العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ

الشيخ عبدالأمير منصور الجمري

علماؤها

ولد الشيخ عبدالأمير بن منصور بن محمد بن عبدالرسول بن محمد بن حسين بن ابراهيم بن مكي بن الشيخ سليمان بن مكي الجمري البحراني في قرية بني جمرة - المحلة التي تسكنها قبيلته - ليلة الجمعة قبل الفجر بساعة تقريبا 28 ذي الحجة 1356هـ (1937م).

نشأ وتربى في كنف والده المرحوم المؤمن التقي منصور الحاج محمد الجمري المتوفى في ليلة السبت 27 ربيع الأول 1367هـ (1947م) وقد بذل رحمه الله ما في وسعه من عناية بتربية المترجم.

كانت دراسته الأولية الرسمية في البحرين. وقد تاقت نفسه لأن ينخرط في سلك الخدمة الحسينية، مستفيدا مما يتعلق بالفن المنبري من ابن عمه شيخ خطباء البحرين المرحوم ملا عطية بن علي الجمري رحمه الله تعالى المتوفى في 30 شوال 1401هـ (1981)، وابنه الخطيب الفاضل ملا يوسف بن الملا عطية الجمري، وكذلك الخطيب الفاضل ملا جاسم محمد نجم الجمري.

وقد قرأ كخطيب مستقل وهو في سن مبكرة حيث لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، وقد حظى بموفقية وتجاوب اجتماعي شجعه على الاستمرار.

دراسته العلمية

أما الدراسة العلمية فقد بدأها المترجم على يد العلامة الجليل الشيخ عبدالله بن الشيخ محمد صالح آل طعان البحراني طيب الله ثراه في سنة 1379هـ 1959م، وكانت وفاة الشيخ المبرور في 25 صفر 1381هـ (1961م) في شيراز بإيران وقبره هناك. وكان هذا الشيخ - جزاه الله خير جزاء المحسنين - هو السبب المباشر لانخراط المترجم في السلك العلمي، حيث رغَّبه أشد الترغيب في ذلك، متوسما فيه - كما يقول قدس سره - القابلية لذلك.

وقد درس المترجم عنده بعض المقدمات في العربية والفقه والعقائد لمدة سنتين، وفي خلال هاتين السنتين حضر فترة قصيرة عند العلامة الجليل الشيخ باقر الشيخ أحمد آل عصفور (طيب الله ثراه)، فقرأ عليه أوائل الجزء الأول من تتابع «جامع الدروس العربية» للشيخ مصطفى الغلاييني. كما قرأ كتاب الطهارة من «شرائع الإسلام» وأوائل «قطْر الندى» حتى نواصب الفعل المضارع على العلامة الجليل السيد علوي السيد أحمد الغريفي حفظه الله تعالى. وقد دفع الشيخ عبدالله الآنف الذكر المترجم إلى الهجرة إلى النجف الأشرف، وبعد وفاته قدس سره هاجر المترجم إلى النجف الأشرف لمواصلة دراسته وذلك في بداية الأول سنة 1382هـ (1962م).

قرأ المترجم في النجف الأشرف معظم السطوح على أساتذة فضلاء وعلماء أعلام، رحم الله الماضين منهم وأيد الباقين، وجزاهم جميعا خير المحسنين.

قرأ «قطر الندى» على الشيخ عبدالله «أبومرة» الإحسائي. والألفية «شرح ابن عقيل» على الشيخ حسين الظالمي النجفي، والسيد عبدالله العلي الإحسائي. و«معالم الدين في الأصول» على الشيخ محسن الغراوي النجفي. و«شرائع الإسلام» عدى أوائلها فقد كان على أكثر من واحد من العلماء الأفاضل كالسيد حامد السويج البصري دام ظله أجزل الله مثوبتهم وجزاهم أفضل الجزاء.

وأوائل «شرح اللمُعة» على الشيخ محمد علي الخمايسي، وما بقي منها مع «المكاسب» على السيد محيي الدين الغريفي النجفي. و«مختصر المعاني والبيان» على الشيخ إبراهيم أبو خليل من أهالي سوق الشيوخ، والشيخ حسن طراد العاملي، والشيخ علي الجزائري.

و«منطق المظفر» على الشيخ عبدالرسول الكرمي و«حاشية ملا عبدالله» في المنطق على الشيخ صالح الصالحي و«أصول المظفر» و«كفاية الأصول» وقسم من «الرسائل» على السيد علاء الدين آل بحر العلوم. و«شرح الباب الحادي عشر» على السيد حسين آل بحر العلوم. و«شرح التجري» ولم يكمله على السيد مسلم الحلي النجفي.

تشرَّف في البحث الخارج مدة سنتين أو أقل بحضور بحث سماحة أية الله العظمى السيد أبوالقاسم الخوئي طاب ثراه، في الأصول، وبحث سماحة أية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في الفقه الاستدلالي على ضوء العروة الوثقى.

إجازاته ووكالاته

للمترجم إجازة رواية من سماحة آية الله العظمى السيد علي الفاني الأصفهاني طاب ثراه، مؤرخة في 25 شعبان 1391هـ (1971م). كما أنه وكيل على قبض الحقوق الشرعية وغيرها من الأموال الشرعية، وتولي الأمور الحسبية من قبل عدد من الحجج رحم الله الماضين منهم وأدام ظل الباقين، منهم الشيخ محمد أمين زين الدين، والشيخ محمد علي الأراكي، والشيخ محمد فاضل اللنكراني، والسيد علي السيستاني، والشيخ جواد التبريزي، بالإضافة إلى أنه كان وكيلا على ما ذكر من قبل للمرحوم آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني قدس سره.

أدبه

نشر للمترجم عدد من المقالات الأدبية والدينية والقصائد في بعض الصحف والمجلات العراقية كـ «الاضواء» و«التضامن الإسلامي» حينما كان في النجف الأشرف، وفي عدد من الصحف والمجلات البحرانية بعد عودته إلى البحرين، وقد ذكره صاحب كتاب «معجم الأدباء والكتاب العراقيين» ضمن هذه الموسوعة.

عضويته في البرلمان (1973)

بعد 11 سنة ميلادية قضاها المترجم في تحصيل العلم بجامعة النجف الأشرف، عاد إلى البحرين بعد استقلالها ووضع دستور الدولة من قبل المجلس التأسيسي، وكانت عودته بناء على طلب مؤكد من منطقته من أجل أن يرشح نفسه لعضوية المجلس الوطني وذلك في 1973. وحيث كان طلب المنطقة أكيدا فقد استفتى في الموافقة على الطلب كلا من المرجعين الدينيين سماحة الشهيد السيد محمد باقر الصدر، وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين (قدس سرهما)، فأفتاه الأول بوجوب الموافقة، والثاني بالجواز، وبناء على ذلك قفل عائدا إلى البحرين بأهله وعياله، ولم يكن ذلك موافقا لرغبته الحقيقة، إذ كان راغبا جدا في مواصلة الدراسة لعله يحصل على شيء يعتد به من العلم. وكيف كان فقد رجع ورشح نفسه لعضوية المجلس الوطني مجتنبا ما يمارس في هذه الأمور من الدعاية وتوزيع الصور ووضع الملصقات التي تبين أهداف المرشح وتدعو الناس إلى انتخابه. وتم انتخابه عضوا في المجلس عن الدائرة الانتخابية الخامسة عشرة مع سماحة العلامة الجليل الشيخ عيسى أحمد قاسم، وكان رصيدهما بالنسبة إلى أصوات الناخبين على مستوى عموم الدوائر الانتخابية أعلى الأرصدة، وكان لهما مع كتلتهما الإسلامية في المجلس الوجود الفاعل، والمواقف الواضحة والجريئة.

بجمعية التوعية الإسلامية

تم اختيار المترجم نائبا للرئيس في جمعية التوعية الإسلامية في البحرين لمدة ست سنوات تقريبا حينما كان رئيسها سماحة العلامة الشيخ أحمد قاسم، وكان له فيها وجود فاعل ونشاط معروف.

قضاؤه

بعد حل المجلس الوطني بسنتين، وفي 23 محرم 1397هـ 1977م عين المترجم قاضيا في المحكمة الكبرى الشرعية - الدائرة الجعفرية، وذلك بعد طلب مؤكد ومتكرر من المسئولين في البلاد، وبعد أن أعلن موافقته على القضاء بناء على إجازة كل من المرجعين الدينيين سماحة السيد أبوالقاسم الخوئي قدس سره، وسماحة الشيخ محمد أمين زين الدين دام ظله. وفي سنة 1408هـ 1988م عزل عن القضاء بسبب خلافات حصلت بينه وبين المسئولين في عدة أمور، وبسبب مؤاخذات حادة من قبلهم عليه على أساس مواقف إسلامية ووطنية كانت له، وتصريحات من قبله تشجب عدة قضايا تمارس في البلد، وذلك من منطلق النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبعد عزله اعتقل، واستدعي للتحقيق عدة مرات، وألقي عليه أكثر من اتهام، إلا أنه وبسبب اطمئنانه بصوابية مواقفه لم يتراجع، بل صمد رغم الآلام التي مرت به.

في الإذاعة والتلفزيون

مارس المترجم مند سنة 1973م حتى سنة 1981م تقديم الأحاديث الدينية في كل من إذاعة البحرين وتلفزيون البحرين، إلا أن التقديم في التلفزيون كان على فترات. وكانت الأحاديث التي يقدمها بمناسبة عاشوراء وشهر رمضان، ووفيات أهل البيت (ع) ومواليدهم، بالإضافة إلى أيام الجمعة.

في الصحافة

حرر المترجم أربع سنوات في السبعينيات، زواية دينية في مجلة «المواقف» تحت اسم «استفسارات دينية»، وكان على هذه الزاوية إقبال كبير من القراء.

حوزة الإمام زين العابدين

في سنة 1405هـ 1985م أسس المترجم الحوزة العلمية المعروفة بـ «حوزة الإمام زين العابدين (ع)»، مكانها: جامع الإمام زين العابدين عليه السلام، الكائن في بني جمرة قرب بيت المترجم، وهي حوزة تضم إلى حد الآن ما يقرب من مئة بين أستاذ وطالب، ويدرس فيها علماء أكفاء، ولها نظام، ويطبق فيها الامتحان وإعطاء الدرجات، ويدرس فيها جميع الدروس الحوزية، وإضافة إلى ذلك قُرر في منهجها دروس إضافية وهي درسان أساسيان: التجويد، والفلسفة، وثلاثة دروس تكميلية أسبوعية: الأخلاق، والتفسير، والسيرة.

خطه السياسي

خطه السياسي هو الخط الإسلامي الأصيل في كونه يعيش آلام وهموم الآخرين، ويسعى قدر جهده لإصلاح الفساد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعو إلى الوحدة الوطنية ونبذ التفرقة ومحاربة الطائفية، وقد تجلى موقفه الإسلامي والوطني في موقفه عن الأزمة التي عصفت بالبلاد، وتبنيه عريضة 1992 وثم عريضة 1994، وما تحمل مع زملائه الأطائب أصحاب المبادرة وأعوانهم. هذه المبادرة التي تضمنت المطالب والطموحات التي يريدها الشعب وفي طليعتها البرلمان، وقد جاء في خطابه للجماهير التي قدرت بأكثر من خمسين ألفا والتي احتشدت لاستقباله يوم خروجه من السجن في 25 سبتمبر 1995م: «وإنني - أيها الشعب العظيم - لأعاهد الله عز وجل وأعاهدكم بأني سأبقى وفيا لكم، وسأعيش هموم هذا الشعب وآلامه وآماله، وسأخدمه، بكل ما لدي من طاقات، علِّي أتمكن من أداء بعض الديْن الكبير الذي لكم في عنقي».

شعره

بالنسبة إلى شعر المترجم: نظم الشعر وهو في سن مبكرة، وذلك باللسانين: الشعبي والفصيح، بدأ الشعر الشعبي - في رثاء أهل البيت (ع) - ولما يكمل العاشرة من عمره، وله ديوان شعر في هذا الباب، اسمه «أنغام الولاء» وهو لايزال مخطوطا. وبدأ نظم الفصيح ولما يكمل الثامنة عشرة. وقد نشرت له عدة قصائد بالفصحى في بعض الصحف العراقية والبحرانية، كما ألقى كثيرا من قصائده في الاحتفالات الدينية في العراق وفي البحرين، وقد صدر له في هذا اللون من الشعر الأول من ديوانه: «عصارة قلب» المذكور آنفا. وإليك نموذجا من شعره بعثه مع صورته إلى صديق استهداه إياها ما يأتي:

تلبية أهديكها صورتي

حاكية علاقة فاضله

وإنني أحسب أن الإخا

والحب، والصداقة الكامله

تحسها في موقف ترتضيه

وترتضي - يا صاحبي - فاعله

صديقي العزيز يُروى إليك

هنا وعبر الصورة الماثله

تطلعاتي وشجوني الغضاب

ويقظة في محجري قائله:

لا لن أعيش الدهر إلا العناد

للفئة الفاسقة الجاهله

ومن قصيدة له في مدح الرسول الأعظم (ص):

بطل الحياة، ورائد الانسان

عملاق الوجود، وصانع العظمات

فاق ابن آمنة الخلائق كلها

بأتم أخلاق وأطهر ذات

قبل الرسالة كان بين القوم

كل القوم معروفا بخير صفات

يدعى الأمين وصادق الأقوال لم

يعثر له أبدا على هفوات

وخروج مثل محمد من أمة

غمرت ضلالا أكبر الآيات

ومن قصيدة له في رثاء الإمام علي أبي طالب (ع):

أذهل الخطب منطقي وجناني:

فحقيق بأن يضيق بياني

كيف أسطيع قولة وأمامي

حادث هد وقعه أركاني

زلزل الأرض والسماء وأدمى

كل جفن من أمة القرآن

لف للدين راية لم تنكس

منذ وقت بعزة الإنسان

ملأ الكون صيحة وعويلا

ألبس الدهر حلة الأحزان

يومَ بين الخضراء والأرض نادى

جبرائيل بصوته الرنان

فُصمتْ عروة الهدى وهِيَ الوثقى

وهُدَّت قواعد الإيمان

ومن قصيدة في رثاء الشهيد مسلم بن عقيل (ع):

صنعت البطولة يا مسلمُ

فمنك البطولة تُستلهم

وسجلت أرقى دروس الوفاء

بناصية الدهر إذ ترقم

بتضحية فاقت التضحيات

ومصرع حر هو الأكرم

لأنت بحق كما قال عنك

حسين الهدى: ثقتي مسلم

أمسلم فيك اهتدى المصلحون

فأنت لهم رائد أعظم

تمثل فيك هدى الطاهرين

وخُلْقُهُمُ الأكمل الأقوم

أتاك إلى الدار أشقى الورى

ويمكنك الفتك لو تقدم

أأمدى المدى واقع في يديك

وعن قتله سيدى تحجم

أجبنا وأنت أبا طاهر

بيوم الوغى بطل مُعْلِم

ألست بصفين يا بن الكرام

بسيفك حزب الردى يهزم

تجسد صدقك في موقف

أنوف الضلال به ترغم

فديتك لم تك تخشى عداك

فمن سيفك بن الخنا يسلم

ولكن أبيت سلوك الصغار

ومالا يليق وما ينقم

فنفسك أسمى من الاغتيال

إلى الآمنين وإن أجرموا

الشيخ علي جاسم الجمري

هو من أبناء عمي، والده الحاج جاسم الحاج محمد إبراهيم كبير أسرتنا، وقد اعتمدته رحمه الله تعالى في كثير من المعلومات المدونة في هذا الكتاب. ويحسن بهذه المناسبة أن اذكر نبذة عنه رحم الله فأقول: كان من المؤمنين الأخيار المحبين للمؤمنين والعلماء. وكان مما أوصى به قبل وفاته بشهر - حسب ما أخبر ابنه المترجم - التزام القرآن والقيام بحقوق الجار.

حيث سأله ابنه المترجم: ما الذي تريد أن توصينا به؟ جوابه ماذكر. وقد توفي الحاج جاسم يوم الأربعاء 27 جمادى الأولى 1415 هـ الموافق 1994م، وذلك عن عمر يقارب المئة سنة. وقد صار مقعدا على الفراش عدة سنوات قبل وفاته، إلا أنه متمتع بإدراكه وتمييزه وفهمه للأمور المحيطة به حتى وفاته. وكان السبب المباشر لوفاته أنه أصيب قبل وفاته بيوم واحد بجلطة خفيفة نقل على أثرها إلى مستشفى السلمانية ورقد هناك ليلة الخميس ويوم الخميس الذي توفى فيه. وقد شيع إلى مثواه الأخير في الساعة الرابعة بعد الظهر ودفن في مقبرة «بني جمرة» بجانب قبور الآباء والأجداد. وقد خلف أولادا ثلاثة ذكور هم: محمد، والمترجم، وعباس، وثلاث إناث، وزوجة.

ولنعد للحديث عن المترجم فأقول: هو من مواليد 1957 ميلادية، أنهى الدراسة الثانوية في البحرين العام 1974م، وبعد تخرجه عمل موظفا حتى العام 1984م، وفي خلال فترة توظفه درس في كلية الخليج للتكنولوجيا وقد بقيت له أربعة فصول للحصول على البكالوريوس. وفي العام 1984، هاجر إلى العاصمة العلمية (قم المقدسة) بالجمهورية الإسلامية الإيرانية للتحصيل العلمي، وبقي هناك قرابة ثمان سنين أنهى خلالها مرحلة السطوح تقريبا، وعاد إلى البحرين العام 1992.

العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً