العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ

اللورد أيفبري يغادرنا بجسده فقط

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

يغادر اليوم اللورد أيفبري بعد أن قدّم سفره يوما واحدا بسبب ازدحام برنامج عمله في بريطانيا الأمر الذي اضطره إلى المغادرة. لكنه يغادر بجسده فقط، لأنه الإنسان الذي عشق البحرين وأهلها قبل زيارته لها في آخر يوم من أيام السنة الماضية ليبدأ معنا العام 2003.

أيفبري الانسان يعتبر نفسه جزءا من الانسانية ويقابل المحبة بالمحبة والإساءة بالعفو عمن أساء إليه شريطة أن تكون تلك الإساءة شخصية وليست اساءة لمبدأ أو لمظلومين.

ان آثار زيارة أيفبري ستبقى معنا لأنه الوجه البريطاني الذي لم يتعود عليه شعبنا. فقد عرفنا البريطاني الاستعماري الذي لا يعترف بمصالحنا ويظلمنا ويمارس الأعمال المشينة والمخالفة لحقوق الإنسان. أما أيفبري فانه يتألم لما يتألم له الإنسان العادي ويقوم بتسخير كل ما لديه لمساعدة ذلك الانسان المحتاج. هكذا عرفناه منذ عشر سنوات عندما بدأ التعرف على أوضاع البحرين.

البحرين كانت بلدا واحدا من بلدان كثيرة اهتم ومازال يهتم بها. إلا أن البحرين لها خصوصية عند ايفبري لا توجد في بلد آخر. فقد لاحظ انه كلما استفسر عن أوضاع البحرين كان يقابل بالتجاهل واللف والدوران من قبل الخارجية البريطانية، بعكس الحال عندما يسأل عن بلدان أخرى. عندها تقوم وزارة الخارجية بالاستجابة لأكثر ما يطرح بل ان المسئولين بالخارجية كانوا يخبرونه عندما يسافرون إلى بلد يهتمون به وكان يطلب منهم اللقاء بالمتضررين والسجناء في تلك البلاد، وفعلا كانت تحدث لقاءات تنتج عنها أمور إيجابية كثيرة.

غير أن هذا التعامل الايجابي يتحول 180 درجة عندما يتعلق الأمر بالبحرين، ما حدا به الى الاصرار والى تخصيص أكثر الوقت الذي يحصل عليه في البرلمان لمساءلة الوزراء والمسئولين عن موقفهم وعن السبب في التعامل المختلف. ثم تطور الأمر عندما حاول الاستفسار مباشرة من الجهات البحرينية المختصة فأعرضوا عنه ولم يوفروا له أجوبة مقنعة على استفساراته. وبسبب مبدئيته أصر على الاستمرار في الاستفسارات ما دعاه إلى جمع وثائق كثيرة من مصادر متعددة، بل انه سافر مرتين إلى جنيف وقضى في كل مرة اسبوعا واحدا يتصل بكل المسئولين في لجنة حقوق الانسان بالامم المتحدة. وكان أثناء زيارته لجنيف يصر على حجز أرخص فندق في جنيف. وفعلا كانت الغرفة التي ينام فيها تتسع لسرير شخص واحد مع مسافة صغيرة تتسع لشخص يمشي إلى جنب ذلك السرير. وخلال الأسبوع يأكل وجبة واحدة متواضعة في الليل وبعض السندويتشات أثناء النهار، اما باقي الساعات فهو خلية نحل لا تهدأ أبدا. وعندما رآه بعض الناشطين من البلدان الأخرى طلبوا منه رفع قضاياهم إلا انه قال لهم «انني خصصت هذه الزيارة من أجل البحرين فقط». ولذلك فإن طلبه زيارة البحرين كان يرفض مرة بعد أخرى حتى انفرجت الأوضاع ولم يعد هناك ما تخشاه الحكومة. فالسجون افرغت والمنفيون عادوا والتعبير عن الرأي نال درجات أعلى من الحرية، ولن ينتج عن زيارة أيفبري سوى مزيد من السمعة الحسنة للبحرين.

فإذا كانت الحكومة تستطيع فتح المجال أمام شخص مثل اللورد أيفبري لزيارة البحرين فإن ذلك أكبر مؤشر على جدية الاصلاحات واستمرارها وعدم امكان العودة الى الماضي. ولو كنت في موقع المسئولية لطلبت من اللورد أيفبري تقريرا مفصلا عن زيارته وعن اقتراحاته، وهو شخص يلتزم بكلمته فيما لو طلب منه التحفظ على بعض المعلومات اذا كان ذلك سيساعد في تحسين الأوضاع. ولو انفتح المسئولون على أيفبري فسيجدونه انسانا صادقا لا يكلفهم أي شيء مما يكلفهم به اشخاص آخرون استنزفوا موازنات الدولة بحجة توفير خدمات علاقات عامة واستشارات ولكنهم لم يقدموا سوى تشويه السمعة. بينما أيفبري، ولأنه مبدئي، فإنه لا يتسلم مالا من أحد سواء كانت حكومة أم معارضة، واذا اقتنع بشيء فإنه يقوم بالدفاع عنه وتسخير امكاناته من أجل ذلك الشيء.

أيفبري له أمثال أخر في بريطانيا، وهم جميعهم يعتز بهم الشعب البريطاني ويعتبروهم المحافظين على الديمقراطية لأنهم لا يساومون عليها ابدا. وبإمكان بعض وجهائنا أخذ درس آخر عن مفهوم الوجاهة البعيدة عن التمصلح الذاتي. والمجتمع - أي مجتمع كان - بحاجة الى أناس مبدئيين لا يساومون على المبدأ، والحكومات الأقوى هي التي تستعين بالمبدئيين وليس بالمتزلفين الساعين وراء مصالحهم الخاصة أولا واخيرا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 122 - الأحد 05 يناير 2003م الموافق 02 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً