء من مؤلفاتهم وآدابهم وكمالهم حتى أنقل أسماءهم وأترجم أعيانهم! ص 375

وعلى كلّ حال فالله هو العالم بحقائق الأمور ويرحمنا جميعا مع من هم في القبور.

الوصية

في الحقيقة والحق يُقال لقد ترددتُ كثيرا في مسألة التطرق إلى الوصية، ذلك أنّ هذا الجانب من حياة المترجم له حساسيه شديدة من جهة ولأنّ هذا الجانب يعتبر بمثابة (المنطقة الرمادية) في حياته من جهة أخرى - من دون أن يكون هو السبب - فهي ليست بيضاء ناصعة أو وردية زاهية وفي الوقت نفسه ليست سوداء معتمة، لكنها منطقة ضبابية يلتبس على المرء الدخول فيها، وتقفز في ذهن الداخل إليها الأسئلة التي لا يستطيع أن يقطع بإجابة صحيحة عليها، حيث يقال إن الشيخ علي يرحمه الله قد حرم بناته من الميراث وخص به الذكور، فكيف يستقيم ذلك وهو العالم بشرع الله والعامل به؟! والآية الكريمة «وللذكر مثل حظ الأنثيين» يعرفها الصغير والكبير. وفي الواقع انه لايمكن إغفال هذا الجانب؛ لأنه سيؤدي بالتأكيد إلى تضييع جزء من تراث هذه الشخصية لذلك فإن إلقاء الضوء على هذا الجانب سيفتح الباب على هذه المنطقة الرمادية ولو بشكل موارب.

باختصار عندما توفي ابنه (عبدالرحيم) سافر الشيخ علي إلى القطيف وقام بتجديد الوصية والشهود بسبب موت ابنه المفاجئ لكونه هو الوصي فجعل ابنه الأكبر (نصر) الذي يعيش في البحرين هو الوصي ثم عاد الشيخ إلى البحرين وبعد فترة عقد العزم على العودة نهائيا إلى القطيف فعاد ثم استعلم بعد فترة قصيرة بأنّ زوجته الأخيرة التي في السنابس قد حملت، وحيث انه لا يعلم نوع الجنين أذكر هو أم أنثى، فقد أوصى قبل وفاته في ملحق خاص بالوصية له «وللذي في بطن أمه» وهنا يقفز السؤال إذا كان الشيخ علي قد حرم بناته من الميراث - كما يُقال - فلماذا يُوصي للذي في بطن أمّه وهو لا يعلم أذكر هو أم أنثى؟! ثم أليست تلك الوصية كافية؟ مع العلم أنّ التركة ليست بالشيء القليل حتى يغض الورثة الطرف عنها ولكنها الكثير الذي لا يعد ولا يحصى تكفي الجميع من الذكور والإناث ولذلك فإنّ بعض بناته عشنَ طوال حياتهنّ ولم يحصلنَ حتى ولو على جزء يسير من حقهنّ ومتنَ وهنّ كذلك، ولكن للأمانة التاريخية فإن الشيخ علي قد خص النخل الكبير المسمّى (بنخل العمامرة) للذكور دون الإناث - وهذا باعتراف الإناث أنفسهنّ - ولكن هذا التخصيص دليل آخر؛ لأنه يدل على التبعيض ولا يدل على الإطلاق، كما لم تشاهد بناته الوصية المذكورة - ولا نقول المزعومة - التي تذكر بأن كل التركة يجب أن تكون من نصيب الذكور وليس للإناث فيها حق ولا مستحق. والله أعلم.

لقد رثاه حفيده الفقير إلى ربه بهذه الأبيات:

قم ننعى عالم الدين ياصاح .. بالدمع الهتون

رزء قد أصاب البحرين يا حسرة في القلب الحزين

ومثله في أهـل القطيف كأختها تبكيه كل حين

كل رزء يتقاصر دونه إذا افتقدنا رجل الدين

فلا يخفف مصابنا إلا مصاب أبي عبدالله الحسين

إذا ثلم الدين ثلمة بقت آثارها إلى يوم الدين

سهم أصاب قلب الهدى فغاب النور في الطين

الدمع جرى في مقلتي بفقدك يا أبا حسين

تمر ذكراك في خاطري فتفوح كعطر الياسمين

قد كنت للشرع خادما تقضي بالحق المستبين

تحكم بين الناس بالعدل على نهْج أمير المؤمنين...

كتبت اسمك في الورى كالنور يسطع في الجبين

ما طار الفطا لذكراك إلا وقد طار على اليمين!

(إنما المرء حديث بعده) نذكره بخير كل حين

طلق المحيا بطيب معشر ومن صفاته حسن اليقين

سخي اليد هامي الغيث تجود نفسـه بماء معين

إذا جلس بدست القضاء ذكر مولاه القوي المكين

سل المنامة وسل عنه السنابس وسل الفرقدين

بلل الندى تراب قبره فأزهر الورد على الغصون

وسرى برق بجانب الحمى فإذا بالمزن يجود بمعين

قد أزهر بنور الأقاحي مذ بكت السماء على الدفين

وقد عبق بريح الخزامى وزها بالنرجس والنسرين

هذي قطيف لها السقيا قـد عجت بكثرة البساتين

وتلك قراها... بها النعمى وريحها قد عبقت بالرياحين

يا ثاويا في ثرى تاروت ألم يسعك ثرى البحرين

نعاك الناعي في غفلة وذلك من طبع المنون

أين الرجال من ربيعة هل تبخروا في طرفة عين؟!

تغمد المولى برحمة منه روحك يا فخر الأساطين

رزقت في جنة الخلد ممن تشاء بحور العين

فكل من يعمل الصالحات (له أجر غير ممنون)

ألف عذر - ياسيدي - فأني تأخرت كل هذه السنين

هذه الثمار قد أينعت فنم يا جد قرير العين

كنت للشرع خير خادم فأرخ (أنت خير أمين)

العدد 2148 - الأربعاء 23 يوليو 2008م الموافق 19 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً