العدد 220 - الأحد 13 أبريل 2003م الموافق 10 صفر 1424هـ

خط متعرج يسير بمشقة

تحدق «زهرة» في السقف، تنظر إلى نقطة محددة لا تنقل بصرها عنها، تبحث داخلها عن شيء ما، لكنها لا تجده، وتبقى تحدق في النقطة. ينطلق منها خطان متوازيان يسيران بسرعة، تتابع الخطين ثم تنقل بصرها إلى النقطة فلا تجدها ولا تجد ما تبحث عنه. إنها أبعد ما يمكن لبصرها أن يتقاطع معه.

كانا في لحظات تقاطعهما الجنونية يرتفعان وينخفضان ويستلقيان ثم يتوازيان، يجمع شوقه وحبه وردة حمراء يرمي بها على قدميها طالبا منها الزواج، تلتقط الوردة وتلتهمها ثم تمسح بقايا الدماء عن فمها وتقول له:

الحب والزواج خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا، وإذا التقيا لابد أن يلغي أحدهما الأخر.

كان عليها أن تمحو «سليم» من سقفها، و تبعده من أمامها حتى لا تتحول علاقتهما إلى خطٍ متعرج يسير بكدٍ ومشقة، لا تريد أن تبقى ثابتة لا تتحرك و تقضي زهرة شبابها تدفع أقساطا للبيت وللعفش، وتحلم بأشياء تبقى بعيدة المنال، وتؤجل ابتسامتها لآخر الشهر أو لأول الشهر، ترسم دائما خطا مستقيما يتجه إلى الأعلى، لا تريد أن تكون نسخة جديدة عن والدتها التي يملأ الذبول وجنتيها، تغض الطرف عن كماليات العيش الضرورية من أجل تأمين لقمة العيش، ولا تريد أن يكتسب «سليم» لون الأفول الذي يسكن جبهة والدها. تريد زواجا «cash» نقدا، وليس حبا بالتقسيط... المميت.

كان يقف موازيا لها ممسكا بخصلة من شعرها المتساوي الطول ويسألها: لماذا لا تملك من اسمها سوى حروفه «زهرة» تنثر حروف اسمها في الهواء، تصير بلا اسم و لها شراسة اللبوات وتنشب كلماتها في وجدانه:

الزهرة تذبل كما الحب بعد الزواج، لن اصبر حتى اصل إلى أرذل العمر ليصبح لدينا بيت وسيارة ومجوهرات وملابس من أفخم الماركات، عندما يصبح بإمكاني أن أشتري الأحلام تكون أمراض الشيخوخة قد بدأت تنخر جسدي، والحب فيَّ انطفأ والحلم غاب في زحام الأيام، ولا يبقى سوى انتظار النهاية.

يبتعد عنها حتى لا يشم كلماتها التي لها رائحة الأموات، تبقى شعرة عالقة على إصبعه يحتضنها فربما تكون تؤمن بالتفعالات الكيماوية التي تمزج المواد مع بعضها بدلا من نظرية الخطوط المتوازية، يسير معها و يحاورها، يهب الهواء فتطير الشعرة إلى أعلى متخذة خطا مستقيما.

تتابع «زهرة» سير الخطين حيث اتجه «سليم» إلى إستراليا ليتزوج من ابنة خالته المقيمة هناك للحصول على الجنسية، يأكل الشوق جبهتها وهو يقول لها «وداعا».

تتدحرج دمعتان متوازيتان على خديها تلتقطهما وترمي بهما من نافذتها تسمع صوتا يشبه الانكسار، لكنها تتابع سير الخطين، فالوقت يمضي سريعا ولا مجال لالتقاط بقايا الانكسار، والمكان لا يتسع للحزن فثوب زفافها يأخذ مساحة كبيرة من الغرفة.

قاصة سعودية





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً