أثار عرض ثمانية أفلام تتناول موضوعات جنسية في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير موجة من الاحتجاج، على رغم أن هذه الأفلام الهادفة إلى الكسب المادي أولا وآخرا، لم تنحدر إلى مستوى الإباحية، بل يكفي أن ما تضمنته جاء مخالفا للأعراف والتقاليد.
وأول هذه الأفلام التي أثارت مزيجا من الدهشة والاعجاب هو «سرير العشق» الذي شاركت التلميذة فيوريكا ميسينا أستاذها سيرجيو برودان في اخراجه. وقد جاء هذا الفيلم من جمهورية موالدافا السوفياتية سابقا، وهو مستوحى من أسطورة اغريقية قديمة بطلها «بروكر ستيز» اللص الاغريقي الخرافي الذي كان يمد أرجل ضحاياه من النساء أو يقطعها لكي يجعل اطوالهن منسجمة مع فراشه، ولكن الاسطورة تغيرت في فيلم «سرير العشق» الذي قيل أنه اقل وطأة وصدمة لجمهور المهرجان، غير أن حوادث الفيلم لن تخفف كثيرا من هذه الصدمة إذ تجري القصة في «بوخارست» الثلاثينات عندما يقرر المليونير الشاب «فريد» زيارة منزل «إميليا» بائعة الهوى الشهيرة التي تهوى التمثيل، في محاولة من جانب لكشف غموض انتحار الكاتب والشاعر «لاديما»الذي كافح طويلا بحريته ككاتب واديب وحرص كثيرا على ألا يلوث شرفه المهني والإنساني لكنه لم يصمد طويلا أمام إغواء «إميليا»التي خيل اليه انها تبادله الحب نفسه لكن سرعان ما اكتشف خيانتها له.
«الجميلات النائمات» فيلم آخر قامت فكرته الرئيسية على الجنس لكنه لم يقع في فخ الاثارة الرخيصة، وانما بلغ درجة من الرقي في التناول ورهافة الاحاسيس دفعت أعضاء المكتب الفني ثم اعضاء لجنة المشاهدة في المهرجان إلى ترشيحه للعرض في المسابقة الرسمية ولما تعالت بعض الصيحات المحذرة من عدم فهم الفيلم بالشكل الصحيح والتعامل معه على أنه فيلم «بورنو» كان الرد «الحكيم» أن علينا انتظار رأي الرقابة قبل أن ننصب من أنفسنا «رقباء» ونحكم على الفيلم بالاعدام وكانت الرقابة - فعلا - على مستوى المسئولية ووافقت على عرض «الجميلات النائمات» الذي تدور حوادثه حول «لورانس» الكاتب والاديب البريطاني الذي يزور احدى المدن الاسبانية القديمة باعتباره استاذا زائرا ومحاضرا وهناك يقوده وكيله «إلياس» إلى بيت غامض تسيطر عليه «سالومي» المرأة المبهمة والمولعة بالرسميات، سرعان ما ينجذب «لورانس» الذي أكمل الستين من عمره، إلى ما يجري في هذا البيت، فالحسناوات اللاتي يبعن أجسادهن لا يفعلن هذا بالصور التقليدية المتعارف عليها.
وقد حظيت الرواية بإعجاب الكاتب الشهير جابريل جارسيا ماركيز حتى قال عنها: «لقد قرأتها مرات عبر عدة سنوات وأصبحت أكثر قناعة بأنها الرواية التي طالما تمنيت أن اكتبها، والحقيقة ان الفيلم الذي ا خرجه الاسباني «ايلوي لوزانو» لم يقل جمالا عن الرواية الحائزة جائزة «نوبل» ولن يصبح الأمر مثيرا لدهشة من تسعده الظروف بمشاهدته.
والفيلم الثالث في قائمة أفلام المسابقة، التي لم تجد حرجا في التوغل في منطقة الجنس بينما راحت تقدم موضوعا انسانيا رائعا، هو الفيلم اليوناني «النذر» اخراج اندرياس بانتزيس الذي اختار لفيلمه عنوانا فرعيا آخر هو «كلمة شرف» في اشارة إلى الوعد الذي قطعه بطل فيلم «ايفاجوراس» على نفسه، حين نذر أن يقطع الطريق إلى دير «سانت اندرياس» مشيا على الأقدام - بصحبة حماره الأثير - لو أنجب صبيا بعد 11 سنة لم ينجب فيها سوى البنات. والاثارة هنا ليست في قدرة «ايفاجوراس» على الوفاء بنذره، وانما في الرحلة الشاقة التي كان عليه ان يقطعها من دون ان يقترب الآثام لكنها كانت رحلة زاخرة بالاغراءات لم يقو على الصمود امامها او مواجهتها فسقط على اغواء المرأة التي أقنعته بأن خلاصها من الطلاق الذي ينتظرها على يدي زوجها الذي يجهل أنه عقيم ويراها زوجة قادرة على الانجاب، يكمن في ليلة دافئة يقضيها «ايفجوراس» في أحضانها!
ويأخذنا الفيلم المجري «اللحظات الدرامية» - الترجمة الحرفية لعنوان الفيلم «أغنية البلورة الأخيرة» - إلى ما يجري للمدرس الشاب «اندرياس» الذي يعيش حياة عاطفية مزدوجة بين زوجته وعشيقته الحسناء، فهو بنظر زوجته «المسكينة» رجل الاعمال الرصين، بينما يتراءى لعشيقته في ثوب الفنان والعازف الموهوب. وبين الزوجة والعشيقة تتنقل الكاميرا و«يدوخ» المشاهد، وهي الفكرة نفسها تقريبا التي يتناولها الفيلم البرتغالي «سرب الطيران المنخفض» الذي شارك في المسابقة الرسمية ايضا، فالعنوان الخادع للفيلم ينبغي ألا يثير ضجة جمهور المهرجان أو يدعوه إلى تجاهل الفيلم، الذي يدور في أجواء الخيال العلمي، فهناك علاقة شائكة وغامضة ومثيرة بين الزوجة، هذه المرة، والطبيب والخبير في علاج العقم، الذي يخلصها من هلاويسها الناتجة عن فقدانها حملها أكثر من مرة، لكنه يعجز عن تهدئة مخاوف الزوج وطمأنته إلى إن رحلات الطيران المتكررة التي تجمع بين الطبيب «الخبير» والزوجة مجرد رحلات بريئة.
والمفاجأة الكبرى في هذا السياق حملها الفيلم الايراني «العشاء الأخير» اخراج فريدون جيراني، فالجنس غائب - طبعا - في صورته الظاهرة لكن ما بين السطور لا بد أن يرصد المشاهد اجواء غريبة وغير مطروقة في السينما الايرانية، التي عرفت بتحفظها، ففي اعقاب حياة زوجية دامت ما يقرب من ست وعشرين سنة وقعت الزوجة - استاذة العمارة في الجامعة - في غرام تلميذها وهي تطلب الطلاق من زوجها، بكل ما في الفكرة من تمرد وانحياز للمرأة الايرانية مجددا.
الجنس الذي لا يفصح عن نفسه في مشاهد صريحة وانما يكتفي بالتلميح تحول إلى الحاح ثم ترغيب في عدد آخر من الأفلام التي خرجت من المسابقة الرسمية، ففي الفيلم الالماني «الغرفة» إخراج ريبر تقيم الفتاة صوفي مع كريستوف في شقة يحظر عليهما دخول احدى حجراتها لكن الرغبة في إماطة المجهول تثير لديهما الكثير من الأسئلة والهواجس التي لا تزيلها الرغبة في ممارسة الجنس، وافتقاد المرأة للاحساس بأنها مرغوبة كأنثى، ولكن الفيلم لا يغرق في هذه الدائرة، ويرتقي كثيرا إلى الحد الذي يناقش فيه ظواهر كثيرة من بينها الغيبيات. في هذا يلتقي فيلم الغرفة مع الفيلم الفلبيني «تاتارين» الذي تعود حوادثه إلى العام 1920، وقت احياء الطقس الشعائري المعروف بـ «التارتارين» الذي يفترض فيه ان الالهة أيقظت الارواح الخانعة للنساء، فانجذبن إلى ترانيم شعائرية ورقصات شهوانية منحتهن القوة للتمرد على الرجال، وهو فيلم تكاد تستشعر فيه - طوال مشاهده - فحيح الجنس والشهوة والرغبة المكبوتة لدى النساء، عبر الايماءات والحركات، لكنك لا تستطيع ان تضع يديك على مشهد جنسي واحد تتهمه بأنه فاضح أو داعر!
«الشفاه تتكلم» فيلم فرنسي عرض في المهرجان، وأكبر الظن أنه غرر بالجمهور كثيرا إذا تصور، في لحظة، اننا نقبل على وجبة جنسية شهية، فالشفاه التي تتكلم لن تفعل هذا عبر القبلات الساخنة وانما من خلال البطلة التي تعاني مشكلات سمعية ومرضية بعكس ما حدث في الفيلم الايطالي «ما لا تقوله الفتيات» اخراج كارولو فانزينا، الذي يفصح عن رغبات نسائية تعصف بالصديقات الأربع فرنشيسكا وباولا واليس ولورا، فمقابلة عابرة مع الشباب الوسيم الموسيقي تقلب احوالهن رأسا على عقب، وهو ما يحدث بشكل آخر في فيلم «كراهية» - الاسباني «الذي يحكي قصة الشاب الذي اعتاد مصادقة العجائز على الشاطئ حتى يظهر له ماضيه القديم في ثوب المرأة التي عاشرها يوما وها هي أتت بصحبة طفلها لتعرفه بوالده
العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ