العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ

يوم فريد من يوميات الحرب على بغداد

كان يوم أمس يوما فريدا للغاية. في الليل، باشر الأميركيون سحق المنشآت ومن ضمنها المبنى الجديد الذي تم تدميره من قبل بالقرب من حامية القوات الجوية العراقية.

ثم قبل الساعة العاشرة صباحا، سُمع صوت طائرة في سماء بغداد وقعقعة صوت آخر في الجانب الآخر من نهر دجلة، مع سحب دخان معتادة قاتمة، وكان ذلك ايذانا بنهاية مبنى آخر لأحد أبناء صدام.

ثم جاءت رحلتنا بالباص. إذ يريد العراقيون أخذ وسائل الاعلام إلى نموذج آخر من «العنف العنصري الامبريالي» الانغلو - أميركي ومن ثم كان انتقالنا إلى ضواحي المدينة، إلى حرم جامعة وصف بأنه كلية لتعليم البنات. حرم جامعة فيه ساحات ووحدات زراعية وحقول للتجارب ومحيط من بساتين النخيل. ما هي إذا الجريمة ضد الإنسانية التي أُخذنا من أجلها؟ هناك حفرة في مرجة مخضرة بجانب داخلية للبنات، ومئات من النوافذ المهشمة وبعض خطوط الطاقة المحطمة.

وعلى بعد مئة متر، شاهدت بقرا سودا وبيضا وهي ترعى على الحشائش، وعلى بعد 30 قدما تقريبا من الحفرة، يوجد خندق به أكياس رمل. وطبعا، لم تساورنا شكوك في أن هذا المكان جزء عادي من حرم كلية جامعية.

إذا لنكن واقعيين. لدى موظفي الكلية كل الحق في أخذ المبادرة وحماية أنفسهم من قنابل أميركا الذكية غير المضبوطة. ولكن هل هم الذين حفروا هذا الخندق؟ هل هم الذين أوقفوا تلك السيارات المدنية والباصات بحيث انتشرت في الحرم الفارغ بمساحة 30 مترا قريبة من بعضها بعضا وغالبيتها تحت أشجار الزينة؟ وإذا كان موظفو الكلية دائما يستخدمون أبواب الكلية، لماذا تحرس الحرم ميليشيات مسلحة ببدلات خضراء؟

كان عمق حفرة القذيفة نحو 20 مترا - وهي الفوهة التقليدية لصاروخ كروز - أي ان الانفجار كان هائلا.

لقد تحطمت الأبواب الداخلية للمباني، وتبعثرت الأدراج، وبينما تناثرت أجزاء الأَسِرّة في الغرف، لكن لم يؤذ أحد، ففي الواقع تم اخلاء الكلية قبل وقوع الهجمات.

والآن جاء وقت المؤتمر الصحافي الذي استغرق ساعتين للوزير الدائم الظهور بالبزة العسكرية، محمد سعيد الصحاف، الذي أعلن الخسائر المدنية في بغداد خلال الست والثلاثين ساعة الماضية من الغارات الجوية إذ كان العدد 125 جريحا و24 قتيلا.

كانت أرقامه التي أعلنها قليلة إلى حد ما، بحسب مراقبين آخرين: 18 جرحوا في القادسية و3 قتلى، في بابل أكثر من 100 جريح و18 قتيلا من بينهم تسعة أطفال في حي حيلة (التي نجا منها الصحاف نفسه مصادفة). ولكن هذه الأرقام تثير سؤالا آخر: لماذا أخذنا الباص إلى كلية بنات خاوية ولم يأخذنا إلى المستشفيات للتحدث إلى 125 جريحا؟

طبعا، هنا تغلب البيروقراطية على الطراز العثماني على أسلوب عاصمة الخلفاء. فقد كان هناك رأي من أحد رجال السلطة بأن يؤخذ مصورون إلى منطقة بابل لأخذ لقطات لآثار المعركة التي يقول العراقيون انهم انتصروا فيها ولكن لم يحدث ذلك.

وقد هاجم الصحاف الأميركيين «الشجعان الذين قاموا بمهاجمة الدروع البشرية وهم من جنسيات شتى أوروبية وأميركية...». وقد تبين لنا أن الأميركيين هاجموا أيضا حافلة سورية قبل 3 أيام عندما عبرت الحدود إلى العراق ما أدى إلى مقتل خمسة ركاب. كما أدان الصحاف الطيارين الأميركيين الذين يُرَوِّعون المدنيين واصفا إياهم بـ «رعاة البقر».

وفي بغداد، مع اشتداد حدة الكلمات تشتد درجة الحرارة التي وصلت إلى 35 درجة. وقد غطى دخان النفط المحروق المدينة مكونا غمامة مشؤومة - لم يحذر نشطاء السلام حتى الآن من خطرها المحتمل على صحة الأطفال العراقيين - مع دوي الغارات الجوية تحول المدينة إلى مكان للأشباح.

ثم في الساعة 45:4 بعد الظهر عاد أزيز الطائرات مرة أخرى ثم تلته انفجارات قصيرة وحادة استمرت دقائق معدودة. أصبح دوي القنابل العنقودية - المحرمة على القوات النظامية والمشروعة ضد المدنيين - أليفا للآذان. وقد تابعت الصوت لأرى ما إذا كان الانفجار قد وقع في ضواحي المدينة، أو على ثكنات عسكرية أو منطقة مكتظة بالمباني ولكن دون جدوى إذ أصبح من المستحيل اكتشاف ذلك.

لم أر وضع مدينة تحت الحصار والنيران مثلما رأيت هنا في بغداد. فالشوارع إلى الجنوب والشمال مفتوحة - ومازال عدد قليل من القطارات يغادر المدينة إلى مدن الشمال - على رغم أن القوات الأميركية تقول إنها أنشأت نقاط تفتيش على الطريق غرب عمّان ولكن يبدو أن ذلك شيء مؤقت.

في المساء جاء مرة أخرى نائب الرئيس، طه ياسين رمضان، ليؤكد أن هناك نحو 4 آلاف متطوع عربي وصلوا إلى العراق لمقاتلة الأميركيين والبريطانيين نصفهم ينشدون «الاستشهاد».

وكرر رمضان مرة أخرى أن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل، مدعيا أن الأميركيين والبريطانيين ربما يزرعون أسلحة في العراق من أجل أن يضللوا العالم ويبرروا غزوهم للعراق.

وكان وزير الخارجية السعودي هو الهدف من مؤتمر رمضان الذي رفض مبادرة الفيصل بتنحي صدام عن السلطة من أجل شعبه ووطنه

العدد 209 - الأربعاء 02 أبريل 2003م الموافق 29 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً