العدد 206 - الأحد 30 مارس 2003م الموافق 26 محرم 1424هـ

الحرب الأميركية على العراق: ضحايا آخرون على الساحة الدولية

مع دخول الحرب الأميركية البريطانية على العراق أسبوعها الثاني تزداد الأضرار البشرية والمادية في صفوف كل من الطرفين على نحو مفاجئ من جهة ضخامتها، وخصوصا بالنسبة إلى القوات الغازية والتي كانت تعتقد أن حملتها العسكرية ستكون أشبه بنزهة وان العراقيين سيستقبلونها بالترحاب والزهور. لكن هذه الحملة، وقل أن تطلق أول صاروخ لها، سبق وعاثت أضرارا أخرى خطيرة من طبيعة سياسية ودبلوماسية تتعدى الطرفين المتحاربين ستنعكس تداعياتها على الساحة الدولية وسيسقط لها ضحايا آخرون سيزداد عددهم مع استمرار الحرب.

الصحافة الفرنسية ركزت على "ضحايا" الحرب الأميركية الريطانية ضد العراق على الساحة الدولية، أولهم: منظمة الأمم المتحدة، والعلاقات بين الولايات المتحدة و"أوروبا القديمة" (فرنسا وألمانيا)، ووحدة الاتحاد الأوروبي، ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير و... طبعا النفوذ العالمي لأميركا.

الكتاب والمحلل السياسي البريطاني المعروف باتريك سيل كتب في مجلة "جون افريك" يقول إن معجزة وحدها كانت كفيلة بمنع الولايات المتحدة من شن الحرب وتوجيه آلاف الصوريخ والقنابل والمدرعات باتجاه بغداد، والهدف المعلن توجيه صدمة عنيفة ومدمرة للنظام العراقي تمنعه من البقاء على قيد الحياة، لكن وقبل أن تدوي أصوات المدافع تظل مشكلات دبلوماسية معلقة. فرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، الحليف رقم واحد لأميركا، يجد نفسه في وضع حساس جدا.

إذ أن دعمه المطلق لحرب بوش زرع الوجوم في حزبه كما في أوساط الرأي العام البريطاني إذ ان الغالبية الساحقة من مواطنيه اعتبرت الحملة العسكرية خطيرة، غير مبررة وغير شرعية. وحين حاول بلير البحث عن تسوية انعكست اقتراحاته سخطا وغضبا لدى صقور واشنطن أولهم وزير الدفاع رامسفيلد الذي سارع إلى القول إن باستطاعة واشنطن الاستغناء عن المساعدة البريطانية بكل سهولة. وفي حال لم تحقق الحرب انتصارا باهرا، فقد تصبح "العلاقات المميزة" الأميركية البريطانية أولى ضحاياه. ويتوقع أن يتحرك الرأي العام ليرغم بلير أو خلفه على الابتعاد عن واشنطن والوقوف بصلابة إلى جانب الشركاء في الاتحاد الأوروبي.

يضيف سيل: أما النتيجة المتوقعة الأخرى للحرب: فهي أن السيطرة من غير أي تقاسم التي تفرضها أميركا على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، ستجد معارضة متزايدة. فهناك حلف تجسد بين فرنسا وألمانيا وروسيا تدعمه الصين ولو بتحفظ، هدفه إيجاد توازن مع القوة الأميركية عبر إقامة عالم "متعدد الأقطاب". ومبرر وجوده القلق المتزايد الذي أثاره السلوك الاستعماري الجديد لإدارة بوش واطماعها. بل النظرية الأميركية الجديدة القائلة بالعمل الوقائي، بمعنى الحق الذي تدعي أميركا الاستئثار به لمهاجمة بلد ما لا لأنه يمثل تهديدا مباشرا بل لأنه قد يصبح كذلك في المستقبل! ولقد سبق لدبلوماسيين أميركيين أن قدما استقالتهما هما: جون براون من الخارجية وجون برادي كايسلنغ المستشار السياسي بالسفارة الأميركية في أثينا. وقد كتب هذا الأخير في رسالة استقالته إلى وزير الخارجية باول يقول: "ان السياسة التي يطلب منا الدفاع عنها لا تتوافق مع القيم والمصالح الأميركية. إن إصرارنا وتشبثنا على شن الحرب على العراق يؤدي بنا إلى تجاوز الشرعية الدولية، التي كانت في ما مضى، السلاح الأفضل لأميركا. اننا في صدد تفكيك شبكة العلاقات الدولية الأوسع والأفضل التي عرفها العالم يوما".

أما الضحية الأخرى للحرب والتي ظهرت اصلا، يقول سيل، فهي منظمة الأمم المتحدة، وخصوصا مجلس الأمن، إذ ان الولايات المتحدة بإعلانها الحرب من دون قرار من مجلس الأمن بالموافقة عليها، وضعت المنظمة الدولية "خارج الحلقة" موجهة ضربة جديدة إلى ما تبقى لها من نفوذ ومن دور كضمانة للسلام العالمي.

وان الأسلحة المروعة التي تنوي الولايات المتحدة استخدامها ضد العراق ستوقع بالضرورة الكثير من الخسائر في أوساط المدنيين. وبالتالي فمن المتوقع أن يثير الأمر الغضب ضد أميركا في العالم العربي الإسلامي، ولما لا يثير بالأكثر سخط الرأي العام القومي الإسلامي بما يؤدي إلى هجمات جديدة ضد اهداف أميركية: وفي هذه الحال، لن يعود هناك من اميركي في العالم يشعر بالامان.

ويتابع سيل: لا شك في أن الحرب ضد العراق هي اساسا حرب من أجل النفط. وبالتالي فالمهمة الأولى للقوات الأميركية ستكون وضع اليد على حقول النفط. يبقى أن نعرف ما إذا كان الأميركيون أو العراقيون هم الذين يستغلون النفط العراقي بعد الحرب. ولا نعرف كذلك إذا كانت ستقدم أي تناولات مهمة لشركات أجنبية. لكن وحتى في هذه الحال سيكون بالتأكيد للأميركيين حصة الأسد فيها.

يتابع سيل: من الواضح أن الولايات المتحدة تنوي احتكار فوائد إعادة اعمار العراق. وقد طلبت إدارة بوش من شركات أميركية كبرى مثل بيتشل وهاليبورتون التقدم بعروض من أجل عقود اعمار ضخمة تتجاوز مئات ملايين الدولارات من الأرجح ان يتم دفعها من حساب الموارد النفطية العراقية. (يذكر أن نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني شغل منصب المدير العام لشركة هاليبورتون طوال خمس سنوات).

ومن الأرجح يتابع سيل أن تثير الحرب ضد العراق نزاعات أخرى. فتركيا مثلا، لم تخف نيتها في احتلال شمالي العراق لوضع حد لأي محاولة استقلال للأكراد، ولا سيما لمنعهم من الاستيلاء على حقول النفط في كركوك والموصل، فلذلك يخشى من مواجهات عنيفة بين القوات التركية والأكراد.

يضاف إلى ذلك، فإن حركات تمرد قد تحصل في عدد كبير من العواصم العربية. ففي مصر، يخشى أن تؤدي الأزمة العراقية

إلى مواجهات بين الجيش والحركات الإسلامية. ولن يكون أي بلد عربي بمنأى عن تداعيات الأزمة، والأردن قبل غيره. وبالطبع يختم سيل سيكون لموجة الصدمة ترددها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وان "خريطة الطريق" نحو الاستقلال الفلسطيني التي رفضتها حكومة شارون قد اصبحت فعليا طي النسيان. في وقت تستمر فيه "إسرائيل" بعمليات الاقتحام الوحشية في الأراضي الفلسطينية وتواصل تدميرها للمنازل. كما يخشى أن يعمد شارون، وتحت غطاء الحرب، إلى الذهاب أبعد من ذلك فيلجأ مثلا إلى قتل عرفات أو إجباره على الرحيل في أحسن الأحوال. كما قد يلجأ إلى ترحيل قسم من السكان الفلسطينيين إلى ما وراء الحاجز الأمني أو إلى الأردن أو لبنان

العدد 206 - الأحد 30 مارس 2003م الموافق 26 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً