العدد 169 - الجمعة 21 فبراير 2003م الموافق 19 ذي الحجة 1423هـ

العامل البشري البحريني... واستراتيجية وطنية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مع انطلاق قناة «العربية» من دبي يعود الحديث مجددا عن البحرين، وإمكان استقطاب الصناعات النامية. فالبحرين التي كانت تتقدم الدول الخليجية في الخدمات المالية وخدمات الاتصالات في السبعينات ومطلع الثمانينات كان الأحرى بها أن تكون المقر الذي يستوعب صناعات الإعلان والإعلام وتقنية المعلومات، لأن هذه الصناعات ستنمو باستمرار خلال السنوات المقبلة، وهي التي تجلب معها صناعات أخرى...

ففي الوقت الذي دشنت الشركات المرتبطة بتلفزيون الشرق الأوسط قناة «العربية» في دبي بإمكانات هائلة، دشنت في المنامة قناة صغيرة جدا لبث الأفلام المسجلة، وهذه القناة لا تخلق وظائف ولا تجذب الأعمال والنشاطات التي تجلبها قناة إخبارية مثل «العربية» أو «الجزيرة»...

الحديث أخيرا عن احتمال تأسيس قناة هو حديث عابر، ولا يوجد ما يؤكد ذلك على الواقع العملي. فمثل هذه الاستثمارات بحاجة إلى محفزات وسياسات واضحة وجريئة تغلِّب الجوانب التنموية بعيدة المدى على المخاوف السياسية الآنية. فدبي كانت ومازالت تستفيد من الأفكار التي يتم تداولها في الأوساط البحرينية، ولكنها بدلا من تضييع الوقت تباشر بوضع الخطط التنفيذية.

البعض يقول إننا لا يمكن أن نكون مثل دبي، لأن الأمور هناك تدار مثلما تدار الأمور في الحي المالي بلندن، على أساس تجاري بحت.

أما البحرين فلديها اعتبارات كثيرة يجب الأخذ بها. ومع صحة بعض من هذا الحديث، إلا ان كثيرا مما يحدث في دبي كان متداولا لدينا في البحرين، ولكننا غلَّبنا الجوانب الأخرى كثيرا. فالتجار الإيرانيون لا يقدمون إلى البحرين حتى بعد فتح الباب أمامهم. فهم في دبي يمارسون أنشطتهم وبسبب ربط السوق الإيراني بدبي أصبحت لدبي مكانة خاصة واستراتيجية. وعلى رغم وجود مشكلات سياسية (على الجزر الثلاث مثلا) فإن العلاقات التجارية لم تتأثر أبدا، بل هي في ازدياد مستمر.

أما نحن في البحرين فلقد كان لدينا - وحتى وقت قريب - حذر من دخول أي شخص ينتمي إلى عدد من البلدان العربية والإسلامية، ما حد كثيرا من إمكان نمو قطاعات، كان بالإمكان أن تكون لنا اليد الطولى فيها.

دبي دولة نفطية، وكان بإمكانها أن تركز فقط على قطاع النفط وتنسى القطاع الخدماتي، لكن الجميع يعلم أن القطاع الخدماتي يجلب النمو، وبالتالي فإن حكومة دبي خصصت مناطق، وخلقت تسهيلات كبيرة جدا لاجتذاب أكبر شركات الكمبيوتر وأكبر شركات الإعلام والإعلان، من دون أن تضع عليهم قيودا أو شروطا.

غير أن دبي ليس لديها العامل البشري المحلي المتطور والمتوافر في البحرين. وهذا العامل البشري يمكن لنا في البحرين تدشينه بشجاعة كما دشنته دول صغيرة في العالم مثل سنغافورة. فعلينا أن نطور قدراتنا الوطنية وندربها ونوفر لها كل الفرص للدخول في الصناعات المتطورة. وهذا بالفعل ما يحصل، ولكننا بحاجة إلى استراتيجية وطنية ترعاها الحكومة. فبدلا من التركيز على متطلبات البيروقراطية المتزايدة، وبدلا من إشعال الخلافات بين وزارة العمل والقطاع الخاص، وبين وزارة الصحة والأطباء الاستشاريين، يمكننا توجيه الجهود إلى الجوانب الأكثر أهمية من أجل خلق كفاءات وطنية تستطيع تقديم خدماتها على المستويين المحلي والإقليمي.

الباكستانيون التفتوا إلى السبب وراء تقدم الهند في مجال تقنية المعلومات وبدأوا بإنشاء معاهد تكنولوجية متخصصة في البرمجة وهندسة الكمبيوتر وتقنية المعلومات بإشراف مباشر من القيادة العليا وبإشراك القطاعات الاقتصادية مباشرة. ولدينا في البحرين تجربة معهد لتدريب العاملين في القطاع المصرفي، وهذا المعهد ناجح لأنه مرتبط مباشرة بمديري المصارف ومؤسسة النقد. وإذا كنا قد نجحنا في توفير مثل هذا التدريب المتطور، وأصبحت لدينا قدرات وطنية في هذا المجال فإن بإمكاننا الارتباط بالاقتصاد الرقمي الذي يحرك عجلة التنمية في عالم اليوم.

فالبحرينيون بإمكانهم أن ينقلوا التجربة الهندية، ويخلقوا الكفاءات في برمجة الكمبيوتر، وفي نظم المعلومات، على أن يكون كل ذلك مرتبطا بخطة واضحة كما هو الحال مع القطاع المصرفي.

وربما لا نحتاج إلى مزيد من المال، فلدينا معاهد متناثرة في أهدافها، وغير مرتبطة باستراتيجية واحدة، ويمكن أن تكون البداية بوضع خطة واحدة تتحدث - مثلا - عن توفير مئة شخص فائق التدريب في هذا التخصص، ومئتين في تخصص آخر، وهكذا... وهذا بحاجة إلى الحوار والشفافية وتقليل البيروقراطية والتنازل عن الأسلوب الفوقي، الذي تمتهنه الوزارات بصورة تقليدية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 169 - الجمعة 21 فبراير 2003م الموافق 19 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً