العدد 222 - الثلثاء 15 أبريل 2003م الموافق 12 صفر 1424هـ

البطالة كابوس يعرض عائلة سامي سمير لفراق جديد محتمل

بعد معاناة دامت 18 شهرا... وتراجيديا لمّ الشمل

مع إطلاق الزخات الأولى من القنابل في اليوم الأول للغزو الأنجلو ـ أمريكي على العراق أُطلقت زغردات خفيفة وعلى استحياء في قاعة مطار البحرين الدولي استقبالا للمواطن سامي سمير الذي عاد من المملكة العربية السعودية عن طريق الأردن ومعه زوجته وابنه نواف ذو العامين وذلك بعد 18 شهرا من فراق قسري لسامي عن زوجته وابنه اللذين اختطفا بواسطة والد زوجته عند ذهابهم إلى السعودية لتبدأ قصة غريبة تابعها الرأي العام المحلي بكل التفاصيل، وهذا الحدث عده البعض إنجازا للعمل الحقوقي في البحرين عموما وللمركز البحريني لحقوق الإنسان خصوصا، الذي تابع القضية بشيء وفير من الحماس والصدق من منطلق الإيمان الشديد بحقوق الإنسان حتى وإن كانت القضية لا تمس إلا فردا أو بضعة أفراد.

«الوسط» أولت هي الأخرى هذا الملف اهتماما خاصا، فمنذ كان سمير لا يجد من يسمعه ثم اعتصامه أمام السفارة السعودية إذ حظي بتعاطف الشارع البحريني إلى أن تبناه مركز البحرين لحقوق الإنسان و«الوسط» كانت تتابع كل التفاصيل التراجيدية المتعلقة بمعاناته التي استمرت طويلا وما كان أحد ليتخيل أنها ستنتهي نهاية سعيدة كما الأفلام العربية القديمة.

التقيناه في مبنى نادي العروبة والعائلة التي تشتت اجتمعت من جديد بفعل ما يكتبه علينا القدر... اقتربنا من تفاصيل مخيفة لم تخلُ من آلام لاتزال تعاني منها هذه الأسرة الصغيرة التي روعها التعصب القبلي والجهل والسلطة الفوقية، لكن صنوف الترويع تلك سرعان ما انقضت لتحل محلها معاناة أخرى أبرزها بطالة الأب الذي مازال والد زوجته يشترط عليه العمل الحكومي أو إرجاع ابنته إليه، كما نص عليه «اتفاق» عودة الأم وابنها الذي عقد في مبنى إمارة نجران.

محطات وجع كثيرة عصفت بالأسرة التي لم تهنأ كثيرا بكونها أسرة كما يفعل كل زوجين جديدين، وعند تلك المحطات توقف الناشطان في المطالبة بحقوق الإنسان وعضوا مركز حقوق الإنسان عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب منذ التداعيات الأولى للقضية... ومعهما ومع سامي سمير وأم نواف دار هذا الحوار...

هل توقعت رجوع أم نواف ونواف إليك مرة أخرى؟

ـ لم اتوقع رجوع زوجتي وابني إليّ، فقد تعبت من إرسال الرسائل والشكاوى إلى كل الجهات: الديوان الملكي ووزارة الخارجية وقسم الشئون الاجتماعية في وزارة العمل وإلى أئمة المساجد وغيرها، ولم أتأثر وحدي فقط بما جرى، فأثناء احتجازي لدى عائلة زوجتي غاب أبي عن عمله 20 يوما بسبب ذلك، ما أدى إلى فصله من عمله، بعد رجوعي كان لديّ أمل لكني يئست بعد ذلك إلى أن دلت إحدى السيدات والدي على عبدالهادي الخواجة ونبيل رجب، ليبدأ فصل جديد في حكايتي.

ويسترسل سامي: «بعد رجوعي بيومين استطاعت زوجتي الاتصال بي بطريقة سرية، وتكرر ذلك في أوقات مختلفة، وتم استدعائي من قبل جهاز الأمن في إحدى المرات بعد ان اتصلت ببرنامج (حياكم معانا) وتم أخذ إفادتي وأقوالي لكني لم أرَ أية فائدة (...) أما وزارة الخارجية فقد كانت تدفع الأمور نحو التهدئة وخصوصا بعد الاعتصام الذي قمت به في المنطقة الدبلوماسية مع مجموعة من المتعاطفين معي».

الزوجة المحررة من بين القضبان

أم نواف... هل نستطيع التعرف على حياتك هناك؟

ـ كانت حياة مختلفة جدا، فلم أكن أخرج من المنزل أبدا، ولم يكن لديّ من أتفاهم معه (...) كنت أشكو لبعض النسوة الموجودات هناك وكن يتعاطفن معي ومتفهمات لمشكلتي لكنهن لا يمتلكن فعل أي شيء، وقد حاول أهلي هناك ترغيبي في الزواج لكني رفضت هذا المبدأ ولم أسكن مع والدي في بيته وإنما سكنت في بيت جدي.

وتضيف: «وجدت هناك بيئة تختلف كثيرا جدا عن البيئة التي عشت فيها في البحرين وهناك فقط عرفت رغد الحياة في البحرين».

سامي... ما نقطة التحول في حكايتك وهل فكرت في أساليب غير قانونية لإرجاع زوجتك؟

ـ نعم، بلغ اليأس بي حدا جعلني أفكر في إرجاع زوجتي بأساليب غير قانونية، لكن خوفي على زوجتي وابني جعلني أقلع عن هذه الفكرة، أما نقطة التحول فهي حينما اتصل بي أمير منطقة الجوف شخصيا وقال لي إننا سنحل الموضوع وتستطيع المجيء وستكون نفقات مجيئك على حسابنا، وهكذا تم استدعائي وذهبت إلى منطقة الجوف برفقة حمد البنخليل وهو سكرتير أول في وزارة الخارجية وهنا أنتهز الفرصة لأتقدم بالشكر إلى وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الذي فتح مكتبه لاستقبالنا ولأمير منطقة الجوف ولحمد البنخليل على جهودهم التي بذلوها في الموضوع.

أيام عصيبة وبعدها اللقاء

أما بخصوص ما حصل لنا في الجوف فقد مكثنا هناك مدة ستة أيام وسكنت مع البنخليل في أحد الفنادق وتم استدعاؤنا لمبنى إمارة الجوف إذ كان والد زوجتي موجودا هناك ودارت معه مفاوضات مرهقة فقد كان صعبا في التفاوض حتى اضطررنا إلى الذهاب إلى المحكمة هناك ليؤكد القضاة لوالد زوجتي أن عقد زواجي كان صحيحا، وبعد ذلك تم الاتفاق على إرجاع زوجتي وابني إليّ مقابل عدة شروط لوالد زوجتي كان أهمها أن يتم توفير عمل حكومي لي، وأنا عاطل إلى حد الآن، وأن أوفر سكنا خاصا لزوجتي وابني، وقد اتصل والد زوجتي بي منذ أيام يطالبني الوفاء بهذين الشرطين وهذا ما لم أستطع تحقيقه... وأتقدم بنداء إلى المجلس الأعلى للمرأة بصفته المسئول عن قضايا المرأة والحفاظ على كيان الأسرة في البحرين أطلب فيه مساعدة المجلس في إيجاد وظيفة مناسبة لي لأن ظروفي صعبة للغاية فأنا أسكن في بيت والدي وعاطل عن العمل، وعدنا إلى البحرين في أول أيام الحرب عن طريق الأردن بعد إغلاق المطار في الجوف بسبب الحرب.

ـ يدخل عبدالهادي الخواجة مقاطعا: «لدي ملاحظة مهمة وهي أن دافع أم نواف إلى الموافقة على الذهاب مع والدها كان أنها كانت من دون جنسية ذلك لأن أباها تركها بعد ثلاثة أشهر من ولادتها واختفى، بعد ذلك أهمل ابنته طوال تلك السنين ولم يدفع شيئا لأجل تربيتها، وقد ذهبت معه لأنها كانت تحاول الحصول على جنسية، وفعلا حصلت الآن على الجنسية السعودية، لكن المفارقة أن الاخوة هناك كتبوا لها في وثيقة السفر بأنها غير متزوجة وهذا يعرضها لمشكلة بحيث لو أنها ذهبت إلى السعودية لن تستطيع الخروج إلا بإذن ولي أمرها ووجود مرافق معها من أهلها».

إنجاز للعمل الحقوقي في البحرين

هل نستطيع اعتبار حل هذه المشكلة من إنجازات العمل الحقوقي في البحرين؟

ـ نعم إذا أضفنا هذه القضية إلى قضية المحرومين من الجنسية وقضية شارع المعارض فسنحصل على مؤشر جيد يفيد بإمكان وصولنا في العمل الحقوقي إلى نتائج، ولكن في المقابل هناك قضايا معقدة ذات صلة بجهاز الأمن مثل قضايا التعذيب وقضية الشهيد محمد جمعة وقضية جاسم سلمان أو قضايا من لم يتم منحهم شهادات حسن السيرة والسلوك وقضية المفصولين من الداخلية ووزارة الدفاع التي بدأت تأخذ طريقها إلى الحل، لكن على رغم ذلك نرى أن مجمل ما يجري يعطينا الأمل ويشجع على الحركة، وأشير هنا إلى نقطة مهمة وهي أن قضية سامي وزوجته وطفله تسلط الضوء على أن من يتعرض لمثل هذه القضايا الإنسانية يتعرض لضغوط مادية شديدة بسبب تفرغه للمشكلة التي يعاني منها وهذا يسبب وجود احتياج مادي كبير (...) يرى الشارع البحريني الآن أن سامي ليس لديه مصدر دخل، وكان في الماضي محتاجا إلى أموال من أجل نفقات المحامي والسفر وهنا أوجه نداء إلى القطاعات الحكومية من أجل مساعدة سامي في الحصول على عمل مناسب له يحول دون تكرار المأساة من جديد.

قضية سامي سمير وزوجته وابنه ذي العامين وعلى رغم كل المؤشرات السعيدة التي رافقت العودة ولمّ الشمل من جديد مازالت تنتظر لحظة النهاية السعيدة بحصول سامي على عمل مناسب يستطيع من خلاله تلبية احتياجات زوجته وابنه اللذين حرما منه وحرم هو منهما طوال 18 شهرا تخللتها آهات وأشواق تكللت باللقاء أخيرا، ولكن حتى تنتهي مكالمات والد نورة الذي مازال يلاحق سامي من أجل تنفيذ شروط اتفاق قبوله إرجاع ابنته إليه لابد لسامي من الحصول على عمل حتى يسود الاطمئنان والاستقرار حياته مع زوجته وابنه اللذين لا يقبلان بفراقه مرة أخرى، وعلى رغم هذه المنغصات تبقى ابتسامة نواف مصدر فرحة وأمل لأبويه، وتفتح باب التعلق بالغد الأفضل... حتى تتحرك الجهات المعنية في البحرين لحسم معاناة هذه العائلة بشكل نهائي تسجل هذه الحالة الفريدة من نوعها بكل تبعاتها طوال الأشهر الماضية نجاحا جديدا من نجاحات العمل الحقوقي في البحرين وتضيف إلى رصيد مركز البحرين لحقوق الإنسان نقطة بيضاء جديدة مع امل متجدد في أن تلقى كل القضايا الإنسانية العالقة الصدى والنتيجة نفسيهما

العدد 222 - الثلثاء 15 أبريل 2003م الموافق 12 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً