العدد 151 - الإثنين 03 فبراير 2003م الموافق 01 ذي الحجة 1423هـ

ويليام تريفور... المؤرخ الهادئ للأمور المنسية والملعونة

ايرلندا - كاثرين بيبنستر 

تحديث: 12 مايو 2017

حين تلقي نظرة على الروايات الايرلندية المعاصرة ستجد ظلال جيمس جويس ملقاة عليها. الكثير من الكتّاب الشباب يشعرون بالحاجة الى إثارة إعجاب القارئ وفي بعض الأحيان إرباكه وتشويشه بأفكارهم المعقدة، وعندها تصبح اللغة هي الأداة الموجهة في الرواية، كما أن هناك تقليدا ايرلنديا آخر وهو استخدام كلمات أكثر نعومة وأكثر هدوءا ودقة، اذ يتسلل إليك السحر ناسجا تعويذة سحرية فاتنة بدقة الكلمات وبسبب الإقلال في القول. وفي هذا المجال يعد ويليام تريفور الأستاذ والرجل، كما يوصف بحسب كلمات روائي أيرلندي اصغر منه وهو جوزيف أوكونور، «يعبر عن أكثر الأشياء تعقيدا بلغة واضحة وضوح كوب من الماء».

وهي موهبة جعلته يحصل على جميع أنواع الجوائز فقد حصل على جائزة (ويذبرد) ثلاث مرات، ومرة واحدة على جائزة (هاوثورندين)، وجائزة(CBE) الفخرية وعلى لقب الفروسية، ورشح ثلاث مرات لنيل جائزة (بوكر)، وتم ترشيحه لهذه الجائزة للمرة الرابعة في سبتمبر/أيلول 2002 متنافسا مع روينتون ميستري وكارول شيلدز ويان مارتيل وسارة واترز وتيم وينتون. كتابه الذي رشح عنه لنيل هذه الجائزة The Story of Lucy Gault الذي أكسبه الكثير من التصفيق والاستحسان، والذي حقق من دون شك مبيعات عالية لدى هواة القراءة الذين يوقرونه لكتاباته النثرية الأنيقة ولحبكته القصصية المنسوجة بإحكام ولشخصياته المرسومة بشكل دقيق. أما قصصه القصيرة فهي معروفة بأنها تحف فنية تشيكوفية، إحدى هذه القصصThe Ballroom of Romance ، وهي القصة التي لم تحول إلى فيلم فحسب، بل إن عنوانها دخل اللغة بشكل عملي في ايرلندا ليستخدم مختصرا تهكميا يعني، كما يضعها أوكونور، «الحال المزرية التي كانت عليها ايرلندا».

ومع ذلك فلم يعرف سوى القليل عن حياة تريفور البالغ من العمر الآن 72 (بالتأكيد ما هو معروف عنه أقل بكثير مما هو معروف عن زادي سميث التي ليست مذكورة أصلا على القائمة). في هذا العهد من الكتابات الاعترافية والشهرة، لايزال يحتفظ بخصوصيته ويحافظ على المسافة بينه وبين الآخرين، وقد رفض دعوات الى مهرجانات أدبية، كما انه نادرا ما يعطي قراءات بالإضافة إلى ذلك فهو لا يشارك في الرحلات إلى نادي غروشو.

في عمله الذي يصور فيه ايرلندا على أنها المكان الذي يكون فيه الناس مستثنين ووحيدين. وهي المكان الذي يتوتر فيه الوضع بين الايرلنديين البروتستانت والكاثوليك، وهذا يعطينا فكرة عما شكل الكاتب. في كتاب Fools of Fortune يجبر الأيرلنديون الأنجلو على ترك منازلهم الكبيرة، وفي كتب مثل و The Children of Dynmouth وThe Love Department Elizabeth Alone، يتحدث عن الفقر وعن الصعوبات والتسويات في العلاقات، وعن الفرص الضائعة والندم، وعن المجتمعات الصغيرة وقوى الشر والخير، وركزت كتاباته لفترة طويلة على سيطرة الماضي على الحاضر. ولم تعد ايرلندا وطنا له إذ أصبح منفيا ومجبرا على ذلك بسبب رغبته الملحة في الكتابة. وقال حديثا: «لن أستطيع الكتابة عن ايرلندا إذا عشت هناك، إذ أنني سأكون حينها قريبا جدا».

ولد ويليام تريفور في ميتشلزتاون في كاونتي كورك في العام 1928 وكانت أسرته بروتستانتية في بلد كاثوليكي، أتى والده من الجنوب ووالدته من الشمال، وكان تريفور الأب يعمل مديرا لأحد المصارف، ما جعل أسرته تتنقل من مكان الى آخر في البلد بسبب تنقله من إدارة فرع الى فرع آخر.

ربما تكون طفولته المتنقلة هذه هي التي شكلت شفقة تريفور على الدخلاء، وكان غالبا ما يكتب عنهم كاللصوص والنصابين والقتلة وغير المتزوجين وغير المحبوبين. كتاب Feliciaصs Journey الذي نشر في العام 1994 والذي فاز عنه بجائزة (ويذبريد) للمرة الثالثة يتضمن وصفا مرعبا لقاتل تسلسلي، أما كتابDeath in Summer الذي نشر منذ أربع سنوات فيدور حول طفل تلقى معاملة سيئة يختطف طفلا آخر.

وينظر برنيدين كينيلي - أستاذ الأدب الحديث في كلية ترينيتي بدبلن - إلى تريفور على انه جزء من عرف قديم في ايرلندا يتعلق بالدخلاء، وهم الناس الذين لا ينتمون إلى القرية أو الأبرشية ويظلون على حافة المجتمع. يقول كينيلي انه رجل يحب الوحدة، وهو أمر يشعر به الكثير من الأشخاص في ايرلندا، ولكنهم لا يعترفون بذلك دائما، ويمكن أن ترى ذلك لدى الفلاحين.

ولكن تريفور نفسه استمتع بحياة سعيدة ومستقرة إذ عاش مع زوجته جين في ديفون الهادئة ذات الطابع القديم ولديهما ابنان بالغان. وعاش في بريطانيا لأكثر من 40 عاما، سافر إليها أولا ليعمل نحاتا ثم كاتب إعلانات. وتعد روايته الثانية The Old Boys هي التي أكسبته مكانة أدبية إذ فاز عنها بجائزة (هاوثورندين) في العام 1964. وتمكن بعض زملائه من الكتّاب من معرفته بشكل بسيط، ومنهم الروائية فاي ويلدون التي كانت تقابله في أغلب الأحيان في القطار، عندما كانا يسافران إلى لندن من المنطقة الغربية. وتتذكر فاي قائلة: «كان مرافقا مدهشا في القطار، كان يتحدث عن أشياء كثيرة وبفصاحة بالغة، وكان حديثه من ذلك النوع من الأحاديث قديمة الطراز التي تدور حول الكتب والجو والمناظر الريفية والتاريخ، ومع ذلك ففي نهاية الرحلة وعلى رغم تحدثنا طوال الطريق، لا أعرف عنه أي شيء، باستثناء أنه كان مؤدبا ودمثا ومنعزلا ومتواضعا، وكان تواضعه من ذلك النوع الذي يأتي من معرفة أنك لا تملك شيئا لتثبته».

كان تريفور يفضل دائما السفر بالقطار أو القارب وكان يكره المطارات، لم يكن رجلا عصريا وكان يكره الكمبيوترات أيضا، ويفضل أن يكتب بيده أو على الآلة الكاتبة القديمة، وذلك في حديقته في الصباح الباكر قبل الذهاب الى عمله.

ويعتقد كيفن مايرز، كاتب الأعمدة في صحيفة (التايمز) الايرلندية، أن تريفور هو الكاتب الايرلندي غير المثير والقديم الطراز «ولكنه بعد قرن من الزمان سيكون هو الشخص الذي يتم تذكره لصفاء تفكيره ووضوح غاياته».

إن مدح تريفور إجماعي، فالحبكة القصصية في روايته الأخيرة المرشحة لنيل جائزة (بوكر) انتقدت من قبل البعض بسبب كونها خيالية جدا، والتي تدور حول والدا فتاة يعتقدان إنها ميتة ولذلك يغادران ايرلندا لينسوها. وعلى رغم ان قدرة تريفور باعتباره راويا للقصص القصيرة مسلم بها، فإنه بحسب ما يقول زميله الروائي جون بانفيل: «استاذ النظرة المركزة»، بينما يعتقد آخرون أنه لم يبق على اتصال مع ايرلندا الحديثة ما جعله يفشل في فهم كيفية تطورها.

وعلى رغم انه اختار ألا يعيش في ايرلندا فقد ظل تريفور يتردد على زيارتها، ففي بدايات العام 2002 منح جائزة من رابطة الكتّاب الايرلندية (PEN) وسافر إلى هناك ليتسلم الجائزة، اذ تم إلقاء خطب طويلة تستحق الإطراء عن أعماله، بعد ذلك وقف تريفور وفي 60 ثانية شكر المنظمين للجائزة ثم جلس، ومع انتهاء التصفيق كان تريفور قد تسلل إلى الخارج بهدوء مع زوجته.

ومرد تردده في التحدث عن أعماله خوفه أن يؤدي شرحه إلى اختفاء السحر المحيط به. وبالنسبة إليه فإن الكتابة هي لغز، وبالنسبة إلى الكتاب الشباب فإن تريفور ملهم. فالرواية اليوم ليست بحاجة الى أن تكون خيالا أو تجوالا طويلا في واقع سحري، إنها يد أستاذ تبدع، وجوهريا هي عمل شفقة وعطف





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً