العدد 174 - الأربعاء 26 فبراير 2003م الموافق 24 ذي الحجة 1423هـ

محمود كحيل إبداع لايغيب

يعد رسام الكاريكاتور محمود كحيل الذي رحل قبل نحو أسبوعين في لندن، أحد أبرز الشيوخ من رسامي الكاريكاتور العربي، وهو في هذا الجانب، يجسد تجربة حية وغنية في نتاجه وشخصه المميزين، منذ أن جاء إلى فن الكاريكاتور أواسط الستينات، وأستقر في رحابه أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد من السنوات، ملتزما العمل في عاصمة الصحافة العربية بيروت حتى فترة اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية 1975، ثم في لندن التي كانط بين العواصم الأولى التي هاجرت إليها الصحافة اللبنانية بعد هيجان رصاص الحرب الأهلية، والتي لم تنج الصحافة من آثارها وتداعياتها.

وكحيل في رحلته الإبداعية، بدأ في اختياره دراسة الصحافة في بيروت في الستينات، متوافقا في هذا الجانب مع موهبته في الرسم والإخراج الصحافي، فربط في هذا الجانب بين الموهبة والخبرة العلمية، وهذا بين مؤهلات هيأت له فرص النجاح اللاحق، عندما عمل في مجلة «الحسناء» البيروتية الفنية - الاجتماعية، وفي مجلة «الأسبوع العربي» التي تعد واحدة من أهم المجلات السياسية العربية في تلك الفترة.

هذه المزاوجة في عمل كحيل بين «الحسناء» و«الأسبوع العربي» إضافة إلى موهبته وعلمه، أضافت عوامل نجاح أخرى في سيرة ونتاج كحيل على نحو ما تبدى جانب مهم منه في العشرين عاما الأخيرة، التي عمل خلالها كحيل رساما ومديرا فنيا في إحدى كبريات المؤسسات الصحافية العربية.

انشغل كحيل بالموضوعات العربية المهمة، وبالموضوعات العالمية وخصوصا ذات الآثار المباشرة على الحياة العربية بلدانا وبشرا، والمميز في هذا الانشغال نوعيته: إذ الموضوعات مهمة ومنقاة بعناية، تعزز قوة الفكرة وتوضحها، وتجعل خطوط اللوحة أكثر تعبيرا، ليس فقط في اتصالها بالفكرة المطروحة، بل بما يتصل بها من تفاصيل وحيثيات، تشكل جزءا أساسيا من لوحة الكاريكاتور، التي كانط تتجاوز عند كحيل، ما يراه الجمهور في الكاريكاتور من انه عمل يقوم على المفارقة الساخرة التي تدفع للضحك أو الابتسام، لتصير إضافة إلى ذلك تحليلا ورؤية لموضوع أو قضية، وهذا بعض ما تميزت به أعمال كحيل.

وأعمال كحيل في ميدان الكاريكاتور، تجعله بين أهم الرسامين العرب من أبناء جيله. إذ هو على نسق واحد مع ناجي العلي وصلاح جاهين ومع ستافرو جبرا، واحمد حجازي، وبهجت عثمان، وحبيب حداد، وممتاز البحرة، واحمد طوغان.

وعلى رغم ما يحمله كل واحد منهم من مزايا ومواصفات ذات طابع شخصي، فقد تشاركوا تأسيس مكانة مهمة للكاريكاتور في الصحافة العربية، وجعلوه بين الأهم في مواد تلك الصحافة، وقد كان الكثير منها، يقرأ من لوحة الكاريكاتور، أكثر مما يقرأ من الافتتاحية، أو من عناويين الصفحة الأولى.

لقد تابع كحيل في كاريكاتوراته قضايا الإنسان العربي السياسية والاجتماعية، وربط في كثير من الحالات بين الاثنتين في إطار فهم شامل، وكان في نظرته العامة، موازنا بين عمومية الموضوع وخصوصيته، فقد كان إلى جانب القضية الفلسطينية بلاحدود، ولاسيما في الموقف ضد سياسة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، لكن تلك الوقفة لم تكن لتمنعه من انتقاد بعض الممارسات في السياسة الفلسطينية، التي كان يرى أنها تلحق الضرر بنضال الفلسطينيين من اجل حقوقهم، وهو في هذا، لم يتأخر في توجيه النقد إلى السياسات العربية الأخرى، التي لاحظ أنها تغذي فرقة العرب وتشتتهم، وهدر طاقاتهم، وهو سلوك تابعه في الموقف من الحرب الأهلية اللبنانية، وفي موقفه من حرب الخليج الثانية التي أعقبت اجتياح الكويت، من دون أن يتساهل في نقد تداعياتها التالية، وكان في ذلك معبرا عن أراء ومواقف قطاعات واسعة من الجمهور العربي، وربما كان ذلك بين عوامل جعلت لرسومه تأثيرا في صفوف النخبة وفي أوساط الرأي العام العربي.

ويحفل إرث أعمال كحيل الكاريكاتورية بالكثير من الأعمال الباقية في الذاكرة العربية بما كانط عليه من تعامل مع موضوعات وقضايا مطروحة، لكن هناك أعمال أخرى تزيد عن ذلك، إذ ستبقى، بصفتها صالحة لتكون تعبيرا عن موقف العرب من قضايا وموضوعات يطرحها الواقع العربي اليوم، وربما غدا أو بعد غد، وهذا بعض ما يجعل من عبقرية محمود كحيل حاضرة على رغم غيابه





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً