العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ

موسوعة تاريخ البحرين والأسئلة الحائرة

لست ممن يعشقون كثيرا الردود والتعقيبات على كل ما يقرأ وينشر في الصحف اليومية لكن عندما يكون الحديث ذا شجون ومهما حول تاريخ البحرين بالذات الذي لم يكتب حتى الآن بأمانة علمية فإن الكتابة تصبح حتمية وضرورية.

مناسبة هذه المقدمة هو ما قرأته في العدد 32 من «الوسط» ونشر تحت عنوان ضخم وحساس ومخيف في الوقت نفسه ألا وهو عمل وطني قومي مع انني لن اناقش هنا الفرق بين «العمل الوطني» و«العمل القومي» ولكن لنأخذ الامر على علاته وكما قيل، فقد ذكر وزير الدولة الاخ محمد حسن كمال الدين ان «موسوعة البحرين التاريخية» في الطريق ولن تستغرق سوى سنتين فقط!!

مهلا يا سادة، فعلى رغم أن الاخوة القائمين على هذا المشروع الضخم حقا سواء منهم الوزير الذي حقق «فهرسة الموسوعة» او مدير ادارة المكتبات منصور سرحان هما وغيرهما اخوة منذ زمن بعيد يجمعني بهم الهم الثقافي على درب الثقافة وحب التاريخ إلا انه امام كتابة تاريخ هذا الوطن الذي عانى كثيرا من الاقلام، لا ننسى ما حدث اثناء مشروع كتابة الحياة الثقافية للبحرين في ثلاثة عقود، لابد من التريث ولا مجال لأية مجاملات.

لذا استميح الاخوة عذرا لما سأقوله وارجو ألا يفسر بعيدا عن الهدف والاخلاص والنية نفسها التي قام من اجلها المشروع والنقاط الآتية هي أسئلة امام المشروع لتفادي اي اخطاء محتملة تبدو في الافق من الآن:

جميل أن يعلن أن موسوعة تاريخ البحرين ستكتب بشكل علمي ومحايد ولكن ما هي منهجية البحوث التي ستتناول هذا التاريخ؟ وهل هناك لجنة مؤرخين وضعت هذه المنهجية؟ ومن هم؟ وما هي المصادر التي ستعتمد؟ اتمنى ألا تكون بعض الدوريات التاريخية غير المحكمة والموثقة حتى الآن!! وكيف ستكون المنهجية والموضوعية في التعامل مع بعض فترات التاريخ المضطربة والحساسة، وكلنا اليوم يعرفها بوضوح!!

من هو فريق العمل هذا الذي أنهى «مجلدين» في تاريخ البحرين؟ ولسنا ندري اي فترة تلك التي تناولها المجلدان اللذان انهيا في فترة اربعة اشهر فقط!! والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة الغيورين على أمانة البحث التاريخي هو: اذا كان طلبة الماجستير والدكتوراه وهم - كما نعرف - متخصصون في دراساتهم بشكل علمي منهجي ومتفرغون لها طيلة ايام العام - وليس ما بين 5 - 9 مساء لمدة ثلاثة ايام في الاسبوع - يستغرقون ما بين 3 - 4 سنوات في دراسة وتحقيق وتوثيق جانب واحد من قضية تاريخية فرعية!! فكيف بنا ونحن امام تاريخ البحرين العظيم وعلاقاتها بجميع الاراضي والدول المجاورة حيث يتم الانتهاء من كتابة «مجلدين» كل مجلد يضم 450 ـ 500 صفحة في شهرين فقط!! من الذي اعد لهؤلاء الباحثين تلك المعلومات الكثيرة والتي يصعب الحصول عليها احيانا كثيرة في شهرين؟ ام هو مجرد نقل من كتب اخرى؟

ليس العيب ان نستعين بأية جهة علمية مهمة لكتابة هذا المشروع الضخم وكنت أتمنى لو استشرتم هيئة موسوعة «كمبردج» عن تاريخ أوروبا أو تاريخ الهند أو اليونسكو التي كتبت تاريخ إفريقيا العام أو هيئة موسوعة تاريخ العالم كله، لكن أن نستعين باتحاد المؤرخين العرب لا كاستشارة وإنما لكتابة هذا التاريخ على طريقة «يا فلان صل عني» وفي النهاية نقول «كثر الله خيرنا اننا كتبنا تاريخ البحرين» فهذا الغريب في الأمر! هل فعلت الإمارات هذا من قبل؟ أو الكويت أو المملكة العربية السعودية؟ ثم هل تخلو البلاد من الباحثين والأساتذة في التاريخ القديم والإسلامي؟ إذا ما دور الجامعة هنا وأين ذوو الاختصاص فيها؟ وإذا كان الأمر بهذا الشكل فلماذا لا تتم الاستعانة بالمؤرخين البريطانيين للكتابة عن دور البحرين ومكانتها أثناء تواجد شركة الهند الشرقية الإنجليزية في الخليج منذ العام 1616م وفي فترة سقوط هرمز وما بعدها خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر؟ ثم لم يوضح الأخ الوزير لماذا 70 من تاريخ البحرين في العراق وما هو الدليل العلمي على ذلك؟ وهل كتب التاريخ القديم والإسلامي مؤلفة فقط عن البحرين حتى توجد في العراق؟ أم هي عن الجزيرة العربية بأكملها باعتبار أن «إقليم البحرين» كان هو الإقليم الخامس من أقاليم الجزيرة العربية قبل أن ينحصر هذا الاسم على مجموعة جزر البحرين فقط!! وهل يعلم الإخوة أن النقاش لم يحسم حتى الآن عن فترة انتقال الاسم إلى البحرين الحالية.

لنعد قراءة هذه الفقرة المهمة من التصريح في موضوعات التاريخ الحديث والمعاصر، فقد تم تكليف الكثير «من كتاب البحرين لإنجاز هذه الموضوعات وغالبيتهم من الشباب البحريني المتعلم المثقف الواعي ومن محبي التاريخ ومن المتحمسين لهذه الأرض ومن عليها»، ألا تلاحظون غرابة هذا الكلام ومناقضته لبداية الحديث «تم اختيار المؤلفين من أساتذة الجامعة المتخصصين ذوي الخبرات التاريخية المتميزة»، لا ندري في الواقع من سيكتب هذا الجزء هل هم هؤلاء الشباب أم ذوو الخبرات من الجامعة؟ ومن هم هؤلاء المؤلفين السبعة من الشباب؟ وهل يكفي هؤلاء السبعة لكتابة أهم وأصعب وأحلك فترة من تاريخ البحرين في العصور الحديثة والمعاصرة تمتد مئات السنين ومن ضمنها الفترة السوداء إبان السيطرة البريطانية؟

من خبرتي المتواضعة في مجال تأليف الكتب التاريخية المنهجية المدرسية والأكاديمية طوال 25 عاما أقول: إنني قضيت حتى الآن أكثر من ثلاث سنوات أبحث فقط في تاريخ البحرين وهرمز فيما بين أعوام 1300 ـ 1622م زرت خلال تلك المدة كلا من بريطانيا وإيران والإمارات العربية المتحدة وعُمان والبرتغال للبحث والتقصي عن تاريخ المنطقة، وجمع مئات الوثائق وقابلت عشرات الباحثين، واطلعت على مئات المصادر والدراسات والبحوث، ولم أنتهِ بعد. فكيف ـ بالله ـ تتم كتابة «مجلدين» عن تاريخ البحرين في شهرين!!

لماذا لا يستمر العمل في الموسوعة لمدة خمس أو حتى عشر سنوات، فهل في ذلك عيب لا سمح الله؟ إذا كنا نريد عملا متقنا وعلميا يبقى لأجيال المستقبل... لا أظن أن هناك حاجة ماسة إلى العجلة... مادام العمل «بعيدا عن المباهاة وأضواء أجهزة الإعلام». لا شيء يدعو إلى السرعة في الإنجاز فلسنا أمام مشروع تجاري يُخاف عليه من التقليد قبل نزوله إلى الأسواق أو سرقة فكرته... إنكم تكتبون تاريخ أجيال وشعب عانى وقاسى سنين طويلة... إذا كان المؤلف أسامة أنور عكاشة قد استغرق أكثر من ثلاث سنوات لكتابة مسلسل «ليالي الحلمية» فكيف بتاريخ البحرين يكتب في سنتين فقط؟! ما الهدف من السرعة؟ أو أننا مازلنا نمارس الطريقة القديمة نفسها في التعامل مع التاريخ وكأنه باب «بريد القراء»؟!

لماذا لم يرسل فريق عمل متفرغ لهذا المشروع للبحث أولا في أرشيفات الدول التي كانت لها علاقة بالبحرين عبر عصور التاريخ المختلفة سواء أكانت الهند أم شرق إفريقيا أم إيران والعراق والجزيرة العربية أم البرتغال واسبانيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا، أم تركيا ومصر والشام والمغرب العربي؟ كما فعلت دولة الإمارات حين أرسلت فرقا لجمع كل الوثائق التي لها علاقة بتاريخ الخليج ومن ضمنه الإمارات خصوصا من الهند وتركيا والبرتغال وفرنسا وهولندا، واستعانوا ببعض المترجمين من البرتغال مثلا لترجمة مذكرات أعتى وأقسى القادة البرتغاليين في حملتهم على الساحل العماني والخليج بين أعوام 1507 ـ 1515 وهو (أفونسو دا البوكيرك). وقد التقيت بأفراد إحدى تلك الفرق الإماراتية في (لشبونة) وكانوا قد زاروا أوروبا الغربية تقريبا للمقارنة فقط «بين المدافع التي كانت مستخدمة في سفن القواسم وغيرهم من عرب ساحل الإمارات بتلك الأوروبية»!! وكذلك فعلت سلطنة عمان حين أرسلت الباحثين ليتعلموا أولا اللغات ولجمع الوثائق ثانيا من البرتغال والهند وبريطانيا وفرنسا.

هنا يكون المشروع فعلا ذا جدوى حقيقية وواقعية وعلمية مُحققة وموثقة من مصادرها الأصلية ومن الأرشيفات العالمية... ولا أظن أننا سنبخل ببعض الدنانير ـ وما أكثر المهدور منها ـ على كتابة موسوعة عن تاريخ هذا الوطن المعطاء الذي لم يبخل علينا يوما في أي شيء!

أين دور المؤسسات ومراكز البحث والجمعيات التاريخية البحرينية في كتابة هذه الموسوعة، كمركز الوثائق التاريخية، جمعية تاريخ وآثار البحرين، قسم التاريخ بجامعة البحرين واختصاصيي التنقيبات والتاريخ القديم التابعين لوزارة الإعلام، وكذلك اختصاصيي مناهج التاريخ بوزارة التربية والتعليم؟

أليست هذه الجهات هي الأحق والأجدر بأن تتولى كتابة تاريخ البحرين، ولا بأس من رئاسة هذه اللجنة التي تضم هؤلاء المتخصصين إذا كانت العملية إمساك عصا الريادة! فليست القضية هنا قضية أن هناك بعض المسئولين يهتمون ويتابعون كتابة المشروع والإسراع للانتهاء منه! فأي مسئول في أي زمان ومكان لا يمكن أن يكون ضليعا في كل شيء (تاريخ ـ اقتصاد ـ سياسة ـ ثقافة عامة وخاصة... إلخ)، فنحن لسنا في عصر المسئول الشامل ولا حتى المؤرخ الشامل.

لست أعتقد أن إطلاق اصطلاح (كاتب) على من يكتب التاريخ بدلا من (مؤرخ أو باحث) يكون ملائما، ثم نجد أن هناك تعريف (مؤلف) في (7 مؤلفين)، فاصطلاح (مؤلف) خطير جدا وتترتب عليه مسئولية كبيرة على صاحبه أمام التاريخ والأجيال الحالية والقادمة... ولذلك ليكن الله في عون اللجنة الحالية والمتفردة في كتابة موسوعة تاريخ البحرين... وأقول هنا قبل أن يقع «الفأس في الرأس» ويبرر بعد ذلك العمل «بأننا اجتهدنا ولكل مجتهد نصيب»: إن الأجيال القادمة التي ستكون بالطبع نتيجة حتمية وطبيعية لولادة عصر الديمقراطية والحرية والشفافية في بحرين اليوم... لن تغفر لهذا الجيل الحالي الذي يكتب الآن تاريخ بلادها إن شابه أخطاء أو حاد عن الموضوعية والعلمية أو أنهى تاريخ البحرين العريق في موسوعة من عشرة مجلدات في أقل من سنتين!!

فعلا ليكن الله في عون من يعمل ثلاثة أيام في الأسبوع ما بين (5 ـ 9 مساء) من أجل الحقيقة والتاريخ فقط!

العدد 50 - الجمعة 25 أكتوبر 2002م الموافق 18 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً