العدد 2520 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 07 شعبان 1430هـ

حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين: هل الكرة في الملعب الإسرائيلي؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

طلبت «إسرائيل» وبشكل متكرر عبر العقود من الدول العربية الاعتراف بها وتشكيل علاقات سلمية. رفضت معظم الدول العربية هذا الطلب، باستثناء مصر بعد مبادرة السلام التي قام بها الرئيس أنور السادات العام 1977 والأردن العام 1994.

إلا أن جامعة الدول العربية، المكونة من 22 دولة عربية أعلنت العام 2002 عن مبادرة تاريخية لم يسبق لها مثيل لمعاهدة سلام شامل مع «إسرائيل» جوهرها إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل». قامت حكومات إسرائيلية متعاقبة برئاسة آرييل شارون وإيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو إما بتجاهل أو رفض هذه المبادرة حتى كنقطة بداية للتفاوض، وفقدت بذلك فرصة عظيمة للسلام.

كانت حكومات «إسرائيل» ومعظم الجمهور اليهودي الإسرائيلي على استعداد بالطبع لقبول الشروط الواردة في الاقتراح العربي، التي تعرض إنهاء حالة النزاع واتفاقيات سلام وترتيبات أمنية وعلاقات طبيعية مع «إسرائيل»، ولكنها لم تكن على استعداد لإجراء التنازلات الضرورية بالمقابل: الانسحاب إلى حدود العام 1967 في الضفة الغربية والجولان وجنوب لبنان وإنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس، والأهم من ذلك كله حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يرتكز على قرار الأمم المتحدة رقم 194 الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 1948.

صحيح أن الشرط الوارد في اقتراح جامعة الدول العربية والمتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين قد وُضِع بصورة أكثر صلابة وجمودا تحت ضغط من سورية عندما صرّحت أن اللاجئين الفلسطينيين لن يتم قبولهم كمواطنين في الدول العربية التي أقاموا بها منذ العام 1948 (أو 1967). ويبدو أن المعاني الضمنية لذلك هي أن المكان الوحيد الذي يمكن لجميع اللاجئين الفلسطينيين أن يقيموا به الآن هو «إسرائيل». ولكننا في الواقع نتكلم من ناحية مبدئية عن اللاجئين في سورية ولبنان، حيث أن الأردن منح الفلسطينيين المقيمين فيه الجنسية الأردنية بكامل حقوقها في العام 1949.

إضافة إلى ذلك، يمكن للعديد من اللاجئين، وخاصة هؤلاء الذين يقيمون في لبنان والبالغ عددهم 300,000، أن يعودوا إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية في الضفة الغربية. كما يمكن الافتراض أنه في مضمون اتفاقية سلام، والتي ستضم عودة مرتفعات الجولان إلى سورية، يمكن لسورية إعطاء الجنسية السوريّة للاجئين الذين يقيمون داخل حدودها والبالغ عددهم حوالي 350,000.

تتعلق نقطة الخلاف الرئيسية فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينية بالتفسيرات التي أُعطيت لقرار الأمم المتحدة رقم 194.

يفهم الكثيرون في «إسرائيل»، بمن فيهم القادة السياسيون والأكاديميون هذا القرار على أنه تأكيد على «حق العودة» لكافة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في «إسرائيل»، أي عودة حوالي أربعة ملايين فلسطيني، الأمر الذي سيدمر الهوية اليهودية لدولة «إسرائيل».

من الأهمية بمكان فهم أن هذا التفسير خاطئ ويهدف إلى إخافة الجمهور اليهودي الإسرائيلي ومنع إيجاد حل للقضية الفلسطينية.

صحيح أن مطالب منظمة التحرير الفلسطينية التقليدية بالاعتراف بحق العودة يعني عودة جماعية لجميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في «إسرائيل»، إلا أن قرار الأمم المتحدة رقم 194، الذي عارضته جميع الدول العربية والفلسطينيون أنفسهم يومها، لا يذكر حتى حق العودة. فهو يذكر أنه يجب السماح لللاجئين الذين يرغبون بالعودة إلى ديارهم (على أسس فردية) «والعيش بسلام مع جيرانهم، يجب السماح لهم أن يفعلوا ذلك في أقرب تاريخ عملي ممكن»، وأنه يجب أن يحصل هؤلاء الذين لا يرغبون بالعودة على التعويضات المناسبة. وهذا يعني أن «إسرائيل» ستعطي الخيار بالسماح أو عدم السماح بعودة اللاجئين، وهناك كذلك خيار التعويض المادي.

ولا تذكر المبادرة العربية كذلك حق العودة وإنما تتحدث عن «حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتم الاتفاق عليه بناء على قرار الأمم المتحدة رقم 194». أي أنه يتوجب على «إسرائيل» قبول استيعاب اللاجئين أو عرض تعويضات نقدية.

لقد قمت وزملائي بعقد نقاشات مطولة حول الموضوع مع أكاديميين فلسطينيين تبنوا توجهات براغماتية عملية حيال حل المشكلة، أي إنهم وافقوا على رؤية حق العودة وقد تم الاعتراف به ضمن دولة فلسطينية مستقبلية، وقبول 100,000 لاجئ داخل «إسرائيل» ضمن إطار لمّ شمل الأسر والعائلات ودفع تعويضات جماعية لمنظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية التي تستضيف الفلسطينيين وتعويضات شخصية للاجئين الذين يختارون عدم العودة.

إلا أن هؤلاء الأساتذة الفلسطينيين أثاروا طلبا قاطعا وحاسما من شركائهم الإسرائيليين في الحوار، هو قبول المسئولية الأخلاقية عن إيجاد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، أي النكبة، العام 1948. رفض الإسرائيليون بدورهم هذا المطلب رغم موافقتهم على معظم الحلول الوسطى المقترحة، مدعين أن «إسرائيل» لم تهاجِم وإنما هوجمت في حرب العام 1948.

كان اقتراحي يومها، وأعود لطرحه مرة أخرى هنا، هو أنه يتوجب على الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، قبول المسئولية المشتركة عن إيجاد مشكلة اللاجئين التي جاءت نتيجة لحرب قاسية هرب خلالها الكثير من الفلسطينيين أو طُرِدوا من قبل الجيش الإسرائيلي.

من المشكوك فيه ما إذا كانت حكومة نتنياهو ستوافق على إشارة كهذه وعلى استيعاب عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين داخل «إسرائيل».

وبالطبع، تقدم نتنياهو مؤخرا من الفلسطينيين بمطلب علني بالتخلي عن حق العودة كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.

من الواضح أن هذا المطلب مصمم لإفشال المفاوضات باتجاه حل دائم، حيث أنه من المستحيل مطالبة الفلسطينيين بمحو هذا الحق من ضمائرهم وقلوبهم تاريخيا.

كان من المناسب بصورة أكبر لو أنه اقترح الاعتراف بذلك الحق داخل الدولة الفلسطينية المستقبلية، وأن عددا متفقا عليه من الفلسطينيين اللاجئين يستطيعون العودة إلى «إسرائيل» ضمن إطار لمّ شمل الأسر والعائلات، بينما يحصل الآخرون على تعويضات عن المعاناة الشديدة التي فُرِضَت عليهم. ويكون هذا كله مشروطا بالتزام الفلسطينيين «بإغلاق ملف اللاجئين» كجزء من اتفاقية سلام مع «إسرائيل».

* أستاذ فخري في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بالجامعة العبرية وقد نشر العديد من الأعمال حول تاريخ وسياسة سورية وفلسطين والعلاقات العربية الإسرائيلية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 2520 - الخميس 30 يوليو 2009م الموافق 07 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً