العدد 178 - الأحد 02 مارس 2003م الموافق 28 ذي الحجة 1423هـ

قصة اللهاث العراقي لإقامة علاقات ثنائية وبيع النفط لـ «إسرائيل»

هكذا أفشل الأميركيون محاولة عقد اتفاق سلام بين «اسرائيل» والعراق

سردت صحيفة «معاريف» الاسرائيلية مزيدا من التفاصيل بشأن كيفية إفشال الأميركيين محاولة عقد اتفاق سلام بين «اسرائيل» والعراق. ويعتبر العراق أحد ألد أعداء «اسرائيل»، على رغم ان لا حدود مشتركة بينهما، ولكن صواريخ «سكاد» التي أطلقها صدام حسين على «غوش دان» (منطقة تل ابيب والمركز) ابان حرب الخليج الثانية، وتمويله عناصر فلسطينية في المواجهة الحالية، وخطر السلاح البيولوجي والكيماوي المستمر جميعها تشغل منذ سنين بال القيادتين السياسية والأمنية في «اسرائيل».

ويتضح الآن أن الأمر لم يكن كذلك دائما، إذ كشفت «معاريف» النقاب عن الوجه الآخر للرئيس العراقي. ويتضح الآن ان صدام كان مستعدا لتطبيع العلاقات مع «اسرائيل» والتعهد بعدم إيذائها، ا، مقابل استعداد «اسرائيلي» لخرق الحظر الاقتصادي على العراق وشراء النفط منه بسعر مخفض، وتفعيل اللوبي اليهودي في واشنطن دعما للعراق.

وبحسب الصحيفة التقى مبعوثون من طرف الرئيس العراقي وجها لوجه، قبل حرب الخليج الثانية وبعدها، مع شخصيات «اسرائيلية» رفيعة المستوى، واستجابوا لمبادرة الرئيس المصري حسني مبارك لعقد لقاء ثلاثي في بغداد، «اسرائيلي» عراقي برعاية مصرية، باشتراك صدام ومبارك وموشيه شاحال، الذي كان يشغل منصبا وزاريا رفيعا في حكومة اسحاق رابين، لكن ذلك اللقاء لم يخرج الى حيز التنفيذ، بسبب الظنون والشكوك «الاسرائيلية»، بل وأكثر بسبب المعارضة الحازمة من جانب الادارة الأميركية.

رجل صدام الموثوق

وبحسب الصحيفة بدأت الاتصالات العراقية - الاسرائيلية في اواخر الثمانينات إبان الحرب بين العراق وايران وكان يقف على رأس الحكومة في «اسرائيل» اسحاق شامير، وكان وزير الطاقة فيها موشيه شاحال المولود في العراق والذي حدده صدام عنوانا اسرائيليا، جديرا وموثوقا للاتصال والتخاطب السري مع حكومة «اسرائيل».

وفي صيف العام 1987 تم الاتصال العراقي الاسرائيلي الأول، إذ نقل اليهودي الثري والعظيم التأثير في أوساط الادارة الأميركية العليا غيل غلايزر، الى شاحال طلبا من سفير العراق في الولايات المتحدة نزار حمدون، للاجتماع به في واشنطن. وغلايزر مقرب جدا من الرئيسين الأميركيين رونالد ريغن وجورج بوش الأب، ويقيم علاقات شخصية مع سفراء ودبلوماسيين في واشنطن، من بينهم السفير العراقي.

لقاء في بيت السفير

وفي تلك الفترة، كان العراق قد بدأ حملة اعلامية واسعة في الولايات المتحدة لعرض ايران باعتبارها عدوة العالم الحر، والطرف المعتدي في الحرب التي كانت تدور رحاها بين الدولتين، ويضع العراق اللوبي اليهودي في واشنطن هدفا لحملته باعتباره عنصرا مؤثرا في صدارة الادارة الأميركية. وفي أحد اللقاءات بين غلايزر وحمدون في منزل الأخير، تطرقا الى النزاع العربي الاسرائيلي، ويفاجىء حمدون غلايزر بموقفه تجاه «اسرائيل»: «العراق لا يعادي اسرائيل»، ويضيف: «ليس لنا حدود مشتركة مع «اسرائيل» وليست لدينا مطالب اقليمية منها»، فسأله غلايزر قائلا: «فلماذا لا تقول هذا الكلام لمندوب اسرائيلي رسمي، وبشكل مباشر؟»، وطلب حمدون مهلة للتفكير، ثم عاد الى غلايزر بعد اسبوعين برد ايجابي، أقره حاكم بغداد.

ويشير السفير العراقي أيضا الى موشيه شاحال باعتباره الوزير الذي يفضله صدام، ونقل غلايزر الطلب الى الوزير «الاسرائيلي» الذي أعلن موافقته على عقد اللقاء بعد مصادقة رئيس الحكومة، ويفاجأ شاحال بأن شامير يثني على المبادرة ويقر سفره الى جولة محاضرات ينظمها «البوندس» (مجلس الروابط اليهودية) ويجري خلالها ترتيب اللقاء مع حمدون، في واشنطن أو في لوس انجليس.

وقبل مغادرة شاحال الى اللقاء بأيام قليلة، توجه حمدون الى غلايزر طالبا أن تعلن «اسرائيل» على الملأ انها تؤيد موقف العراق الداعي الى حل النزاع مع ايران بالمفاوضات والسبل السلمية، وبالمقابل يتعهد حمدون بصدور بيان عراقي علني يؤكد ألاّ نزاعات حدودية بين العراق و«اسرائيل»، وان ليس لدى العراق أية مطالب اقليمية من «اسرائيل»، وان كل ما يقبل به الفلسطينيون سيكون مقبولا لدى العراق.

استغراب عالمي

هذا الطلب العراقي تم تحويله الى اسحاق شامير، الذي كلف وزير الأمن لديه، اسحاق رابين، باطلاق تصريح بهذا المعنى، وهو ما أثار علامات استغراب كثيرة داخل «اسرائيل» وفي العالم لاطلاق رابين تصريح التأييد للعراق، الذي يعتبره الكثيرون تضامنا لا حاجة له مع طرف في نزاع لا علاقة لاسرائيل به، وكانت قلة قليلة فقط تعرف في تلك اللحظة، ان التأييد الإسرائيلي للعراق في نزاعه مع ايران هو خطوة تمهيدية لإمكان اقامة علاقات كاملة بين العراق و«اسرائيل».

وفي محاضرة ألقاها شاحال في معهد «فان لير» ( في القدس) لبى طلبا عراقيا آخر فأعلن عن موافقة «اسرائيل» على استئناف ضخ النفط في أنبوب كركوك - حيفا الذي أوقف تشغيله في العام 1948 مع اقامة دولة «اسرائيل»، وقد أثار هذا التصريح أيضا التساؤل والاستغراب في «اسرائيل» وفي العالم.

وفي اغسطس/آب 1987 وصل وزير الخارجية العراقي آنذاك طارق عزيز إلى باريس، وكشف لمضيفيه الفرنسيين انه ليس هناك نزاع اقليمي للعراق مع «اسرائيل»، وفي الشأن الفلسطيني يؤكد عزيز أن أية تسوية يقبل بها الفلسطينيون ستحظى بالدعم العراقي.

بعد ذلك بأيام معدودة عقد اللقاء الأول وجها لوجه، بين شاحال والسفير حمدون في منزل الأخير في احدى الضواحي السكنية الفاخرة في واشنطن، في جو حار وحميمي، وكرر كلاهما التصريحات العلنية التي صدرت عن رابين وعزيز وشاحال، يفاجىء حمدون شاحال باقتراح البدء بمحادثات لعقد اتفاق سلام وعلاقات تجارية بين العراق و«اسرائيل» ويسارع شاحال الى تقديم تقرير مفصل الى شامير بشأن اللقاء ويحصل منه على ضوء أخضر لمواصلة الاتصالات.

في تلك الأيام حصل تحول في مجريات الحرب الإيرانية العراقية من حال الدفاع والقصف الجوي الإيراني الكثيف على بغداد، نجح العراق في تحقيق تفوق عسكري في ساحة الحرب، وكانت نقطة التحول في المعركة التي دارت على جزيرة الفاو في الجنوب، إذ استطاع الجيش العراقي دحر القوات الايرانية باستخدام الأسلحة الكيماوية.

وكشفت فضيحة «ايران غيت»، التي انفجرت في منتصف الثمانينات، عن صفقات اسلحة محظورة بين «اسرائيل» وايران وشكلت خطرا على علاقات «اسرائيل» مع الولايات المتحدة والعالم العربي.

قنبلة مبارك

وفي يناير/كانون الثاني 1988 بادر شاحال الى عقد لقاء في القاهرة مع الرئيس مبارك ونقل رسالة من بيريز الى مبارك تتضمن الرواية «الاسرائيلية» عن «ايران غيت» وعن دور «اسرائيل» في تزويد ايران بـ «اسلحة دفاعية»، وتأتي هذه المبادرة الاسرائيلية تحسبا من توتر العلاقات مع مصر، وبعد أن أصغى مبارك الى توضيحات شاحال رد «على من تريدون ان تضحكوا؟ أعرف تماما انها أسلحة هجومية، انني أعرف جيدا جميع أنواع الأسلحة التي زوّدتم ايران بها، أعرف الكميات ومواعيد التزويد، لكنني أقدر عاليا مبادرتكم في الحضور الي، وأحترم رسالتكم والثقة التي تولوني إياها».

ثم يطلق مبارك قنبلة غير متوقعة حين يقول: «قبل أسبوع، جلس هنا طارق عزيز وقد نصحته باقناع صدام بتغيير موقفه العدائي تجاه اسرائيل، اقترحت أن أزور بغداد، في طريقي الى المؤتمر الاسلامي في الخليج، سوية مع الوزير الاسرائيلي موشيه شاحال الذي ولد وترعرع في العراق فما رأيك سيد شاحال، هل ترافقني الى لقاء تاريخي في بغداد؟».

شاحال، وقد صدمه هذا الاقتراح، حاول الرد وكأنه سمع نكتة غير مضحكة، وبعد دقائق من الارتباك قال: «سيدي الرئيس، أنا واثق بأنني سأحصل على تأييد وزراء الحكومة في اسرائيل الذين سيشجعونني على السفر أملا في أن يزج بي صدام الى أحد سجونه»، ولاحظ مبارك الارتباك على شاحال فانتقل الى موضوع آخر، وعاد شاحال الى «اسرائيل» من دون أن يعير مبادرة مبارك أهمية خاصة وقدم تقريرا الى بيريز وشامير عن لقاء القاهرة.

وبعد سنة على ذلك اللقاء، كشف مستشار مبارك اسامة الباز لشاحل ان نوايا رئيسه كانت جدية وان كل الاشارات التي وصلت من العراق دلت على ان صدام كان مستعدا لعقد اللقاء في بغداد بأجواء حميمة ووفق أصول الضيافة في العالم العربي، وبعد سنوات حصل شاحال على تأكيد آخر بشأن جدية نوايا مبارك من وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر الذي قال لشاحل: «علمنا انك تلقيت دعوة لزيارة العراق، وانك كنت تحلم بالعودة الى بيتك في بغداد، لكننا اضطررنا الى حرمانك من هذه المتعة»!

ويعترف شاحال اليوم بأنه أخطأ في ريبته وتشككه من مبادرة مبارك، إذ يقول: «من الجائز ان عقد ذلك اللقاء في بغداد كان سيغيّر وجه تاريخ الشرق الأوسط».

وفي 1988، تم تجميد الاتصالات بين العراق و«اسرائيل» لانها سنة انتخابات فيها، ولم تستأنف الا بعد تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة اسحاق شامير. وبالمقابل، حظي السفير حمدون بترقية في سدة الحكم في العراق، اذ عين نائبا لوزير الخارجية فعاد الى بغداد، وأوكل مهمة الإشراف على الاتصالات اللاحقة، الى يهودية أميركية من واشنطن هي المحاضرة في العلوم السياسية جوديت ملروي، والتي شاركت في اللقاء الأول بين شاحال وحمدون، وكانت معروفة في واشنطن بأنها مقربة من حمدون، ومجال اختصاصها الأكاديمي هو الشرق الأوسط، وتحديدا العراق وايران.

منزل العائلة في بغداد

وأصبحت ملروي حلقة الوصل بين العراق و«اسرائيل» ونقل رسائل جارية الى «اسرائيل»، كتابة وهاتفيا وشخصيا، وقامت بجولة مكوكية في الشرق الاوسط - «اسرائيل» محطتها الأولى، والتقت في القدس مع كل من شامير ورابين وشاحال وأبلغتهم استعداد العراق للتوصل الى تسوية شاملة مع «اسرائيل»، وموافقته على التطبيع الكامل للعلاقات، وقطعت لشاحل وعدا شخصيا بالتقاط صور فوتوغرافية لمنزل عائلته في بغداد، الذي تتخذه فرنسا اليوم مقرا لسفارتها هناك، وغادرت ملروي «اسرائيل» بأجواء تفاؤلية قاصدة القاهرة للالتقاء بمبارك، ومن هناك تتوجه الى بغداد. وليس معروفا ما جرى في لقاءاتها مع القيادة العراقية، لكنها عادت من بغداد بمزاج سوداوي وغاضب، ورفضت الكشف عن التفاصيل، ووجهت انتقادات شديدة الى صدام وقلة حكمته في التعامل مع الغرب، وهكذا تنتهي، عمليا، الجولة الأولى من الاتصالات العراقية الاسرائيلية.

وفي يناير/كانون الثاني 1991 سقطت صواريخ «سكاد» على «اسرائيل»، وحرب الخليج في أوجها، وتعرض مبارك للسخرية والنقد في الصحافة العراقية، ويستشيط غضبا على حاكم بغداد ويتهمه بالتلون والتخلي عن القضية الفلسطينية، ويكشف لبعض الزعماء العرب عن حقيقة اجراء الاتصالات السرية بين العراق و«اسرائيل»، بوساطة ملروي، وعن استعداد صدام في ايام ما قبل الحرب، لتوقيع معاهدة سلام مع «اسرائيل» وتطبيع العلاقات معها، حتى قبل تحقيق حل للقضية الفلسطينية.

وتنتهي حرب الخليج بشعور العالم العربي بفوات الفرصة، فصدام واصل السيطرة على بلاده وتضليل العالم بأسره. الحظر الاقتصادي الذي فرض على العراق يثقل عليه حقا، لكن ليس لدرجة تغيير سياسته. ويفوز اسحاق رابين في انتخابات 1992 ويشكل حكومة جديدة، ولكن صدام حسين يعود ليفاجئ «اسرائيل» والولايات المتحدة بمبادرة سلام جديدة، ويطلب فتح صفحة جديدة في علاقاته مع الغرب ويجدد محاولات الاتصال مع «اسرائيل» بغية اختراق وكسر الحصار الاقتصادي المفروض عليه.

العراق يطلب المسامحة

وينقل مبعوثو صدام رسائل الى «اسرائيل» مفادها استعداد العراق بيع النفط إليها بأسعار مخفضة، وبالكميات التي تريدها، ويتعهدون باسم صدام بأن «اسرائيل» لن تتعرض الى أي أذى، اذا لم يعد الأميركيون لمهاجمة العراق، ويحاول مبعوثون عراقيون الوصول، بمساعدة شخصيات اسرائيلية، الى الرأي العام الأميركي، أملا في التأثير على الرئيس الجديد بيل كلينتون لجهة مسامحة العراق وإقامة علاقات تجارية معه.

ويتلقى رابين تقارير وافية عن مبادرة صدام الجديدة ويأذن باجراء الاتصالات الأولية بين ممثلين عراقيين واسرائيليين. يعتقد رابين ان المبادرة العراقية الجديدة تفتح نافذة فرص نادرة لاسرائيل وللشرق الأوسط بمجمله، لكنه كعادته، يقرر اختبار مبادرة صدام بحذر ويطلب الحصول على موافقة الرئيس الأميركي على أي تقدم في الموضوع.

ويستخدم صدام، لضرورة الاتصالات مع «اسرائيل» هذه المرة، أخاه غير الشقيق برزان التكريتي، رجل المخابرات الذي تولى آنذاك تمثيل العراق في مؤسسات الأمم المتحدة في جنيف، وكان مسئولا ايضا عن شئون صدام المالية في أنحاء العالم.

وقد شهدت العلاقات بين صدام وبرزان صعودا وهبوطا، خلال سنوات الاتصالات مع «اسرائيل»، ولكنها ساءت الى درجة الانقطاع بعد ان أعدم صدام شقيق برزان الذي كان جنرالا في الجيش العراقي. وهو يقطن اليوم في عزبة حصينة في جنيف منذ سنوات من دون ان يجرؤ على زيارة العراق، خوفا من مصير مماثل.

عموما بدأ التكريتي العمل قبالة شاحال، الذي يعتبره صدام ليس فقط شخصا يعرف العقلية العراقية، وانما أيضا شخصية بالغة القوة والتأثير في حكومة رابين لشغله ثلاث حقائب وزارية: الطاقة والشرطة والاتصال، وفي سبتمبر/ايلول 1992 اتصل الملياردير السعودي عدنان خاشوقجي بشاحل ناقلا اليه دعوة للحضور الى جنيف للاجتماع ببرزان التكريتي وبحث موضوع تزويد «اسرائيل» بالنفط العراقي بأسعار مخفضة، وبارك شاحال هذه المبادرة ووعد بمحاولة دفعها الى الأمام اسرائيليا، مقدرا أن الحديث يجري عن خطوة سياسية اكبر بكثير من مجرد اتفاق لشراء النفط. وطلب الاذن من رابين، ويفاجأ رئيس الحكومة بمبادرة صدام المجددة فيقرر اعلام كلينتون بها خلال زيارته الأولى الى واشنطن باعتباره رئيسا للحكومة، كما قرر تجميد لقاء شاحال المخطط في جنيف حتى تتم الزيارة.

نفط باسعار مخفضة

كان تقدير رابين وشاحال ان ثمة احتمالا بأن يغير كلينتون، خلافا لسابقه، التوجه الأميركي وأن ينظر بالايجاب الى المبادرة العراقية ويبارك اقامة العلاقات، وعاد رابين من واشنطن بخفي حنين، فكلينتون عارض أي نوع من العلاقة بينهما.

وفي سبتمبر/أيلول 1994 وصل المدير العام لوزارة الطاقة،عاموس رون، إلى ليماسول للمشاركة في مؤتمر شرق اوسطي لشئون الطاقة، بين المشاركين فيه مندوبون عن العراق وايران والامارات الخليجية. وعلى هامش المؤتمر يلتقي رون، للمرة الأولى وبوساطة وسيط لبناني، مع المندوب العراقي في المؤتمر، ابراهيم اسماعيل، ويبحث معه العرض العراقي لبيع النفط لاسرائيل بسعر أقل من سعر السوق وبالكميات التي تريدها، ويتم اللقاء في شقة خاصة في نيقوسيا، أظهر خلاله اسماعيل إلماما عميقا بكل ما يتعلق بالقيادة السياسية والإقتصادية في «اسرائيل»، وتعهد رون ببحث العرض العراقي فور عودته الى البلاد. ويعود الرجلان ليلتقيا مرتين اخريين في قبرص، كانت الأخيرة منهما بعد اعتزال رون منصبه الحكومي. وهو يشغل اليوم منصب المدير العام لسلطة الموانىء والقطارات، يقول: «لم يساورني أي شك في ان المبادرة العراقية كانت أوسع بكثير من مجرد صفقة نفط. كانت لها دلالات سياسية عميقة لكنني لم أعلق آمالا كبيرة على دفعها وتطويرها، بسبب الأبعاد الدولية التي انطوت عليها والمعارضة الحازمة في الادارة الأميركية لأية علاقة مع نظام صدام». ويضيف:

«انني اتفهم وأبرر موقف رابين الذي استجاب للاملاء الأميركي، كما أستطيع رؤية المنطق في التوجه الأميركي، فالولايات المتحدة تعتبر صدام، وبحق، يشكل تهديدا حقيقيا للعالم كله، وأنا شريك في الأمل بازالة هذا التهديد قريبا».

وفي يناير/كانون الثاني 1995 نظم رجل أعمال يهودي لندني من أصل عراقي، لقاء سريا في «اسرائيل» بين موشيه شاحال ومبعوث خاص لصدام حسين. هذا المبعوث في الـ 65 من عمره، يظهر معرفة واسعة مفاجئة بحياة شاحال في العراق، يصف المدرسة التي درس فيها في بغداد ويشرح عن عائلة شاحال، بتفرعاتها المختلفة، وخلال اللقاء الذي جرى في جو ودّي، يدعو المبعوث العراقي شاحال الى لقاء مع برزان التكريتي في جنيف او باريس.

منع اميركي للقاءات

ويقول المبعوث ان لدى التكريتي توقعات عدة من هذا اللقاء، وخصوصا على خلفية توقيع اسرائيل اتفاقات اوسلو وتقدمها نحو سلام شامل مع الفلسطينيين، ويتعهد المبعوث بأن يكرر التكريتي خلال اللقاء تأكيد الموقف الذي اعلنه طارق عزيز قبل حرب الخليج ومؤداه ان ليس للعراق نزاع حدودي مع «اسرائيل»، وانه مستعد للشروع في مفاوضات لتحقيق السلام وتطبيع العلاقات معها، ويتعهد العراق ايضا بعدم مهاجمة «اسرائيل» في حال شن الولايات المتحدة حربا جديدة على العراق. ويعود المبعوث ويكرر العرض العراقي بشأن النفط، لكن المشاركين في اللقاء يدركون ان موضوع النفط هامشي، قياسا الى التحرك السياسي الذي يرمي اليه صدام.

ويطلب شاحال الاذن من رابين للسفر الى اللقاء المقترح، ويصر هذه المرة على رأيه بضرورة عقده، ويقول شاحال: «مع كل الاحترام للأميركيين، لا يجوز لنا تفويت الفرصة» ويقترح ابلاغهم باللقاء بعد حصوله فقط. وشعر رابين ايضا بوجود فرصة لكنه رفض عقد اللقاء هذه المرة أيضا، من دون اذن مسبق من كلينتون، فـ «العلاقة مع الولايات المتحدة أكثر أهمية من فتح قناة للحوار مع العراق».

وسمع السفير الأميركي في «اسرائيل» من رابين عن المبادرة العراقية ورفضها قطعيا، ونقل الى ديوان رئيس الحكومة رسالة حازمة من كلينتون مفادها منع عقد أية لقاءات مع مبعوثي صدام ومنع تلقي أية توجهات عراقية لتنظيم لقاءات من دون ابلاغ الادارة الأميركية. وعلى رغم الحاح شاحال وتوسلاته لتجاهل الرد الأميركي، قرر رابين الاستجابة للإملاء الأميركي بحذافيره، نصاَ وروحا.

لقاء على جسر اللنبي

وفي يونيو/ حزيران 1998 عاد شاحال، الذي قدم استقالته من الكنيست قبل ذلك بشهرين، الى عمله محاميا مستقلا، ينقل إليه توفيق المصري (فلسطيني من عائلة معروفة) دعوة للحضور الى عمّان للقاء مندوب عراقي للبحث في عرض عراقي بتزويد «اسرائيل» بالنفط مقابل أغذية وأدوية من «اسرائيل». وأصر شاحال على عقد اللقاء في مكتبه في تل أبيب. وتلقى مكالمة هاتفية من بغداد، بوساطة المصري، المتحدث من بغداد يلح على شاحال ويرجوه ان يلبي الدعوة للقاء مع المبعوث العراقي ويتعهد بدعم الرئيس صدام المباشر لأية خطوة، ويشرح شاحال لمحدثه العراقي انه لم يعد يشغل أي منصب وزاري او حكومي آخر، ولا يستطيع الالتزام باتفاق تجاري باسم دولة «اسرائيل»، ويتوسل العراقي الى شاحال لعقد اللقاء بصفة شخصية، وأعد شاحال الترتيبات المناسبة لاستقبال المبعوث العراقي في جسر اللنبي، ولكن قبل يوم واحد من موعد وصوله، قرر شاحال الغاء اللقاء، اثر معلومات تلقاها من اجهزة الأمن.

الغباء الاميركي

يقول شاحال: «بنظرة الى الوراء، ارتكبت الولايات المتحدة خطأ جسيما حين أغلقت الباب أمام محاولة التقرب العراقية، فلو استجاب الأميركيون للمبادرة، لكان بمقدورهم فرض شروط قاسية على العراق، ولاضطر صدام الى الالتزام بها. واغلاق الباب من جانب كلينتون كان خطأ تاريخيا منبعه الغباء وليس أي شيء آخر، والولايات المتحدة لم تفهم آنذاك، مثلما انها لا تفهم اليوم، كيفية عمل الأنظمة العربية. وليس لدي أدنى شك في قدرة صدام على ملاءمة نفسه للواقع المتغير من حال العداء والكراهية تجاه «اسرائيل» و «الدفاع» عن الشعب الفلسطيني، فهو يستطيع تغيير جلده وملاءمة نفسه لعلاقات ودية وتجارية مع «اسرائيل» ومع الولايات المتحدة. وإذا اوقفه الأميركان وظهره الى الحائط، فسيكون على استعداد لضرب «اسرائيل» وايذائها بقسوة بكل الطرق والوسائل المتاحة له، تماما مثل اصراره على محاولة تحقيق السلام مع «اسرائيل».

وانتهى شاحال إلى القول: «خسارة اننا لم نجرب صدام ولم نضع نواياه في امتحان حقيقي. لقد كانت تلك تفويتة كبيرة من الولايات المتحدة، من «اسرائيل» ومن العالم الغربي» وفق ما نشرت الصحيفة

العدد 178 - الأحد 02 مارس 2003م الموافق 28 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً