العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ

الخطيب الملا يوسف الملا عطية الجمري

علماؤها

خطيب بارع مفوه، تأريخي، قوي الحافظة والذاكرة، سريع الجواب. ولد ليلة النصف من شعبان سنة 1336هـ (1918 م)، وكانت ولادته في العراق، محافظة البصرة، ناحية القطعة، حيث كان والده المرحوم في الهجرة آنذاك، الهجرة التي امتدت إلى 13 سنة، وحينما عاد والده إلى البحرين كان المترجم قد أكمل سنتين تقريبا، فكانت نشأته وتربيته في بلد الأهل بني جمرة.

تلقى الخطابة على يد والده الذي أتقن تربيته الخطابية وغيرها، فاستقل بنفسه وكان عمره آنذاك 18 سنة. وقد قرأ على المرحوم الشيخ محسن الشيخ عبدالله العرب الجمري: النحو - «الأجرومية» و«قطْر الندى».

وكان في خطابه متميزا بكثرة محفوظاته، وقوة وجمال صوته، وكثرة ابتكاراته الفكرية، وكثرة استحضاره لأحاديث المعصومين (ع) بحيث أن بوسعه أن يلقي موضوعا كاملا بجميع أطرافه روائيا، حيث ينتقل من حديث إلى حديث دون أن يدخل تعليقا من عنده. وقد اقترحت عليه أكثر من مرة أن يدون ولو بعض مواضيعه المتميزة التي لم يسبق لي صياغتها إلا أنه لم يفعل. ومن ناحية العشرة والمجالسة فهو حسن فيهما، ويحفظ له أصدقاؤه وعارفوه ومجالسوه أخلاقياته ومجاملاته التي تجعل جليسه لا يمل مجالسته. وهو معروف لدى عارفيه بكثرة تحمله لخشونة الحياة، ومعاناته لتطورات الظروف وتقلبها.

وقد نظم مجموعة قطع من الشعر الرثائي الشعبي، إلا أن ما حققه والده المقدس رضوان الله عليه في هذا المجال من ملء الفراغ والتفوق والتفرد جعله لا يستمر في الشعر، بل ولا يهتم بحفظه وجمعه، رغم أنه من الشعر الجيد.

ألقى الشاعر الخطيب محمد جعفر العرب قصيدة أبّن فيها الخطيب البارع يوسف بن عطية الجمري في حفل التأبين مساء الخميس الموافق 18 ربيع اللأول العام 1419هـ 23 يوليو 1998 م ليلة الجمعة في الحسينية الاثنيعشرية:

«يايوسف الفذ رغم البعد أنت هنا»

بعدت يوسف بعدا غير محدود

وهكذا الدهر لم يحفل بموجود

بالرغم منك الذي قد حل ساخنا

ما كان ذلك من خُلْف المواعيد

مضى الزمان بما كنا نضن به

فقد أتانا بأمر غير مودود

أساء لكنه لم يعتذر أبدا

وكان من بعد توطيد وتمهيد

ما قد جرى مؤلم قد فاق قدرتنا

ولايزال كسيف غير مغمود

إن الزمان بنا يجري على عجل

لافرق ما بين صنديد ورعديد

ما شفه السير مثل الآخرين وذى

حقيقة شوهدت من كل مرصود

نمشي ولكننا لا ندري ما غدنا

أوَّاه ما بين مكبود ومضمود

نبكي وهذا لنا حق بلا جدل

فالحبل أوَّاه حبل غير ممدود

نخاف من كل شيء حولنا فهنا

حوادث قد أصابت أصيَد الصِيد

نرى ونسمع فالآذان مصيغة

وهمنا هو هم غير مطرود

هذا الزمان له ما ليس نملكه

فلا يرينا سوى أثوابه السود

إلى أن يقول من قصيدة طويلة:

يا يوسف الفذ إن الخطب أقحمنا

فقد تواريت ما بين الجلاميد

ها أنت قد صرت خلف الغيب مستترا

فيك المقادير قد فازت بمقصود

قد كنت بالأمس غرِّيدا على فنن

وقد خلا اليوم من شدو وتغريد

إذا ذكرت للحسين السبط في ملأ

بكى عليه بكاء غير معهود

أجراس صوتك أجراس مميزة

قد ماثلت في الشجى مزمار داود

أجريت أدمع عشاق بها شغفوا

على الخدود كجري الماء في البيد

لك المجامع قد ألقت أزمَّتها

فقد رأت منك فيها خير مجهود

آلمتها بعد أن قد صرت مبتعدا

عنها فها هي في هم وتسهيد

قد كنت بالأمس فيها واعظا لبقا

واليوم قد صرت فيها غير موجود

بكتك يوسف واسترخت اعنَّتها

وأطلق الحزن منها كل معقود

وشفَّها الحزن والأجواء قاتمة

من بعد ما كنت فيها مورق العود

أما العشيرة فالدور الكبير لها

أيامها أصبحت أيام تعديد

حقا لقد نكبت والحزن حالفها

ووقته هو وقت غير محدود

لا لن تلام لقد كنت العميد لها

وما جرى هو أمر غير مصدود

ليصل إلى قوله:

يا يوسف الفذ رغم البعد أنت هنا

ترى الأقارب ما بين الأماجيد

لقد تمنوك فيهم مثل أمسك يا

هذا وأنك حي غير ملحود

ثق أنه لن يحول البعد بينكم

لأن حقك حق غير مجحود

لم يفعلوا غير ما قد كنت تعرفه

فيهم وهذا لعمري غاية الجود

فبرهم بك باق دائما أبدا

ثق فيهمُ إن هذا غير منشود

هم هكذا لن يحيدوا عن طريقهمُ

هم هكذا خير من أعطا ومن نودي

فأنت مازلت مثل الأمس عندهمُ

ها أنت في النثر حي والأناشيد

ها أنت في كل بيت من بيوتهمُ

مازلت نفحا كنفح المسك والعود

وهكذا أنت حي في ضمائرهم

وهكذا أنت في عز وتخليد

إني تيقنت هذا من تصرفهم

فعندهم أنت حقا غير مفقود

ها أنت قد نلت في الدنيا مبرتهم

فما رأوا منك فعلا غير محمود

لقد قرأت شهادات موثقة

غدا سترويك من ماء العناقيد

عش هانئا في جنان الخلد مرتقيا

على الأسّرة بين الخرّد الخود

واقرأ بريدي ففيه علم من حضروا

يا يوسف الفذ هذا كل مقصود

الخطيب الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب الجمري

خطيب فاضل، تاريخي، شاعر باللسانين: الفصيح والدارج، وشعره جيد ورقيق، بيئته بيئة كريمة، وسلفه سلف صالح.

مولده تقريبا - حسب إفادته - في سنة 1320هـ (1902 م). تربى في جو علمي معروف، حيث والده الشهيد عبدالله بن أحمد العرب، وأخوه المقدس الشيخ محسن الشيخ عبدالله العرب طيب الله ثراهما، وقد نهل من علومهما.

تلقى الخطابة - حسب إفادته - على يد الخطيب الكبير الملا عطية الجمري رحمه الله تعالى، وكان الملا عطية في بداية حياته الخطابية.

له ديوان شعر باللسان الشعبي في رثاء الرسول (ص) وأهل بيته (ع)، اسمه: «ينبوع الشجاء وإسعاف الخطباء في رثاء محمد وآله النجباء». طبع سنة 1407هـ 1987م. وقد قدمت له مقدمة، رأيت من الخير إثباتها هنا، حيث تعطي فكرة عامة عن الشعر والشاعر، وإليك ذلك:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، وبعد:

بين يديك - أيها القارئ الكريم - ديوان (ينبوع الشجاء وإسعاف الخطباء في رثاء محمد وآله النجباء) للخطيب الجليل والشاعر الملهم الحاج ملا سعيد بن العلامة الشهيد الشيخ عبدالله بن أحمد العرب، وهو مجموعة من الشعر النفيس باللغة الشعبية في رثاء الرسول وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين. وتأتي هذه المجموعة الشعرية في الرعيل الأول من الشعر الجيد من هذا اللون الذي يستحق أن يقتنى ويقرأ، لاسيما لخطباء المنبر الحسيني، لما تشتمل عليه هذه المجموعة من تغطية وفاء بجميع المناسبات الحزينة لأهل البيت عليهم السلام، ولما تصوره بدقة من مصائبهم الفضيعة ومواقفهم الجهادية الخالدة.

ولقد كان المفروض لهذه المجموعة القيمة من الشعر الرثائي أن تكون قد دخلت عالم النشر، واحتلت مكانها في المكتبات، وأدَّت دورها أو بعض دورها في مجالها الخاص، لقد كان المفروض لها ذلك منذ أمد بعيد، إلا أن الشاعر حفظه الله قد تريث وتباطأ كثيرا، رغم كثرة الإلحاح عليه بالنشر والطبع من عدد من المؤمنين، وكنت أحد الراغبين والملحِّين عليه في الطبع، ولكن له أعذاره في التأخير، وربما يكون منها ما انتابه منذ سنوات من فقدان الصحة في كثير من الأحيان، أسأل الله تعالى له العافية وطول العمر، وربما يكون هذا التأخير في الطباعة مقصودا بالذات من أجل استكمال حلقات الديوان، وإعطاء جميع مآسي الرسول (ص) وأهل بيته (ع) حقها. وكيف ما كان فإن ظهور هذا الديوان وطباعته، وكونه في متناول الأيدي أمنية الكثيرين ونعمة من نعم الله التي يفيضها سبحانه على عباده المؤمنين، فله الحمد وله المنة.

هذا عن الديوان. وأما عن الشاعر فلا أراه في حاجة إلى التعريف، فهو على صعيد المنبر والشعر - باللسانين الفصيح والدارج - في البحرين معروف الشخصية، واضح الهوية. هذا بالإضافة إلى ما يملكه من إيمان وتقوى، وخلق إسلامي، وبيئة كريمة، وسلف صالح. فوالده العلامة الجليل الخطيب المتفوق في عصره الأديب التقي الشيخ عبدالله بن أحمد العرب الشهيد ليلة السبت 27 ذي الحجة سنة 1314هـ (1896 م). وأخوه العلامة التقي الورع الشيخ محسن بن الشيخ عبدالله بن أحمد العرب المتوفى ليلة الجمعة 25 ربيع الأول سنة 1356هـ (1937 م) قدس الله سرهما وطيب ثراهما. وأسأله سبحانه أن يحفظ ويوفق شاعرنا الكريم، ويجزل له الأجر، ويمده بالصحة وطول العمر، وهو ولي التوفيق.

هذا ما قدمت به ديوانه المذكور. وأضيف الى ذلك:

أن لهذا الخطيب الفاضل يدا طولى في الشعر الفصيح، وعددا ليس قليلا من القصائد نظمها في مختلف المناسبات، وهي من الشعر الجيد.

فإليك القصيدة التالية نظمها مخاطبا بها الخطيب الملا يوسف الملا عطية الجمري بمناسبة نجاح عمليتين أجراهما في المستشفى العسكري في البحرين، حيث حصل عنده انسداد شريانين، وقد كان مرضه صعبا وطويلا، وقد فرح جميع الأهل والأحبة والأصدقاء بنجاح العلاج، وقد بقي حفظه الله بعد العمليتين مدة طويلة ملازما للفراش في أغلب أوقاته، وهو يتحسن تدريجيا ولله الحمد. وقد نظم الشاعر القصيدة في 1/2/1414هـ (1993 م).

أيوسف ذا الرتب العاليه

أتتك السلامة والعافيه

كفاك إلهي صروف الردى

وخوَّلك الصحة الكافيه

وأولاك من فضل إحسانه

شفاء من العلل الواهيه

وأعطاك عمرا طويل المدى

تعيش به عيشة راضيه

بحق النبي وأهل العبا

وأبناهُمُ العترة الزاكيه

وها أنا فيك أجيد المديح

لأنك ذو السمعة العاليه

خطيب تفوه بقول سديد

يشنِّف للأذن الواعيه

تجيد الخطابة في ما به

مقال من الحِكَمِ الشافيه

وتنظم درا بسلك الكلام

به كل موعظة كافيه

إذا ما ذكرنا ملوك الكلام

فذكرك في الزنة الوافيه

وأرجو من الله خير الرجا

بأعظم أسمائه الساميه

سترقى منابر آل الرسول

بأجمل حالاتك الماضيه

عليك من الله درع حصين

يقي لك في جُنة واقيه

فدم في سرور بأعلى مقام

بمستقبل الخير والعافيه

العدد 2296 - الخميس 18 ديسمبر 2008م الموافق 19 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً