العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ

الوضع العربي والعدوان الأميركي على العراق

نظريتان متعاكستان

ماذا بعد العراق؟ المشاهد المؤلمة (دمار، احتلال، فوضى سياسية) هل تتكرر في مناطق أخرى في الجوار العربي؟

سؤال العراق هو سؤال عن مستقبل العرب وتحديدا النظام الإقليمي.

الأجوبة ستكون متخيلة، إذ من الصعب قراءة المستقبل في ضوء ما آلت إليه تطورات الوضع القائم حاليا في العراق.

وسحب المشهد العراقي على المسرح العربي يعني في كل معانيه كارثة عامة هي أشبه بزلزال سياسي يطيح من دون تمييز بين المقيم والحاكم.

كيف يمكن تصور الوضع المحتمل في المستقبل؟

نظريتان تترددان: الأولى تقول إن العراق هو المحطة الأخيرة في الهجوم الأميركي، والثانية تؤكد أن العراق هو البداية.

تستند النظرية الأولى على مقولة ان العراق حال استثنائية (معزولة). وما حصل فيه لن يتكرر. فالعراق هدف بذاته اختارته إدارة واشنطن الحالية بعد وصول الحزب الجمهوري. فالحرب الحالية هي مجرد عملية استكمال سياسية لما كان يجب أن يحصل في حرب الخليج الثانية في العام 1991. تلك الحرب توقفت بناء على معطيات دولية واقليمية وعراقية وتبين كما تقول النظرية انها خاطئة. الآن تغيرت المعادلة. وبات المستحيل في العام 1991 من الأمور السهلة وخصوصا بعد ضربة 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وتبلور نظرية أمنية جديدة تقول بالضربة الاستباقية أي بإعلان حرب وقائية ضد قوة اقليمية يرجح أن تشكل خطرا في المستقبل.

تذهب النظرية الأولى إلى القول إن الحرب الحالية على العراق هي أميركية قلبا وقالبا. وهي قضية أميركية لا صلة لها بـ «إسرائيل» و«الشرق الأوسط» والنظام الإقليمي العربي والجغرافي.

فالموضوع داخلي له صلة بالحسابات الأميركية وبالتالي فإن ما حصل هو لمصلحة العرب والشعب العراقي وليس هدفه خدمة «إسرائيل» ومصالحها في المنطقة. وان اندفاع الولايات المتحدة وتموضعها في المنطقة سيؤدي إلى تهميش دور «إسرائيل» والدول العربية معا.

ويستنتج أصحاب هذه النظرية معادلة إيجابية تبشر بالخير. فالنظام العراقي المقبل سيكون في أسوأ حالاته أفضل من النظام الحالي. وان ثروة العراق ستبقى في العراق وتوزع بشكل عادل على الشعب الذي عانى الاذلال السياسي والقهر وهيمنة الدولة الكلية على مختلف مرافق الحياة العامة.

ويقول دعاة النظرية الأولى ان العراق سيشهد نهضة عمرانية وستسوده الحريات ولن تبقى القوات المحتلة (المحررة) اكثر من الفترة الزمنية المحددة لها، وطالما بقيت هناك حاجة لها. وعموما لن تبقى أقل من سنة وأكثر من سنتين تكون خلالها الحكومة الجديدة اعادت ترميم الدولة، وبسطت سيادتها وفق صيغة فيدرالية على مجموع الاراضي العراقية.

هذا باختصار ما يقوله أصحاب النظرية الأولى.

ماذا يقول أصحاب النظرية الثانية؟ العكس تماما.

القول الثاني يؤكد أن العراق هو المحطة الأولى في الهجوم الأميركي على الخليج والشرق الأوسط ودول الجوار (إيران وتركيا وسورية).

تستند النظرية الثانية على مقولة أن العراق ليس حالا استثنائية (معزولة)، وما حصل فيه هو البداية أو أول الغيث وسيتكرر في أكثر من مكان وجغرافيا. وهذه المسألة يقول بها أشرار الحزب الجمهوري والتيار الأيديولوجي الذي يسيطر على إدارة البيت الأبيض.

الحرب الحالية ليست استكمالا لحرب ناقصة جرت في العام 1991. انها محاولة تأسيس لحرب جديدة تقوم على فكرة الاستغناء عن الأنظمة (الوكلاء) السابقة التي استنفدت دورها واغراضها وباتت في وضع ضعيف وغير قادرة على حماية نفسها والدفاع عن المصالح الأميركية. الحرب هي بداية استبدال وكلاء قاموا بوظائفهم في فترة «الحرب الباردة» وتلح الحاجات الجديدة لمرحلة ما بعد «الحرب الباردة» إلى نوعية مختلفة من الوكلاء والشعارات.

ويقول أصحاب النظرية الثانية ان هذه الحرب الجارية في العراق ليست أميركية قلبا وقالبا. قالبها أميركي الصنع وقلبها اسرائيلي النبض. تحرص كتلة الأشرار في واشنطن والحزب الجمهوري على اعتماد وكالة مباشرة من دون وسطاء تكون تل ابيب واحدة من ادوات صنع التغيير ورسم شخصية الشرق الاوسط الجديد. وهذا لا يتم الا بخلخلة منظومة العلاقات العربية وتفكيكها الى مجموعات اقليمية متناحرة وغير متفقة على خطة عمل تقوم على برنامج مشترك. فالموضوع ليس داخليا بقدر ما هو استراتيجية مركبة من مصالح أميركية معقدة يقودها جناح الصناعات العسكرية وشركات الطاقة (النفط) تطمح الى بسط سيطرتها على المنابع والاسواق ضمن خطة صراع طويل الامد يبدأ في العراق والشرق الاوسط ودول الخليج ويمتد الى المنطقة الوسطى من العالم (أوراسيا). وفي هذا المعنى «اسرائيل» لا قيمة استراتيجية لها وانها هي مجرد حليف يحتاج دائما الى حماية مباشرة ومساعدات للابقاء على وجوده في محيط معاد ومضطرب. لا شك في ان «اسرائيل» هي المستفيد الاول المباشر من ضرب العراق واحتلاله الا انها كدولة غير قادرة على استيعاب او حماية مشروع أميركي بهذا الحجم والضخامة. لذلك يتوقع ان تستفيد «اسرائيل» من التحولات الجارية من حيث ضمان مستقبلها وإزالة العقبات من أمامها: العراق، الدولة الفلسطينية المستقلة، وربما في القريب العاجل «اثارة مشكلات» لسورية وايران.

وغير ذلك لن تنال «اسرائيل» سوى الحد المقبول الذي يغطي نفقاتها من خلال فتح الاسواق العربية وتجارتها مع دول الخليج ومد أنابيب النفط الى مصافيها حتى يستقر وضعها الاقتصادي ليتناسب مع سعة المشروع السياسي الأميركي وضخامته.

ويستنتج أصحاب هذه النظرية معادلة سلبية وأن ما حصل في العراق لا يبشر بالخير. فالنظام الديمقراطي سيكون مجرد هيئة موقوفة للاحتلال وثروة العراق سينفق بعضها في البلاد ومعظمها على تمويل آلة الحرب الأميركية التي تطمح إلى توسيع رقعة سيطرتها وفتح جبهات عسكرية تمتد من حدود العراق إلى دول الجوار. ويتوقع أصحاب النظرية المتشائمة ان تُستدرج القوى الاقليمية الكبرى المجاورة للعراق (إيران، تركيا، سورية) إلى ازمات اقليمية مفتعلة تبرر مستقبلا سياسة الضربات الوقائية أو الحروب الاستباقية.

وعليه فإن القوات الأميركية جاءت لتبقى في بلاد الرافدين، وسيكون العراق هو محطة لانطلاق القوات الجوية والبرية لضرب دول ترى فيها واشنطن عقبات امام مشروعها الاستراتيجي الهجومي.

وعلى هذا يستنتج أصحاب النظرية الثانية ان المنطقة مقبلة على فترة عدم استقرار للنظام الاقليمي وان نهاية النظام العربي الذي انبثق منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وتم تجديده بعد نهاية الحرب العالمية الثانية اقتربت.

هناك اذا معادلة جديدة رسمتها واشنطن وهي لن تكتفي بالحد الادنى بل انها تتجه مستقوية بنجاحاتها العسكرية السريعة في أفغانستان والعراق ومستفيدة من ظروف دولية لا توجد فيها قوة موازية لتحدث ما يسمى بتوازن الرعب لوقف أميركا أو الحد من جنون الطاقم الحاكم في البنتاغون. وفي ظروف مناسبة مثل هذه وهي قد لا تتوافر في فرص اخرى فإن طموح ادارة جورج بوش الآن توسيع اهداف الاستراتيجية ودفعها الى تحقيق الحد الاقصى.

والحد الاقصى ليس مسألة عربية. انها مجموعة موضوعات معقدة لا تطال النظام الاقليمي العربي بل تهدد النظام الدولي. وتهديد النظام الدولي مسألة عالمية وليست عربية. وهذا شأن آخر لا مجال للحديث عنه الآن.

نص حديث ألقي في ندوة نظمتها جمعية العمل الوطني الديمقراطي عن «الوضع العربي والعدوان الأميركي على العراق»

العدد 219 - السبت 12 أبريل 2003م الموافق 09 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً