العدد 2176 - الأربعاء 20 أغسطس 2008م الموافق 17 شعبان 1429هـ

ميزان الرعب يعود مجددا

عادت الحرب الباردة وهي تزداد سخونة يوما بعد يوم فيما لم تنتظر روسيا يوما واحدا بعد إعلان بولندا موافقتها على نشر 10 قواعد صواريخ اعتراضية أميركية على أراضيها؛ لتهدد بأنها ستستهدف بولندا بصواريخها الباليستية.

وكما تنبأت التقارير الإعلامية في السابق، فإنّ الرد الروسي سيكون عبر تكثيف نشر شبكات صواريخ اسكندر الباليستية القصيرة المدى التي تعمل على الوقود الصلب في مدينة كالينينغراد الروسية والسوفياتية السابقة على الحدود الشمالية الشرقية لبولندا. ويعلم البولنديون منذ إعلانهم يوم الخميس الماضي عن التوصّل إلى الاتفاق التاريخي مع الولايات المتحدة بأنّ رد الكرملين سيكون على الأرجح بهذه الطريقة. ولهذا السبب تضمن الاتفاق على الأرجح التزاما أميركيا بنشر شبكة واحدة على الأقل من بطاريات صواريخ «باتريوت 3» المضادة للصواريخ الباليستية على الأراضي البولندية.

وشبكات الصواريخ الاعتراضية العشرة التي ستنشرها الولايات المتحدة في بولندا مصممة لكي تعترض وتسقط الصواريخ الباليستية العابرة للقارات السريعة والتي تحلق على ارتفاعات شاهقة والتي قد تطلقها إيران أو بعض «الدول المارقة» الأخرى في الشرق الأوسط على مدن أوروبا الغربية أو الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية.

وصواريخ «باتريوت» مصممة لاعتراض وإسقاط عدد أكبر من الصواريخ الباليستية الأكثر بطئا والتي تحلق على ارتفاعات أدنى من الصواريخ العابرة للقارات مثل صواريخ «اسكندر».

وقد تكون شبكة الصواريخ الاعتراضية في بولندا الوسيلة الأفضل لحماية نيويورك وواشنطن وبوسطن وفيلادلفيا من احتمال تعرضها للحريق بواسطة صاروخ إيراني يطلق عبر أوروبا ويمر فوق المحيط الأطلسي إذا وقعت أيدي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أو خلفائه على مثل هذا النوع من الصواريخ وكانوا متهورين وغير مترددين في استخدامها.

غير أنّ روسيا أصرّت بالمقابل على أنّ نيّة الولايات المتحدة في نشْر شبكة صواريخ اعتراضية في بولندا أو أيّ مكان آخر في أوروبا الوسطى، إنما يهدف إلى تحييد قوتها الاستراتيجية الرائعة من الصواريخ الباليستية. لكن 10 قواعد صواريخ اعتراضية باهظة الثمن ومعقدة التصنيع لا تشكّل خطرا حقيقيا على الترسانة الصاروخية الاستراتيجية لروسيا التي يبلغ عددها نحو 4700 صاروخ مزوّد برؤوس نووية.

وهذا الوضع صحيح خصوصا أنّ أنظمة النقل الاستراتيجية الروسية ليست متحرّكة ومتمركزة على أراضي الاتحاد الفيدرالي الروسي فحسب، بل إنّها منقولة عبر الغوّاصات النووية والقاذفات الاستراتيجية البعيدة المدى مثل: طائرة «توبوليف تي يو 160» الأسرع من الصوت المعروفة باسم «البجعة البيضاء» والتي يطلق عليها حلف شمال الأطلسي (ناتو) اسم «بلاك جاك». وبالتالي، من المرجح أن تؤدي الاتفاقية مع بولندا لنشر شبكة الصواريخ الاعتراضية الأميركية -التي ستبنيها شركة بوينغ- ورد الفعل الروسي السريع، إلى زيادة التوترات التي تسببت بها أصلا العملية العسكرية الروسية في أراضي الجمهورية السوفياتية السابقة في جورجيا التي لا يزيد عدد سكانها عن 4.4 ملايين نسمة في وقت سابق من الشهر الحالي، عندما اجتاحت القوات الروسية البرية بسهولة الأراضي الجورجية وسحقت قواتها وطردتها من جمهورية أوسيتيا الجنوبية الانفصالية.

وللمرة الأولى منذ ما يقارب 21 عاما على توقيع الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف والرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان على «اتفاقية القوى النووية المتوسطة» في واشنطن في ديسمبر/ كانون الأول 1987، تجد الولايات المتحدة وروسيا نفسهما في سباق جديد للتسلح بالصواريخ الباليستية وأنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في أوروبا. ومما لا شك فيه أنّ ميزان القوى عاد من جديد.

العدد 2176 - الأربعاء 20 أغسطس 2008م الموافق 17 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً