العدد 2233 - الخميس 16 أكتوبر 2008م الموافق 15 شوال 1429هـ

الدعم العسكري والاستخباريّ لـ «إسرائيل»

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ثمّة حركة تسلّح متسارعة في العالم تشرف عليها وزارة الحرب الأميركية، فبعد المنظومة الصاروخية الّتي زوّدت بها الكيان الصهيوني، وفي أعقاب نصب منظومة الرادارات الحديثة في هذا الكيان، وبعد تزويدها العدوّ بالقنابل الذكية القاتلة والمدمِّرة، أعلنت هذه الوزارة أنّها أبلغت «الكونغرس» عزمها على تزويد «إسرائيل» بطائرات شبح من طراز إف35، التي يعجز الرادار عن اكتشافها.

والأميركيون الذين يستكثرون على الجيش اللبناني أن يحصل على مناظير ليليّة، أو على مروحيات قتالية عادية، ويثيرون الحديث الدائم والمتواصل عن تسلّح المقاومة، لا ينظرون إلى تزويد «إسرائيل» بأحدث الأسلحة إلاّ بعيون إسرائيلية لا تبصر مصلحة أميركا القومية إلا من زاوية حفظ المصالح الإسرائيلية، وضمان تفوّق «إسرائيل» النوعي الذي تنظر إليه كل الإدارات الأميركية كواجب يلزمها، وكحقّ يستوجب الحفاظ عليه، ولو أدى ذلك إلى تدمير لبنان والضفة الغربية وقطاع غزة وكل مواقع العرب والمسلمين.

إنّنا أمام هذا الواقع، نسأل دول محور الاعتدال العربي عن السرّ في حجم الشروط التي تضعها أمامهم الإدارة الأميركية في كلِّ صفقة يعقدونها معها، بينما تطلق هذه الإدارة يد «إسرائيل» في كلِّ الصفقات التي تزوّدها فيها بأحدث الأسلحة وأخطرها، لا بل تقوم، بالتعاون مع «إسرائيل» استخباريّا أو ميدانيّا، بقصف المواقع العربية، كما حدث في عدوان يوليو/ تموز 2006 على لبنان، أو في العدوان الإسرائيلي على دير الزور في سورية!.

إنّ هذا الحديث المتواصل عن تأمين التفوّق النوعي لـ «إسرائيل»، وتوفير الغطاء السياسي والأمني والإعلامي لها، لتأديب أية دولة أو حركة معارضة للسياسة الأميركية، يشير، إضافة إلى الرُّؤية الأساسية في التأسيس الغربي للدولة اليهودية واغتصابها فلسطين، وطرد أكثر أهلها منها، ومحاصرة الباقين فيها، في عملية خداع بالوعد بدولة قابلة للحياة، إن كل ذلك يشير إلى دورها في تدمير التواصل العربي - العربي، عبر اعتبار «إسرائيل» دولة صديقة، في مقابل التعاطي مع إيران كدولة عدوّة، ومع سورية كدولة مارقة وداعمة للإرهاب، والعمل على تشويه صورة المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان.

وقد اطّلع الكثيرون على ما احتواه الأرشيف البريطاني والفرنسي، وأخيرا الأميركي، من دعمٍ للمشروع النووي العسكري الإسرائيلي، والذي يمثِّل الخطر على سلام العالم وأمن المنطقة، وفي المقابل، رأينا ألوانا من الحقد والعصبية والانفعال تتمثل بالنظرة الأميركية والأوروبية حيال المشروع النووي الإيراني السلمي. وقد توّج هذه النظرة، التصريح الأخير لوزير الخارجية الفرنسي، الذي هدّد فيه بأن «إسرائيل» «ستلتهم إيران إذا امتلكت سلاحا نوويّا»، ثم أعاد تصويب تصريحه قائلا: «إن إسرائيل ستضرب إيران»، وفي الحالين، كان يحاول الإيحاء بأن بلاده تعطي الضوء الأخضر لـ «إسرائيل» للقيام بضرب إيران، في حديث تتملكّه الخِفّة وتعوزه الحكمة.

«إسرائيل»: تهديدات تهويلية للبنان!

إن «إسرائيل» الغاصبة والمتوحشة، والتي لا تزال قنابلها العنقودية تلاحق أهلنا في الجنوب والبقاع الغربي، في قراهم وحقولهم وأماكن عملهم، والتي زوّدت جورجيا بأحدث الأسلحة ودرَّبت جيشها، لا يستحي رئيس وزرائها المستقيل من أن يذهب إلى روسيا طالبا منها عدم تزويد إيران أو سورية بأيِّ سلاح قد يحميها من أيِّ هجوم إسرائيلي محتمل. وإنَّ هذا العدو الذي يصرّح قائد جبهته الشمالية بأنه «سيدمّر أية قرية لبنانية تطلق منها الصواريخ نحو إسرائيل»، ويقول إن هذه «ليست توصية بل خطة تم التصديق عليها»... إنَّ هذا العدو، هو نفسه الذي يُحدّد للأميركيين السقف في مسألة تسليح الجيش اللبناني، ليفرض على الإدارة الأميركية الراحلة ألا تزوّد الجيش إلا بالمعدات العادية، والتي لا تمكّنه بأي حالٍ من الأحوال من مواجهة العدوان الإسرائيلي، لا بل إنَّ المسئولين الأميركيين الذي يزورون لبنان، يوحون بأن المساعدة في هذا التسلّح هدفها أن يتحرك في التحديات الدَّاخلية أو ما يسمّونه الحرب على الإرهاب.

ومن اللافت أنَّ هناك دراسة أميركية قريبة من اللوبي اليهودي في أميركا، أشارت إلى أن أسوأ ما في الأمر، أنه في حال خسارة الفريق المؤيد للسياسة الأميركية الانتخابات البرلمانية اللبنانية في ربيع 2009، وترؤس تحالف يقوده حزب الله للحكومة الجديدة، فإنّ مساعدات الولايات المتحدة للقوات المسلّحة اللبنانية قد تتوقف غالبا بشكل كامل... إننا نجد أنّ هذه الدراسة، التي ربما تتبنَّاها الإدارة الجديدة، كما تتبنّاها الإدارة الحالية المؤيِّدة لـ «إسرائيل»، والعاملة على إبقاء لبنان قاعدة للغرب، ولاسيما الغرب الأميركي، تدلُّ على أن الولايات المتحدة الأميركية ليست مخلصة للبنان ولا تحترم استقلاله وسيادته، لكنّها تحاول الإيحاء بالوقوف مع فريق لبناني في مواجهة فريق لبناني آخر، وربما كان ذلك لإيجاد أزمة لبنانية - لبنانية، لتعطيل المصالحات كوسيلة للِّقاء وللوحدة الوطنية، وهذا ما يجب أن يفهمه اللبنانيون، وأن يتنبّهوا له جيدا.

تفوّق المقاومة وجهوزيّتها

إننا أمام هذا النوع من السياسة الأميركية، والتي لا تبصر مصالحها إلا من زاوية المصالح الإسرائيلية، وأمام هذا الصمت العربي والأوروبي حيال التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان، ندعو المقاومة من جهة، والجيش اللبناني من جهة ثانية، إلى الحفاظ على جهوزيتهما في مواجهة أية حماقة إسرائيلية محتملة، وإن كنا نعتقد أن التهويل الإسرائيلي هو تهويل الخائف المذعور الذي يحاول الإيحاء إلى جيشه بالثقة، بعدما بات الصهاينة أكثر شكّا في قدرة جيشهم على الانتصار في أية معركة قادمة مع المقاومة ومع لبنان.

إننا في الوقت الذي ننظر بارتياح إلى إمكانات المقاومة وبسالة مجاهديها، وإلى موقف الجيش اللبناني وجهوزية جنوده المستعدين للدفاع عن بلدهم وأرضهم، ونستذكر التجربة في مواجهة العدوان في خلال حرب يوليو/ تموز 2006، ندعو اللبنانيين إلى استيعاب تهديدات العدو جيدا، وأن يقفوا مع المقاومة التي تدرك مسئوليتها في الحفاظ على سلامة قواعدها الشعبية، والّتي لا تتحرك بطريقة المغامرة لتمنح العدوّ أية فرصة سياسية أو أمنية للعدوان، لأن دورها هو ردع العدوان، كما ندعوهم إلى الالتفاف حول جيشهم وحمايته ودعمه في مواجهة المحتلّ وفي الحفاظ على السلم الأهلي الداخلي.

لبنان: لإنتاج حلول عملية محلية

أما في الداخل اللبناني، فإننا نلاحظ أنه لايزال هناك من يراهن على توظيف الصراعات العربية - العربية، لقطع الطريق على تفاهمات سياسية وداخلية حقيقية، ولإشعار اللبنانيين بضعف قدرتهم الذاتية على إنتاج الحلول الواقعية والضرورية، ونحن نرى في ذلك لعبا بمصير البلد ومستقبله.

إننا نريد للبنانيين جميعا، أن يعملوا بإخلاص لإنتاج حلول عملية من خلال اللقاءات التصالحية، بما يُحصّن الوحدة في الداخل، ويواجه مشاريع التمزيق والتفتيت والتطرف القادمة من الخارج، والتي تدخل فيها حسابات ورهانات أمنية لمصلحة دول أو منظمات أو جماعات تأتي من هنا وهناك، وعلى اللبنانيين حماية استقلالهم بوفاقهم، وبالدولة القوية العادلة التي ينبغي ألا تظل عروس شعر في خطاب المتحدّثين والمتكلّمين، بل أن يبدأ العمل لإنتاجها في برامج المسئولين وحركة السياسيين.

ومن جانب آخر، يبقى على الدولة اللبنانية المتمثّلة بمصرف لبنان وبالهيئات الاقتصادية، أن تواجه تداعيات الأزمة المالية العالمية وتفاعلاتها في التأثيرات السلبية من خلال الخسائر التي لحقت بالكثير من الأرصدة العربية، واقتربت من الخطر في الأزمة الاقتصادية الأوروبية، لأن الوصفات الأميركية لم تستطع أن تحلّ المشكلة من جذورها، ونحن نعرف أن الاقتصاد اللبناني يواجه الكثير من الأزمات الخانقة، ولا سيما أزمة المديونية المتصاعدة، والمشاكل التي تحاصر الدولة في تمويل مشاريعها الحيوية الضرورية المتَّصلة بالحاجات الشعبية في الخدمات العامة.

إنَّ المرحلة قد بدأت تتطور سلبا على العالم كلّه، وعلى لبنان أن يخطِّط لإنقاذ اقتصاده الضعيف منها، لئلا يزداد ضعفا ويترك تأثيره على الواقع كلّه، ومن خلال ذلك، نؤكِّد أهمّيّة تضافر الجهود السياسية للوصول إلى مواقع الوحدة الوطنية التي ينبغي أن تتجمَّد عندها كلُّ التعقيدات، لأن القضية قضية المصير الوطني، لا الطموحات الانتخابية الغارقة في الحساسيات الحزبية والمذهبية والطائفية، لأنه لا قيمة لنجاح أيِّ شخص وأية جهة إذا اهتزَّ الوطن كلّه الذي لن يبقى للزعامات منه شيء، لأن الهيكل قد يسقط على رؤوس الجميع

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 2233 - الخميس 16 أكتوبر 2008م الموافق 15 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً