العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ

واحترام أجهزة المملكة لقراراته

استقلالية القضاء البحريني...

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

استقلالية القضاء أساسية لصيانة الحقوق المدنية للأفراد، وشكل حضاري لتقدم الأمة وللحفاظ على كرامة وحرية الإنسان. فمنذ غلبة العقل على الغريزة مع تطور الحضارة البشرية وتحولها من شريعة القوة، أي شريعة الغاب، إلى شريعة الحق، نشأت الحاجة إلى القضاء. إن استقلال القضاء شرط لتحقيق الحياد، والحياد شرط لإحقاق الحق وإقامة العدل. إنهما شرطان مترابطان متلازمان يتحصل منهما ألا عدل من دون حياد ولا حياد من دون استقلال.

إن القضاء إما أن يكون مستقلا وإما ألا يكون، لأنه يصبح عندها خدعة شائنة، ظاهرها الحق والعدل وباطنها أو حقيقتها الباطل والجور والظلم. فإن الاستقلال يعني الحرية، أو أن الاستقلال لا يكون إلا مع الحرية. لكن الحرية لا تعني التحرر المطلق بمعنى التحلل. مع ذلك لابد أن تحترم مؤسسات وأجهزة الدولة، ومؤسسات المجتمع المدني أحكام القضاة، وعلى جميع أجهزة الدولة التنفيذية تطبيقها ليستتب العدل والمساواة بين الناس.

استقلالية القضاء البحريني

إن الحرية التي يقوم عليها استقلال القضاء البحريني هي حرية ملزمة ومسئولة، التزامها القانون ومسليتها القضاء بوحي من الضمير. فاستقلال القضاء لم يشرع لينعم به القضاة، بل لينعم به المتقاضون. لم تكن في الماضي دساتير تعترف بمبدأ استقلال القضاء، ولا كانت قوانين تعمل على حمايته وصونه، ومع هذا لم يكن الالتزام بمبدأ استقلال القضاء غائبا كليا عن واقع الممارسة القضائية. وأصبحنا في عالم الإعلانات والدساتير والنصوص، ومع هذا لا يسلم القضاء دائما من التجاوز على حرمة استقلاله، ولا يسلم القضاة من الضغط ومحاولة التأثير عليهم من هنا وهناك، ومنهم من يسقطون، ومنهم من لا يسلم من ذات هوى وشر نفسه، فالعبرة من حيث النتيجة للنفوس لا للنصوص، نقصد بذلك إيمان صاحب السلطة باستقلال القضاء، ما يردعه عن التدخل في شئونه، وإيمان القاضي باستقلال وظيفته وخطر مسئوليته، مما يقويه على الصمود بوجه كل تدخل أو تجاوز قد يتعرض له من أية سلطة أو من شخص أو من جهة. إن استقلال القضاء البحريني أصبح مبدأ مستقرا راسخا في ضمير الناس ووجدانهم، فمهما استبيحت حرمة هذا المبدأ كما يحصل كثيرا أو قليلا على دنيا الواقع، فإن الحاضر هو على كل حال خير من الأمس والماضي ولابد عاجلا أو آجلا أن يأتي يوم يتحقق للقضاء استقلاله الكامل، قولا وفعلا وإعلانا وتطبيقا. إن سير الإنسان على طريق التطور الحضاري مستمر ومتواصل، واستقلال القاضي عنوان للمفهوم الحضاري للجماعة الإنسانية.

احترام القضاء البحريني

احترام كل أجهزة الدولة لأحكام القضاة البحرينيين، جزء لا يتجزأ من مبدأ فصل السلطات التي نادى بها دستور البحرين للعام 2002، وعلى رغم عدم استجابة بعض أجهزة الدولة التنفيذية لتلك الأحكام وتطبيقها احتراما لاستقلالية القضاء البحريني، فإن القضاء البحريني يشهد تطورا ليس له مثيل في معدل النزاهة والعدل في الحكم عن الفترات السابقة. إلا أن قرارات قسم الشئون القانونية بإدارة الهجرة والجوازات على سبيل المثال تتناقض مع حكم المحاكم البحرينية ونزاهة القضاء البحريني، فهي لا تقبل تنفيذ أي حكم صادر عن محاكم البحرين إذا لم يعجب المسئولين بإدارة الهجرة والجوازات على رغم قانونية الحكم وصحته، وهناك عشرات القضايا التي يشتكي أصحابها من استهانة إدارة الشئون القانونية بالهجرة والجوازات بها وبالمحاكم التي أصدرتها، على سبيل المثال الحكم بإعطاء بحريني جواز سفر بعد تقديمه أدلة ثابتة وقاطعة أنه مولود في البحرين ومن سلالة بحرينية، وتبعيته لعائلته وأجداده البحرينيين. الحالة الأخرى في هذه القضايا، صدور حكم قضائي بإضافة اسم اللقب إلى أناس عاديين جدا تقدموا بطلب الإضافة إلى لجنة إضافة الألقاب، وحصلوا على تأييد اللجنة والمحكمة المعنية لطلبهم، لكن الشئون القانونية بالهجرة والجوازات ترفض التنفيذ. الحالة الثالثة رفض وزارة الداخلية تنفيذ عدة أحكام تتعلق بالشيكات من دون رصيد، الغش التجاري، التزوير، تجاوز القانون، التأخير في دفع الإيجارات وغيرها من القضايا المدنية العامة. إذا افتقار الأجهزة الحكومية إلى المنطق والأسس القضائية لرفض التنفيذ يعتبر انتهاكا لنصوص الدستور وحقوق المواطنين المدنية، الأمر نفسه ينطبق على القضايا الشرعية، وعلى رغم استغراب الفرد البحريني من تلك الأجهزة وتجاهلها للقضاء البحريني، لا أجد أدنى غرابة لهذا القرار تحت إصرار بعض عقليات قانون أمن الدولة القديمة على عدم التغيير أو تقبل التغيير الديمقراطي، ولأن القضاء في البحرين يتصدى الآن لتجاوزات الحرس القديم والفساد في الأجهزة الحكومية، فإننا نتفهم جيدا مساعي القضاء البحريني إلى تحقيق نوع من الاستقلالية، لكي تنسجم القرارات مع حكم النصوص القانونية، وقابليتها للتطبيق المتساوي للقانون وفقا لمبدأ العدالة والحق، فهي تصطدم وبشدة بين فترة وأخرى بالإجراءات الأمنية لوزارة الداخلية.

يذكر أن للقاضي حسب مبدأ فصل السلطات، صلاحية توقيف الموظف العام مهما كانت درجته الوظيفية والمواطن مهما كان نفوذه الاجتماعي أو المالي أو السياسي، ومن بين الموظفين العموميين يدخل تعريف المدير العام والمحافظ والوزير وعضو المجلس الوطني، في الجرائم المشهودة خلال فترة الانعقاد وعند رفع الحصانة النيابية عنه، وعلى هذا الأساس فإن القاضي بإمكانه أن يأمر في القضية المعروضة أمامه بتوقيف المحافظ والوزير، بينما لا يجوز العكس، كما أن كل تدخل في أعمال القاضي أو التوسط في قضية معروضة أمامه يجعل مرتكبها عرضة للمساءلة القانونية والمحاسبة القضائية مهما كانت درجته الوظيفية ومنزلته السياسية، ولهذا السبب لجأت السلطة في بعض الأحيان إلى سحب القضايا المعروضة أمام القضاء بقرارات تشريعية لها قوة القانون، صادرة عن أعلى جهة تشريعية، ما يفقد القاضي الصلاحية والقدرة على النطق بالحكم وقول كلمة الحق في القضية، كما فعلت مع قضية ضابط المخابرات عادل فليفل، الذي لايزال طليقا ولم يخضع لا للمساءلة ولا للتحقيق ولا للاحتجاز على ذمة التحقيق، على رغم المظاهرات الشعبية اليومية التي تطالب بمحاكمته.

وبطبيعة الحال لا يجوز توقيف القاضي ومعاقبته إلا من قبل قاض آخر، إضافة إلى عدم جواز تفتيشه وتدقيق أعماله إلا من قبل قاض أيضا، لهذا فإن قيام جهاز أمني بإيقاف القاضي عن عمله انتهاك صارخ للدستور، وتطاول على القضاء وتطبيق غير سليم لقرار تفتقد للسند القانوني والصلاحية الشرعية.

التشريعات البحرينية

النظام القضائي البحريني من أقدم الأنظمة العربية والخليجية، وقد استمد مقوماته من نظام القانون البريطاني العام، أما القوانين الشرعية فتستمد مقوماتها من النظام الشرعي الإسلامي للمذهبين الشيعي والسني (المالكي). وقد فصل (الفصل الرابع) من دستور البحرين للعام 1973 السلطة القضائية عن السلطتين الأخريين، واعتبر الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع. وقد تم تفعيل القضاء البحريني بوضع الحكومة عدة قوانين لتطبيق القانون، وتنظيم مهنة المحاماة نذكر منها: القانون المدني للعام 1971 وعدل العام 1990، القانون التجاري للعام 1971 وعدل في 1990، القانون الجنائي للعام 1987، قانون المرافعات الجنائية للعام 1966، وصدر مرسوم أميري رقم: 13 بقانون تشريعي بشأن تنظيم القضاء البحريني. جرت العادة على أن يكون القضاة بحرينيي الجنسية، وحاصلين على مؤهل علمي في القانون، ويتم ترشيحهم عن طريق وزارة العدل أو وزارة الشئون الإسلامية، وتعيينهم بمرسوم من رئيس الوزراء.

دستور البحرين للعام 2003، أهم مصدر للتشريع البحريني، أكد في الفصل السادس أن سيادة القانون واستقلال القضاء. واعتبر سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، واستقلال القضاء وحصانته ضمانتين أساسيتين لحماية الحقوق والحريات. وتعمل الدولة على استكمال الهيئات القضائية المنصوص عليها في الدستور وتعيين الجهة القضائية التي تختص بالمنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، والنيابة العامة. وفي الأحكام العامة، تنص المادة (32) على أن يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع تعاونها وفقا لأحكام هذا الدستور، ولا يجوز لأي من السلطات الثلاث التنازل لغيرها عن كل أو بعض اختصاصاتها المنصوص عليها في هذا الدستور، وإنما يجوز التفويض التشريعي المحدد بفترة معينة وبموضوع أو موضوعين بالذات، ويمارس وفقا لقانون التفويض وشروطه. وأكدت المادة (104) أن السلطة القضائية تتمثل في شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الحكم وضمانا للحقوق والحريات. ولا سلطان لأية جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء، ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم. ويضع القانون الأحكام الخاصة بالنيابة العامة، وبمهمات الإفتاء القانوني، وإعداد التشريعات، وتمثيل الدولة أمام القضاء، وبالعاملين في هذه الشئون.

معضلات القضاء البحريني

معضلة القضاء البحريني تكمن في حرية ممارسة القضاء، واستقلالية القضاة أنفسهم، وتدخلات الدولة في الشئون القضائية. المعروف عن القضاة البحرينيين نزاهتهم، كما أن الرأي العام البحريني ـ ولله الحمد ـ لم يسجل أي حالة فساد بين القضاة البحرينيين، وهذا ما يبشر بالخير. هدف القضاة الأول الحكم بالعدل والمساواة بين الناس، وتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات التي نادى بها الدستور البحريني من دون تدخل السلطة. كما على أجهزة الدولة المختلفة احترام قرارات القضاء البحريني وتنفيذها بحذافيرها مهما كانت تبعاتها السياسية. تدخل الدولة نتجت عنه تراكمات من مشكلات القضاء البحريني لم يتم إصلاحها حتى الآن، نذكر منها: بطء الإجراءات القانونية الحكومية، قدم بيروقراطية العمل القانوني يؤخر البت في القضايا، عدم ديمقراطية مرافعات المحامين القانونية، تقييد حرية تحرك المحامين في المحاكم. كما أن عدم الاهتمام بإصلاح الخلل القضائي سواء الجنائي أو الشرعي، وأسلوب عمل المحامين، بتحديث القوانين ولّد مشكلات قانونية ومهنية واجتماعية جديدة. القضاء الشرعي البحريني هو الآخر في قفص الاتهام، فتحرك المرأة البحرينية عبر الصحف والندوات ووسائل الإعلام وحتى المظاهرات، لتحديث النظام الشرعي البحريني بوضع قانون منصف للمرأة يسمى قانون الأحوال الشخصية، أصبح حديث المرأة البحرينية والمجتمع البحريني، وعبّر عن عدم رضى الشارع البحريني بما تتعرض له المرأة البحرينية من مختلف أنواع الظلم الاجتماعي.

من هنا يجب إيجاد الحلول الناجعة للتغلب على معضلات القضاء بوضع خطة وطنية متكاملة لإعادة هيكلة وإصلاح النظام القضائي البحريني، حتى يتمكن من مواكبة التطورات السياسية الحالية التي تشهد شفافية متزايدة في تطبيق الأساليب الديمقراطية. المملكة عبرت عن اهتمامها البالغ في إصلاح القضاء البحريني عبر ما تشهده المملكة من مناقشات وندوات وآراء في الصحف المحلية. ولتحديث الأنظمة فإن خطوة فصل الادعاء العام كانت الخطوة الأولى في الطريق الصحيح للارتقاء بمستوى النظام القضائي البحريني

العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:40 ص

      التفتيش القضائي

      كيف لم يسجل القضاء قضية واحدة في فساد أو تضارب في المصالح الشخصية أو استغلال المنصب القضائي وأنا شخصياً أرسلت أكثر من شكوى قبل وبعد تاريخ المقال؟

اقرأ ايضاً