العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ

استراتيجية التحدي في الحرب العراقية

نشر قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال ميرزا اسلم بيك مقالا عن الحرب في العراق في صحيفة «ذي نيوز» الباكستانية، ونظرا إلى أهميته تقوم «الوسط» بنشره.

أظهر الشعب العراقي إصرارا وثباتا منقطع النظير في مواجهة التفوق الكبير للقوات الأميركية - البريطانية التي أجبرت على التراجع والتردد وطلب تعزيز أعدادها وعتادها، بعد أن أصيبت هي بالصدمة والترويع بسبب المقاومة العنيدة التي أبداها العراقيون بشجاعة وقوة لمواجهة خطة الحرب المحكمة التي تعتبر تاريخية في التركيز واستغلال جميع معطيات العمليات الاستراتيجية، ولايزال من المبكر القول إن التحول في المعركة قد بدأ وذلك نظرا إلى التفوق الكامل الذي تتمتع به القوات الأميركية - البريطانية من الموارد والتكنولوجيا والمرونة والمناورة لاستعادة التوازن، إذ لم تتمكن الضربات المدمرة من كسر عزيمة المدافعين. ومن أجل التوصل إلى تحليل موضوعي لسير المعركة يجب أخذ ما تم التوصل إليه بموضوعية.

هناك مجموعة من الصيغ الجديدة التي يتم صوغها حاليا قد تبرز فيها بغداد العنصر المحفز في إيجاد نظام عالمي جديد يأتي على نهاية القطبية الأحادية وجميع التوترات التي جاءت معها، فالثنائية القطبية في حقبة الحرب الباردة جعلت الضعفاء آمنين، وزوال الاتحاد السوفياتي مكّن الولايات المتحدة من القوة والسلطة المطلقة والتي استخدمتها بتعسف مطلق معتمدة على خبرتها في أفغانستان وعلى التحالف الشمالي، وقد أخطأت الحسابات معتقدة أن عددا من العراقيين سينضمون إليها ويتعاونون في الإطاحة بالرئيس صدام حسين، وأدى عدم حدوث ذلك إلى تراجع وإخفاق على مختلف الأصعدة، فعلى رغم الخلافات التي قد تكون موجودة بين الشعب العراقي وحكامه فإنه لم تحدث أية مراهنة أو تنازل عن كرامة البلاد ووحدتها، ولم تستقبل القوات المهاجمة بالترحيب. وبدلا من ذلك تصاعدت المقاومة الأمر الذي لخبط جميع خطط البنتاغون وقلب حساباتها. من المسلم به أنه إذا فتحت الكثير من الجبهات يصعب تحقيق نصر ساحق، ولكن المدهش أن الولايات المتحدة تجاهلت هذا المبدأ العسكري بدخولها الحرب بشكل متزامن على عدة جبهات، فالدخول في معارك على جبهات كثيرة لا يعبر عن عقلانية وحكمة عسكرية، وفي ظل هذا الوضع فإنه من المؤكد أنهم دخلوا في مستنقع وكابوس يتكبدون فيه الكثير من الخسائر والهزائم، فجميع مخططي الحرب المهرة يدركون حقيقة أن الإعداد للحرب يجب أن يكون دقيقا وموضوعيا حتى يتم كسب الحرب. وأراد الاميركي الدخول فيها وفقا لمبدأ «الحرب تكسب قبل أن تبدأ»، إلا أن التحالف الأميركي البريطاني بدأ يحسب الخسارة والفشل منذ اليوم الأول بالقدر الذي يتقدمون فيه وبالاتجاه نفسه بالقدر الذي يقعون فيه في الأخطاء والتخبط وخيبة الأمل.

لقد استفاد الجيش العراقي من حرب العام 1991م ووضع استراتيجية تقوم على الإحاطة بالمدن والبلدات الكبرى وتحصينها، تاركا الأماكن الشاسعة والمفتوحة من دون أية دفاعات حتى تندفع قوات العدو فيها لتصبح هدفا سهلا لحرب العصابات، ولذلك فإن قوات التحالف لم تتمكن من السيطرة على أي موقع محصن باستثناء أم قصر ما أعاق تقدمهم باتجاه بغداد. وأثبت النظام الدفاعي العراقي نجاعته بشكل كبير من خلال تقسيم البلاد إلى أربعة قطاعات دفاعية، لكل منها قيادة مستقلة تتمتع بالقدرة على اتخاذ القرار بحرية ومواجهة الظروف العسكرية على الأرض، وهي:

قطاع البصرة، وضع تحت قيادة فدائيي صدام، وانضم إليهم المتطوعون.

قطاع كربلاء، وضع ضمن مسئولية العشائر مدعومين بفدائيي صدام والمتطوعين.

قطاع الموصل بقيادة فدائيي صدام والمتطوعين ومن يطلق عليهم المجاهدون، وهم في الأساس تشكلوا من الجماعات الإسلامية، بعضهم قاتل في أفغانستان وتوجه بعد ذلك إلى العراق. ووفقا لتقديرات مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية روبرت تينيت فإن عددهم يتراوح بين 60 و70 ألف رجل من مختلف أنحاء العالم.

قطاع بغداد، مسئولية الحرس الجمهوري مدعوما بعشر فرق مشاة وأكثر من 50 ألفا من فدائيي صدام إلى جانب المجاهدين ليتعدى تعداد القوة المدافعة عن بغداد 350 ألف جندي.

لقد وصلت القوات الأميركية والبريطانية إلى مسافة تبعد 40 إلى 60 كم من بغداد، وقطعت نهر الفرات عند الناصرية وتقدمت باتجاه بغداد، والهجوم الذي كان من المفترض أن يتقدم من الشمال لم يتم بسبب رفض تركيا السماح باستخدام أراضيها. وفي غضون الأيام القليلة الماضية تم إنزال فرقتي مشاة شمال وغرب بغداد وتم ربطها بالقوات المتقدمة من الجنوب، وبذلك يكون هناك أكثر من 100 ألف جندي موزعين ما بين أم قصر وبغداد، وقد تم إرهاق تلك القوات واستنزافها خلال الأيام العشرة الأولى من المعارك، الأمر الذي استدعى تعزيزها بمئة ألف جندي إضافي بدأت بالتحرك للمشاركة في الزحف باتجاه بغداد.

دفاعات بغداد تم تنظيمها على عدة مراحل وطبقات، مدعومة بخنادق حارقة تجعل من الصعب جدا اختراق الطوق، ومن المتوقع أن تأخذ قوات التحالف من سبعة إلى عشرة أيام لتكون جاهزة لمعركة بغداد بقوات تصل إلى 150 ألف جندي بما فيها التعزيزات الجديدة، وهذه القوات على ضخامتها غير مناسبة وغير كافية أبدا للسيطرة على بغداد التي يدافع عنها 350 ألف جندي، لأن القوات المهاجمة تحتاج إلى تفوق بنسبة 5/1 حتى تتمكن من ربح هذه المعركة.

ولن يكون الهجوم على بغداد نزهة للقوات الأميركية والبريطانية، وعندها لن يكون أمامها سوى الاستخدام المكثف لسلاح الطيران بشكل انتقامي. و من دون أدنى شك فإنه سيوقع الكثير من القتلى ويحدث تدميرا كبيرا.

وإضافة إلى ذلك فإن خطوط الإمداد الرئيسية من أم قصر إلى كربلاء إلى بغداد سيقع تحت طائلة نيران قوات حرب العصابات باستمرار، ومع صعوبة الاعتماد على خطوط الإمداد الرئيسية فإنه سيتم نقل التموين والإمداد عن طريق الجو، الأمر الذي من شأنه أن يعوق العمليات، من دون أدنى شك، كما أن الظروف الجوية تبقى عدوا غدارا لا يمكن التنبؤ به، ومع استمرار الحرارة بالارتفاع فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على أداء الجنود والمعدات والأسلحة فائقة التكنولوجيا في وقت يكون فيه الهجوم قد بلغ ذروته.

كما أن المناطق الجبلية والصحارى بمحاذاة الحدود الإيرانية والتركية والسورية والأردنية والسعودية توفر ملاجئ للمجاهدين ورجال حرب العصابات لتأخذ الحرب بذلك أبعادا أخرى، توفر فرصة ذهبية لروسيا للانتقام للهزيمة والإهانة التي لحقت بها في أفغانستان. وسيكون الروس آخر من يضحك على الأميركان للمشكلات التي خلقوها لأنفسهم، عندها ستضطر الولايات المتحدة وبريطانيا إلى اللجوء إلى الخيارات الصعبة، الأول: بدلا من ترك الأمور تنحدر نحو الأسوأ والخروج عن السيطرة فإنهم سيلجأون إلى طلب تعاون الأمم المتحدة للخروج من المأزق بحل يحفظ ماء الوجه، والخيار الثاني: هو خيار ذو طابع نموذجي أناني، وهو ترك الأمور تسير في سياقها، من دون تقديم أية تنازلات خشية أن تفسر بأنها تعبير عن الضعف، وترك الحرب تأخذ مجراها وتتبع ديناميكيتها بما تحمله من عواقب وآثار على المنطقة.

الحرب على العراق ستأتي في نهايتها بتغييرات وأمواج كثيرة على النظام العالمي السائد حاليا، وستنحسر القطبية الأحادية لحساب بروز قوة توازن جديدة متمثلة بفرنسا وروسيا وألمانيا والصين مقابل الولايات المتحدة، وقد تشاهد روسيا انهيار هيمنة الولايات المتحدة في هذه الحرب انتقاما لهزيمتها في أفغانستان، وقد لا يقتصر الأمر على التغيير في بنية القوى العالمية ليتعداه إلى صراع محموم للسيطرة على منابع النفط العراقي في الشمال في الموصل وكركوك، وحيث إن المجاهدين يشكلون أحد العناصر المتنافسة فإن النظام الجيو-اقتصادي العالمي سيتغير في ضوء ميلان العولمة إلى كفة مصالح الدول الغنية والمتنفذة، فإن العالم يقف على مفترق طرق في أن يعدل اقتصاده لصالح الدولار أو اليورو، وهذه فرصة خلقتها هذه الحرب، فقد أصبح التحول وشيكا ومصدره استراتيجية التحدي لدى الشعوب.

ومن أجل توجيه التاريخ الجديد ورسم المستقبل لابد أن تسود الحكمة والفهم وضبط النفس والسماحة كما قال الفيلسوف الكبير وايتهيد: «ملاحقة الحرية من دون عقلية متسامحة هي هزيمة من الداخل»

العدد 214 - الإثنين 07 أبريل 2003م الموافق 04 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً