العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ

صورة العام 2003... قاتمة مظلمة وثقيلة على العرب والعالم الإسلامي

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

عندما استلم الرئيس جورج بوش الحكم في العام 2001 لم يكن يعرف، أو يتصوّر أن عهده سيكون عهد المفاجأة الاستراتيجيّة الاكبر في تاريخ الولايات المتحدة، والمتمثّلة بضربة 11 سبتمبر/ أيلول. ولم يكن يعلم في قرارة نفسه، أنه سيكون رئيسا فريدا من نوعه في التاريخ السياسي الأميركي. ففي السنة الأولى من ولايته، يسيطر الرئيس بوش على الكونغرس، وهذا نادر جدا في أميركا. وتبيّن استطلاعات الرأي، ان الاميركيّين يؤيّدونه بنسبة 65 في المئة في كيفيّة إدارته للحرب على «الارهاب». وفي العام 2002. ايضا الذي ولّى إلى غير رجعة، فهو تميّز بالحرب الاميركيّة على الارهاب بدءا من افغانستان. وفي تقسيم العالم إلى خير وشرّ، وإلى محاور متعدّدة، وأخيرا وليس آخرا، بالاستعداد للحرب على العراق. فماذا عن العام 2003؟ وماذا عن صورته؟ وماذا عن المتغيّرات والثوابت، والتي من الممكن ان يشهدها هذا العام؟ سنحاول في هذا المقال ان نذكر بعض الثوابت في العام 2003. كذلك الامر سوف نُجري مسحا لصورة العالم، انطلاقا من الولايات المتحدة وحتى افريقيا، مرورا باميركا اللاتينيّة، آسيا ككل، والشرق الاوسط بالطبع. لكنه، وقبل البدء في هذه الرحلة التي يشوبها الخطر الكبير، يجب ذكر التحوّلات الجذرية التي طرأت بعد 11 سبتمبر. فماذا عنها؟

إذا تحرّكت اميركا، تبدّل العالم. غيّرته هي في الحرب الاولى، وغيّرته بعد الحرب الثانية. وهي بدأت برسمه وتغييره بعد سقوط المنافس السوفياتي. لكن 11 سبتمبر، اجبر اميركا على تغيير المخططات الاساسيّة للهندسة الاميركيّة لصورة العالم المرتقبة. اين يظهر هذا التغيير الجذري؟

بعد الحرب الثانية بدأت اميركا تبشّر بحق الشعوب في تقرير مصيرها الذي تختاره. تراجعت بناء على ذلك اهميّة احتلال الارض بالقوةّ. فعدا الاماكن المهمة استراتيجيّا لاحتواء الدب الروسي، كانت اميركا تساهم كثيرا في تطوير اماكن وجودها. فكانت نتيجة ذلك أن نهضت اليابان، المانيا وكوريا الجنوبيّة. ومع اقتراب سقوط الاتحاد السوفياتي، أخذ الاقتصاد يحلّ مكان الجيواستراتيجيا. فكان الشعار التالي مع الرئيس كلينتون «إنه الاقتصاد أيها الغبي». تراجعت اهميّة الجيواستراتيجيا مع الرئيس كلينتون، وبدا للوهلة الاولى ان حلم المفكرين والحكّام المثاليين ةلمفٌىَُّّ سيتحقّق بسرعة. وبدا للبعض ان مفهوم الامّة - الدولة هو في تراجع مستمر. لكن 11 سبتمبر بدّل كل هذا. عادت الجيواستراتيجيا لتحتل مكان الصدارة في اهتمامات الدول. وعادت الامة ـ الدولة لتسترد ما خسرته لفترة طويلة، وعاد المفكرون الواقعيون زمفٌىَُّّ لينظّروا في هذه الامور. ويمكننا القول وردّا على الرئيس كلينتون: «إنه الامن أيها الغبي». إذا الامن محلّ الاقتصاد، والجيواستراتيجيا مكان الانفتاح الاقتصادي. بدا التبدّل الجذري الآخر، في السلوك الاميركي الداخلي. فاميركا تحاول بناء الدولة - القلعة. فمن خلال القوانين الداخليّة التي اصدرتها الادارة الحالية، بدا ان هناك صراعا سيدور حول انتهاك مبدأ الحرية مقابل الامن، لكن مع افضليّة للامن حتى الآن على الاقل. حتى ان الحملات الانتخابية ستدور مستقبلا حول الموضوع الامني كمركز ثقل لاجتذاب اصوات الناخيبن. وقد عبّر الرئيس كلينتون حديثا عن موقفه هذا، عندما انتقد الديمقراطيين لفشلهم في الانتخابات الاخيرة، حين قال، ان سبب الفشل، يعود لعدم اعتماد الحزب على الشعارات الامنية المتعلقة بمحاربة الارهاب.

في الثوابت: ستستمر اميركا في حربها على الارهاب. وستستمر في التدخل اينما تريد إذا رأت ان امنها مهدّد. ستنشر عسكرها في أيّة بقعة من العالم، إذا نُمي إليها ان هناك مجموعة من «القاعدة» يختبىء فيها. سيظلّ مبدأ «السيادة المشروطة» اساسا للتدخل الاميركي. فالدولة العاجزة عن ضرب الارهاب حسب التوصيف الاميركي، هي دولة لا سيادة لها. ستظل القاعدة العدو الاساسي للادارة الاميركيّة. وستبقى الكثير من الدول الاسلاميّة هدفا للقوات الاميركية، لان هذه الدول هي الملاذ الوحيد للقاعدة. سيظلّ العالم الاسلامي يعتبر ان الحرب تدور عليه، بينما اميركا تنفي ذلك. سيستمرّ رامسفيلد في عمليّة تطوير القوى العسكريّة الاميركيّة، لتزداد الفوارق بينها وبين كل دول العالم، ضمنا المتطورة، الامر الذي يبرّر التصرّفات الفوقيّة الاميركيّة. اما فيما خص العلاقة مع الدول الكبرى الاخرى، فإن الموقف الاميركي قد لا يتغيّر كثيرا. فهي تريد القيادة، وعلى الآخرين إتباع التعليمات. من هنا سيستمر الجدل بينهم عن كيفيّة إدارة شئون العالم، وعن مصير المؤسسات الدوليّة كالامم المتحدة. ستستمر اميركا في تدريع نفسها. إضافة إلى الامن الداخلي، ستنشر اميركا مشروع «الدرع الصاروخي»، الامر الذي يجعلها في المقدّمة. سيبقى خطاب الرئيس بوش عدائيّا تجاه من يراه خطرا على اميركا، حتى لو تعلق الامر بفرنسا مثلا. ولا يمكن له ان يتراجع عما كان قد صرّح به سابقا، عن دول الشر ومحاوره. ستستمر اميركا في الاعتماد على قيمها المتعلقة بالحرية، الديمقراطيّة وحقوق الانسان، لرسم استراتيجيّتها وصولا إلى تحقيق اهدافها.

في المسح البانورامي: انطلاقا من الولايات المتحدة، الدولة ـ القلعة نمرّ على المكسيك التي وحتى الآن، لا يبدو انها قلقة. ستستمر الحرب الداخليّة في كولومبيا بين الحكومة من جهة والثوار من جهة ثانية. اما الموقف الاميركي، فهو سيستمر في التركيز على الحرب على المخدرات في هذا البلد. ستبقى الارجنتين تعاني من مشكلات اقتصادية خطيرة، مع اهمال اميركا لها، لان الامن اولا، كما قلنا. البرازيل، ستظل تعاني من مشكلات اقتصاديّة، لكن ليس إلى درجة السقوط على غرار الارجنتين. فسقوط البرازيل الدولة الاهم في اميركا اللاتينيّة، سيؤدّي إلى انهيار الكل انطلاقا من مبدأ الدومينو المتساقط، وهذا ما لا ترغب به اميركا. اما فنزويلا، ستظل الولايات المتحدة تسعى إلى تغيير الرئيس هوغو شافيز على رغم اهميته النفطيّة. فمعه، او مع غيره، لا يمكن لفنزويلا ان تستغني عن السوق الاميركيّة. من اميركا اللاتينيّة ننتقل إلى استراليا القارة التي بدأ يقلقها الارهاب. فهي مضطرّة إلى تعديل عقيدتها الامنيّة بالتجانس والتكامل مع «العم سام». فالعزلة لم تعد ممكنة، لأن الارهاب قد وصل إليها، وسيستمرّ مع موجات الهجرة التي قد تغيّر صورتها وتركيبتها الداخليّة. وهي مضطرّة الى التعامل مع الاخطار باتجاهين. الاول آسيوي بسبب القرب الجغرافي، والثاني غربي، بسبب التاريخ والحضارة. ومع الانتقال إلى الشرق الاقصى، يبقى الارهاب، الخطر الاساسي على مصالح الولايات المتحدة. وتبقى طرق المواصلات البحريّة الاساسيّة هاجسا لا بد من معالجته، خصوصا بعد انفجار جزيرة بالي في اندونيسيا. ستستمرّ اميركا في الضغط على الدول ذات الطابع الاسلامي، او حيث يوجد المسلمون. تصب الفيليبين، واندونيسيا في هذا الاطار. سيبقى الوضع الياباني الاقتصادي خطرا بسبب عدم توافر البدائل لثاني اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الاميركي. ستبقى اليابان قلقة من الصعود الصيني، وما قد يؤثّر عليها سلبا هذا الصعود، وخصوصا الصين تعتبر بلدا نوويا في محيط تقليدي تقريبا حتى الآن. ستبقى الصين البلد الصاعد رويدا رويدا مع معدل نمو لا يقل عن 6 في المئة. وستبقى الصين داعمة للحرب الاميركية على الارهاب لان الامر يناسبها بسبب الآتي: تريد هي ان تتورّط اميركا في حروب طويلة وقاتلة. تريد تثبيت نموها العالمي والاقليمي. تريد المحافظة على وحدتها الداخلية. ولا تريد مواجهة مباشرة مع اميركا في هذا الوقت. لذلك ستسعى إلى العمل من خلال المرجعيات الدولية لايجاد الحلول لمشكلات العالم.

باختصار، تعمل الصين بنصيحة مفكّرها صان تسو الذي قال: «يجب ان نكون كالماء. عندما تُسكب على الارض، فهي تتّبع المجرى الاسهل متجنبة العوائق المهمة». لكن الصين، لا تستطيع التخلّي عن تايوان. فهي جزء اساسي منها. لكنها تنتظر الفرصة المناسبة. وهي قد تحقق ذلك من دون حرب، لكن مع التلويح بها. وهي قد تستوعب تايوان اقتصاديا، بعد ان بدأت رؤوس الاموال التايوانيّة تنهال على الصين للاستثمار فيها. اما شبه الجزيرة الكوريّة، فهي قد تكون ساحة المواجهة المقبلة لاميركا. فالخطر قد ياتي من كوريا... فالسلاح النووي قد يعدّل التركيبة في المحيط الآسيوي. قد يجعل اليابان وكوريا الجنوبية تتحولان إلى النووي، الامر الذي قد يجعل كل آسيا في خطر محدق. قد تعمد اميركا إلى التعاون مع كل من الصين وروسيا لايجاد حل للمسألة الكوريّة. أو قد تُقحم الامم المتحدة والمجتمع الدولي في هذه المسألة توفيرا لما قد يترتب عليها من اثمان باهظة. من كوريا ننتقل إلى جنوب آسيا، حيث الهند وباكستان. سيظلّ الوضع متوترا بسبب كشمير. لكنه لن ينفجر بسبب توازن الرعب النووي وما قد ينتج عنه في حال حرب نووية. ستظلّ اميركا متورطة في نزع فتائل التفجير بين الاثنين. أما آسيا الوسطى، فهي ستظلّ واحة اميركيّة بسبب الوجود العسكري. ستبقى القوات الاميركيّة تلاحق القاعدة في هذه المنطقة للقضاء على بنيتها التحتية، وحرمانها من الملاذ. اما الشرق الاوسط (والخليج)، فهما متعلقان بنتيجة الحرب الاميركية على العراق. فاميركا لن تقبل باقل من تغيير النظام. وهي ستعيد رسم موازين القوى في المنطقة، لكن من دون تغييرات في الحدود الجغرافية بين هذه الدول. سوف تتدخّل اميركا بعد الانتهاء من العراق في خصوصيات المجتمعات العربيّة. في الامن والسياسة، والمناهج المدرسيّة. من هنا تصبّ مبادرة كولن باول عن الديمقراطيّة للعالم العربي. وقد نجد في العالم العربي ديمقراطية من نوع جديد، فريدة في نوعها. ستستمر اميركا في استهداف «عناصر القاعدة» عبر اغتيالهم. من هنا ضرورة الاستعلام البشري. وقد نجد يوما عناصر «ف.بي.آي» يتجوّلون في الشوارع العربيّة مزوّدين بمذكرة بحث ملاحقة صادرة عن المدعي العام الاميركي، بحثا عن مطلوب عربي ـ اسلامي متهم بالارهاب. ستظل اسرائيل تحصّن وضعها مقابل التراجع العربي. وستسعى لربط نفسها بمظلة الصواريخ الاميركية، كي تجعل الصواريخ العربية من دون جدوى. وستحاول الولايات المتحدة فرض الحل الاميركي ـ الاسرائيلي للقضيّة الفلسطينيّة. ولن يعود اللاجئون إلى ديارهم. باختصار ستبقى الدول العربية بالجملة والتفصيل تحت المجهرين الامنيين، الاميركي والاسرائيلي. وستعمل اميركا جهدها لضرب حزب الله لفك ارتباطه بكل من ايران، والداخل الفلسطيني. وستسعى اميركا وبكل الوسائل لضم ايران إلى جانبها وفك ارتباطها بالقضية الفلسطينية وحزب الله. من هنا تصب الضغوط الاخيرة على ايران لحشرها. وقد تعطي اميركا لايران دورا اقليميا نتيجة لهذا التغيير. وستتراجع اهميّة بعض الدول العربية للادارة الاميركية بعد الانتهاء من العراق. مصر، والسعودية تصبّان في هذا الاطار. لا بل يمكننا القول ان السعوديّة ستكون مستقبلا نقطة الضغط الاميركية. باختصار، سيحلّ العالم العربي مكان الاتحاد السوفياتي في استراتيجيّة الاحتواء الاميركيّة. وستبقى القوات الاميركية منتشرة في العالم العربي لفترات طويلة جدا. اما افريقيا، فستشهد اقبالا اميركيا متصاعدا خصوصا في شقها الغربي حيث النفط. وستشهد بعض الحلول لبعض الصراعات العسكرية، وخصوصا القريبة من آبار النفط.

في الختام، هذا ما نتوقّع للعالم ان يكون عليه في العالم 2003، إلا إذا انهال السلاح النووي الاميركي على العراق، وكوريا الشمالية وإيران بقرار اميركي تهربا من التعقيدات الدبلوماسية. أو، إلاّ إذا انفجر سلاح دمار شامل تستخدمه منظمات ارهابية في الداخل الاميركي. في الحالين، يجب الانتظار لنرى. كل عام وأنتم بخير

العدد 119 - الخميس 02 يناير 2003م الموافق 28 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً