كان هناك جندي عراقي يتألم للغاية، وكان رفيق سلاحه من فدائيي صدام يبدي تعاطفا مع صديقه الذي يئن ألما. لقد أصابت الطلقات الأميركية رجليه، وأخذت الطبيبة توليه عناية كبيرة، محاولة أولا خلع حذائه الأيمن من قدمه. رفض أن يصرخ، رفض أن يظهر معاناته على رغم أنه أطبق عينيه ألما عندما حاولت الطبيبة نزع الحذاء وحل رباطه أولا.
قال صديقه: «نحن الفدائيون، نحن الرجال موضع الفخر» في هذه الأثناء كان جبينه يقطر عرقا، ويرتعش من جراء المعركة التي كان قد اشترك فيها للتو خارج مطار صدام حسين الدولي. وأضاف رفيق السلاح: «لقد اشتبكنا مع الأميركيين واستطعنا اخراجهم من المطار. تفرق الأميركيون. ثم أمر ضابط زميلي هذا من زميلي أن يذهب ويحضر غذاء للجنود. في تلك اللحظة أصيب بالطلقات التي أدت إلى جرحه». مازال الجنديان في البذلات السوداء و(البوت) الأسود - وهو زي وحدات فدائيي صدام - إذ قاتلا بهما طوال الليل في الرضوانية، على طريق المطار. تحدثا عن انزال القوات الأميركية بالمروحيات والذين فروا بمجرد أن فتح العراقيون النار عليهم. ولكنهم عادوا مرة أخرى. لا شك طبعا في نتائج المعركة.
خارج جناح الجندي الجريح في مستشفى اليرموك، وجدت جنديا شبه عار على نقالة، قميص المعركة على كتفيه، لقد فقد بنطاله، رأيت ضمادة مغمورة بالدماء حول رجله اليمنى. هناك جنود آخرون، يأخذون الأسماء والعدة، ممسكين بخوذاتهم في أيديهم، أحدهم يرتدي (جاكيتا) عسكريا ممزقا وقد تدلت أجزاؤه على ظهره. في مستشفى المنصور، كان الوضع نفسه. يمكنك سماع صوت البنادق والرشاشات في المعركة. ولكن اعتقد إذا جرح الجنود العراقيون فإنهم كانوا يقاتلون أعظم قوة على وجه المعمورة واستطاعوا النجاة ويعد ذلك بحد ذاته مكسبا.
في أحد دهاليز مستشفى اليرموك، مر بجانبي عسكري في منتصف العمر يرتدي بذلة كولونيل، كان يترنح ثم وقف منتصبا وأخذ ينفض الغبار عن كتفيه ذوي العلامات الذهبية، كما هناك مشاهد لجنود آخرين.
إذا أين الأميركيون الآن؟ قبل 18 ساعة فقط من معركة المطار كنت أتجول في صالة المغادرة الخاوية في مطار صدام الدولي، مقتحما قسم الجمارك الخالي من الموظفين، متحدثا إلى سبعة حراس مسلحين والتقيت مديرة المطار.
إن احتلال المطار - أو على الأقل جزء منه - تم التنبؤ به قبل ثلاث ساعات من حدوثه عندما أذاعت بي بي سي الادعاءات بأن وحدات المقدمة من فرقة المشاة الميكانيكية الأميركية على بعد أقل من عشرة أميال (16 كم) غرب بغداد - وأن بعض القوات الأميركية اتخذت مواقع لها على أطراف المطار الدولي. ولكنني في ذلك الوقت كنت على بعد 17 ميلا (27 كم) غرب المدينة ولم يكن هناك أميركيون ولا مدرعات.
عندما عدت من المطار لم تكن هناك محاولة لسد الطريق الرئيسي السريع المؤدي إلى المدينة.
إذا هل يتوقف الأميركيون حقيقة في المطار؟ في العام 1941 احتلت دورية ألمانية آخر محطة لـ (الترام) في الخط الغربي من موسكو، وقامت بجمع تذاكر الركاب المرمية دليلا على وصولهم إلى موسكو ولكن لم تتقدم أكثر من ذلك. ولكن قليلا من الناس هنا يعتقدون أن الأميركيين لا يستطيعون اقتحام بغداد إذا كانوا يرغبون في ذلك حقيقة. فالمثل يقول «في النهاية وصل نابليون موسكو».
وماذا يعني ذلك التصريح الساذج من الأميركيين بأن قواتهم الخاصة دخلت أجزاء من بغداد للاطلاع على ما إذا كانت قوات الولايات المتحدة الأميركية مرحبا بها أم لا، وانها إذا وجدت تجاوبا حميما، فإن الأميركيين سينتقلون حالا إلى داخل المدينة. وتبدو الأمور وكأن استطلاع الرأي العام هو الذي يقرر مصير بغداد.
ويبدو أن الأميركيين لم يستطيعوا شراء مليشيا محلية تقاتل نيابة عنهم - كما فعلوا في كردستان وأفغانستان وكوسوفو - ولذلك ربما يقررون أنه يجب أن يحاصر مواطنو بغداد وأن تقطع عنهم الكهرباء - وكذلك الغذاء الطازج - والنور إذا لم يمتثلوا لطقوس «التحرير» التي وضعتها واشنطن. أعتقد أنها المعادلة القديمة نفسها. لقد استطاع الروس الدفاع عن ستالينغراد لأنهم يحبون روسيا مثلما يخشون سطوة المارشال ستالين. فهل ستنطبق معادلة الوطنية والخوف من الدكتاتورية على العراقيين؟ بالتأكيد يأمل السيدان بوش وبلير ألا تنطبق تلك المعادلة هنا حتى يتمكنوا من هزيمة البغداديين
العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ