العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ

السريع والغاضب

صاموئيل جاكسون يحتفظ دائما بهدوئه ولكن الكثير من الأشياء تغضبه مثل النهاية السيئة لفيلمه الجديد ورفقائه العصبيين في لعب الغولف والتأتأة. هنا يتحدث إلى شارلوت اوسليفان.

يبدو صاموئيل جاكسون في الواقع مختلفا تماما عمّا نراه على الشاشة، فعلى الشاشة يكون غالبا قويا بصورة مخيفة كما في فيلم XXX،Pulp Fiction، كما يمكنه ان يكون باردا جدا كما في فيلم Shaft، أو من عالم آخر كما في الجزء الثاني من .Star Wars: Attack of the Clones ناهيك عن قدرته على أن يكون شاحبا كشحوب الموتى وكئيبا كما في فيلـــم Jurassic Park ,A Time To Kill والآن في فيلم .Changing Lanes

يبدو صاموئيل جاكسون في الواقع مختلفا تماما عمّا نراه على الشاشة، فعلى الشاشة يكون غالبا قويا بصورة مخيفة كما في فيلم XXX،Pulp Fiction، كما يمكنه ان يكون باردا جدا كما في فيلم Shaft، أو من عالم آخر كما في الجزء الثاني من .Star Wars: Attack of the Clones ناهيك عن قدرته على أن يكون شاحبا كشحوب الموتى وكئيبا كما في فيلـــم Jurassic Park ,A Time To Kill والآن في فيلم .Changing Lanes ولكن في الواقع بعينيه اللتين تشبهان عيني لوسي ليو وببشرة غير مجعدة كبشرة الأطفال، يبدو هذا الممثل ذو الأربعة والخمسين عاما وسيما بشكل لا يقاوم. التقيته وهو حاجبا نفسه في غرفة في فندق الدورشستر، مرتديا ملابس ذات ألوان قاتمة من رأسه حتى أخمص قدميه، وحين دخلت كان ينقر على الطاولة بطريقة مسعورة، ليلفت الانتباه بطريقة لطيفة، سألني: كيف هو يومك؟ ثم أشار الى ربطة شعري قائلا: لونها فاتح جدا ليوم ممطر. اخبرته بأنني احاول ان اجد لنفسي مكانا، فرد علي ببطء وقال مشددا على الحروف: «حسنا لقد قمت بعمل جيد». غالبا ما يجد المقابلون جاكسون مؤدبا ولطيفا اذا لم يقمعهم (سأله أحد الصحافيين عما يعنيه حرف L في اسمه، فرد قائلا: ألم تقم بعملك بشكل جيد؟ ألم تحاول ان تعرف ذلك؟)، وهو دائما منفتح حين يتحدث عن حياته الشخصية وخصوصا ادمانه على المخدرات. كان ممثل أدوار ثانوية لسنوات، لكنه توقف عن ارتكاب الاخطاء، كما يحكى عنه، قبل اسبوعين من تمثيل دور مدمن مخدرات في فيلم Jungle Fever لسبايك لي، وهو فيلم العام 1991 الذي صنع اسمه.

في فيلم Changing Lanes كان رائعا في تمثيل دور مدمن، هذه المرة بسبب الكحول، وقد خشيت من أن أفتح هذا الموضوع معه، إذ بدا شعوره الودي بكل وضوح ممزوجا قليلا بالملل، ولا أعرف ان كان سيتثاءب في وجهي ام لا.

في الحقيقة، اثار الموضوع بنفسه، وقال ان شخصية العامل الصناعي الفوضوية التي أداها (دويل جيبسون) هي لرجل يقول شيئا ويفعل شيئا آخر، وواصل قائلا: «فهمت الشخصية لأنني مررت بذلك في حياتي، البطل يحاول ان يبقى هادئا وصاحيا أمام زوجته وأطفاله»، ينحني جاكسون الى الأمام ويواصل قائلا: «ولكن أنت هو الشخص الذي يجب ان تعتني به، فإذا كان سيكون صاحيا أمام زوجته حتى لا تترك المدينة ثم تخبره بأنها سترحل، فإنك تملك عذرا لأن تشرب» (يبدو أن جاكسون غير قادر على أن يقرر ما اذا كان سيستخدم الضمير انت أم «هو»، وربما لا يكون واعيا للفرق).

في فيلم Changing Lanes يصبح دويل ملاحقا في معركة مع المحامي الناجح الذي يعيش في مستوى عال غافين يانيك (بين افليك) عندما يتصادمان بسيارتيهما. يصبح الغضب بديلا للافراط في الشراب وتأثير ذلك على ابنيه الصغيرين يجعل حنجرتك تتشنج.

أود الاشارة الى ان «زوي» ابنة جاكسون الوحيدة (التي تدرس حاليا في كلية فاسار)، كانت في التاسعة من عمرها عندما أقلع عن المخدرات حديثا. يهز كتفيه استهجانا ويقول: «بكل تأكيد هذا نوع من الورطة العائلية، الكثير من الرجال في عائلتي كانوا مدمنين على الشراب، هذا امر له علاقة بالجينات، أنت تفعل الأشياء بإفراط، لا أذكر أبدا انني تناولت كأسا واحدا من البيرة فقط في يوم واحد، ليست هذه هي الطريقة التي أشرب بها فأنا اشرب حتى يختفي كل شيء». ثم يضحك ويواصل قوله: «تم التحدث الى زوي بخصوص هذا الأمر، وكنت معها عندما كانت تتناول الشمبانيا والنبيذ وقلت لها هناك اشارات محددة تخبرك عما اذا كنت تعانين مما أعاني، فمثلا اذا شربت كثيرا ولا تتذكرين أين أوقفت سيارتك، أو انك فقدت الوعي»، وهنا يهز كتفيه مرة أخرى ويقول: «انت تعطيهم المعلومات فقط وهذا هو كل ما تستطيع فعله».

تمت تنشئة جاكسون من قبل جده وجدته وأخواله وخالاته وأخيرا والدته في شاتنوغا بولاية تينسي (لاتزال والدته حية وتقضي أعياد الميلاد والصيف في منزل جاكسون في لوس انجليس)، أما والده الذي لم يره، فقد توفي بسبب مرض تليف الكبد منذ عدة سنوات. سألته ان كان هذا قد سبب له صدمة قاسية، فعبس جاكسون وقال: «كلا لم يسبب لي صدمة قاسية، كنت فقط أفكر في انه كان من الممكن ان يحدث لي ذلك»، الافراط في الشراب، الافراط في العاطفة، ليس لديه وقت لأي من هذين الأمرين.

يقول جاكسون إن نهاية Changing Lanes أصبحت الآن «نهاية لطيفة»، ولكن في النهاية الأصلية تقوم زوجة دويل بترك زوجها، «نعم تأخذ الأطفال، وهذا ما يحدث في الواقع». ولكن عندما تم اجراء اختبار شاشة للنسخة الاصلية من الفيلم، ارتعب المشاهدون «وقالوا من فضلكم، اعطونا شيئا من الامل». سألته ان تم تغيير اي شيء في المشهد الأخير بين دويل وغافين، الذي يلقي فيه خطبة طويلة ويجلس فيه دويل على الاريكة مستمعا إليه بصبر، فأنا أشعر بخطأ ما في هذا المشهد. هز جاكسون رأسه موافقا وزعم بأنه لم يكن مقتنعا أبدا بمصير غافين في أي من النسختين. في النسخة الأصلية يبدأ الرجلان في الصراع مرة أخرى، هذه المرة صراعا جسديا، ثم يتخذ غافين قرارا بخصوص قصاصة ورق يمكن أن تلقي بزملائه الأثرياء في السجن.

يقول جاكسون: «الحقيقة التي تتضح لنا الآن - بعد معرفة كل هذه الفضائح عن كل هذه الشركات ورؤسائها التنفيذيين - ربما تكون مختلفة تماما. كنت دائما أقول انه سيواصل ويتحمل الألم ويسلم الورقة ويحتفظ بأسلوب حياته. وكما نعرف فإنه يفعل ذلك ويصبح أحد هؤلاء الرجال». انس تجمع عائلات السود أو تخلص البيض الأثرياء من الخطيئة، في رأي جاكسون اللقطة الأخيرة من الفيلم يجب أن تكون لدويل عند النافذة وهو يقوم بكي قميصه لوحده، لا نعرف ما سيحدث له، نعرف فقط أن حياته ستستمر، «سيكون الأمر مسببا لصدمة قاسية ولكنه سيكون واقعيا اكثر». جاكسون هو رجل ساخر ومنغمس في السياسة كما انه لا يحترم الآخرين أيضا، عندما قلت له إن أفليكس يستطيع لعب دور البغيض، قهقه ضاحكا ثم كتم ضحكته وهو يتحدث عن التعديلات السيئة في الكثير من أفلامه، ما يعني أن هناك مشاهد حاسمة قد حذفت ليضمن ذلك ألا يصبح للأجزاء الأخرى أي معنى، وأشار مبتسما الى الطريقة التي يكتب بها كتّاب النصوص الخطب الكلامية التي يجب عليه أن يعيد ترتيبها لتصبح قريبة من المحادثة. سألته عن رأي سبايك لي (صديقه القديم الذي يصبح عدوا له في بعض الأحيان) في فيلم Changing Lanes فأصدر صوتا بلسانه وقال: «لم أره لأعرف رأيه، لكني واثق بأنه شاهد الفيلم»، من المؤكد ان له رأي بخصوص هذا الأمر؟... ومرة أخرى أطلق نبرة استهجان وقال: «سبايك له آراء بخصوص كل شيء، أنا متأكد من ذلك»، ثم أضاف بأنه مهتم أكثر بآراء مجتمع الممثلين في لوس انجليس، ومجتمع زوجته في الكنيسة، ثم سارع موضحا بأنه نادرا ما يذهب الى الكنيسة، «أنا أصلي ولكنني أفعل ذلك لوحدي»، من الواضح ان كونه بعيدا هو الأمر الذي يناسبه أكثر، لكنه لا يحب أن يبدو غاضبا. عندما سألته عن المرة الأخيرة التي فقد فيها أعصابه تحرك في مقعده وللمرة الأولى نظر إلى عيني، وأخيرا قال: «يصعب علي قول ذلك، أنا لم أعد تصادميا». عقف أصابعه بين قبعته وحك رأسه ثم واصل قائلا: «دعني أفكر... المرة الأخيرة كانت منذ عام مضى أثناء تصوير أحد الأفلام إذ لم أكن مستمتعا جدا بالعمل»، يضحك ضحكة عالية ويواصل: «لا أحب أن يقوم بعض الناس بجعل مكان عملي غير ممتع وعندما يصعب بعض الناس الأمور أو انهم لا يعرفون ما يفعلون ويثيرون الفوضى فهذا يغضبني حقا»، يعتقد جاكسون ان هذا أمر لا بأس به لأنه يحدث نادرا جدا كما انه فخور بسلطته. بعض الممثلين صعبون في كل شيء، ولذلك يعتقد الناس بأنه يجب تجاهلهم فهم ليسوا سوى أشخاص أغبياء، لكن الناس ينتبهون لي عندما أفعل ذلك»، لكنه بعد ذلك غيّر رأيه وقال: «الأمر المهم هو أن الغضب طاقة مبددة فهو في الغالب لا ينتهي بملاحظة سارة كما انك لا تحل المشكلة، ما يحدث هو أن غضبك يزداد فقط»، يحك رأسه بقوة مرة أخرى ويتابع: «أقصد انني ألعب الغولف وهناك الكثير من الأشخاص الذين ألعب معهم والذين يفقدون أعصابهم، وحين يحدث ذلك أسألهم لماذا تفعلون ذلك؟ لماذا تلقي بالمضرب أو بالقفازات مثلا؟، ألأنك غاضب بسبب شيء ما قد لا تستطيع فعله، على أي حا، انت لا تفعل ذلك لكي تعيش مثلا». ولكن التمثيل طبعا هو ما يفعله جاكسون ليعيش، لكنه مصمم على ألا يدع نزوات نظام هوليوود أو مرتادي السينما تصل اليه، يمكن أن نقول ان هناك الكثير للمجازفة به.

قلت له إنني سمعت بأنه يتأتئ فلم أصدق بأن هذا حقيقة، فعبر بوجهه بإشارة تدل على السخرية وقال: «في بعض الأحيان، عندما أحاول التحدث بسرعة جدا، او اذا اصبحت قلق البال أو منفعلا، أتلعثم في الكلام ولذلك يجب علي أن أخفف سرعتي وأتنفس نفسا عميقا». فقلت له انه أمر جميل، فرد علي: «لا». ثم ابتلع ريقه وقال: «ليس جميلا، بل مزعجا» ثم أشار الى نفسه وقال: «حسنا، انظر، لقد تحدثت عن الأمر وهأنذا أتأتئ».

ويفسر السبب قائلا: «عندما كنت طفلا، كان الناس يضحكون علي عندما أتحدث، ولذلك كنت أتوقف عن الكلام لفترة وجيزة». كان طفلا وحيدا وفي الوقت الذي يقول «إن الأطفال الوحيدين يصبحون معتمدين على أنفسهم للغاية»، فإنه يعترف بأنه غالبا ما يشعر بالوحدة، «لكنني بعد ذلك خضعت لعلاج نفسي وتعلمت كيف أتنفس فأصبحت الأمور أفضل، ولكنني لست الوحيد في ذلك فجيمس ايرل جونز (صوت دارث فادر) لديه المشكلة نفسها. ومع ذلك فإن جاكسون مشهور بأسلوبه السريع في التحدث وفي صعوبة لفظ الكلمات كما في شخصية أورديل روبي في فيلم Jackie Brown. يتنهد ويحني رأسه موافقا ثم يقول: «الخطب النارية السريعة، نعم، أنت تتعلم كيف تتحكم في ذلك بطريقة ما. ولكن تلك ليست اثارة، بل سيطرة وتمثيلا».

يقول: «لم أتمكن من سماع التأتأة لوقت طويل، ولكنها فجأة أصبحت ملحوظة بالنسبة إلي، هذا غريب... هذا أحد الأشياء الغريبة، اذا لم تكن الشخصية تتأتئ... لا أتأتئ ، ولكن اذا كنت على طبيعتي في الواقع أتأتئ». سرح قليلا ثم قال: «حين مثلت فيلم The Cavemans Valentine وهو فيلم لم يعرض بعد في بريطانيا، كان البطل يتأتئ»، يأخذ نفسا عميقا وطويلا ويواصل قائلا: «في بعض الأيام كان من الصعب عليّ أن أتوقف لأنه كان شخصية شيزوفرينية ظنانة» (وقلده في الحديث) ثم واصل: «انه يتحدث بهذه الطريقة، وكان من الصعب علي أن أتخلص من التأتأة في بعض الأيام». وحين حان وقت ذهابي، بدلا من أن ينهض ويصافحني سار الى النافذة ونظر الى الخارج، الى المطر المتساقط.

صاموئيل جاكسون لديه الكثير من الأشياء التي يحاول أن يتخلص منها، ولديه تصميم قوي على ان يبقى مسيطرا على الأمور. رغبة ملحة كهذه يمكن أن تكون مرهقة ومملة وربما قاتلة، ولكن في هذه الحال يبدو الأمر معقولا بطريقة فظيعة.

(خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط»

العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً