العدد 228 - الإثنين 21 أبريل 2003م الموافق 18 صفر 1424هـ

مواهب غنية في كوبا الفقيرة

هافانا - نادين ميسنر 

تحديث: 12 مايو 2017

ربما يعاني الاقتصاد في جزيرة كاسترو الكاريبية، ولكن انتج توحد مواهب محلية وتمويل ثقافي وافر مدرسة للراقصين المشهورين في العالم. اذ يعتبر عالم كوبا بعيدا عن الزحام الخانق في بقية انحاء المعمورة، نجد السيارة كاديلاك القديمة، وقد احدثت صوتا مدويا لا يمكن تصوره في شوارع هافانا. لدى الكوبيين العاديين قليل من النقود ولكنهم يستمتعون بدعم للفنون يعد سخيا نسبيا الى مستوى غير قابل للتصديق. ونتيجة لذلك فإن الرقص الكوبي مثل الموسيقى الكوبية، يجد صدى واسعا في الخارج، ويقومون بتدريب راقصات ماهرات لكسب شهرة دولية مثل كارولوس اكوستا، ومازالوا يتلقون قليلا من الحركة الثقافية في الاتجاه المعاكس، وعلى رغم التركيز على السياحة لسد الفجوة في الاقتصاد الراكد، يبقى الكوبيون منعزلين مع قليل من الافكار عما يجري في كل مكان آخر.

ويعتبر مهرجان الباليه الحؤول الدولي (يقام كل سنتين) في عامه الثامن عشر أحد الجهود التي تعادل ذلك. فقد دُعي فنانون من جميع انحاء المعمورة: مثلا من فرنسا، هولندا، الارجنتين، ايطاليا... الخ.

في افتتاح برنامج المهرجان الأخير في جراند تيرترو دي لا هابانا الانيقة جاء رمز الدعم الحكومي غير المتناهي في هيئة فيديل كاسترو، الذي اختصر كلمته التي تستمر عادة ست ساعات الى 30 دقيقة، والى جانبه أليسيا ألونسو - المصنفة الأولى في الرقص الكوبي - وهي شخصية مألوفة بمنديل توقيعها المزدان بالرسوم وفمها القرمزي العريض، ولدت ألونسو وتدربت في كوبا، واصبحت ملكة الباليه الأميركي من الاربعينات إلى الخمسينات. عادت الى موطنها مع فيرناندو ألونسو (زوجها الأول) وألبيرتو ألونسو (أخ زوجها) وأسست باليه كوبا القومي الحالي في العام 1948.

وقد أخذت مقعدها في المسرح مع زوجها الثاني، بيدرو سايمون، في معطفها وحاشية مهيبة خلفها، أظهرت أليسيا نوعا من التصفيق العفوي كالذي يظهره البريطانيون لملكة بريطانيا.

بلغت تقريبا 83 عاما من عمرها وتعتبر رئيسة صورية تمثل فقط في المناسبات الكبيرة، ولكن تجزم راقصة البالية الكوبية، جينفساي فالديز ان ألونسو مازالت تمتلك طاقة جبارة «لا شيء مهم ينفذ من دون موافقتها - لديها خبرة طويلة ورؤية واضحة لما يمكن ان ينفذ» وبالتأكيد بالنظر والاستماع اليها ستدرك حالا انه ليس هناك مكروه قد اصاب عقلها أو وعيها أو عزمها.

كان هذا وصفا واضحا لحالتها الجسدية والذي يقودنا الى سؤال واحد لا نوجهه طبعا إلى أليسيا ألونسو: هل حالة العمى لديك انت تمثل عائقا خطيرا لك؟. يعرف الجميع انها عميت منذ سنوات ولكن يبدو أن لا أحد يتطرق الى ذلك. يعرف الجميع انه قد يكون هذا بعضا من معجزة سانتريا، عديمة الرؤية، وتستطيع ان تقرر في قضايا فنية بغض النظر عن وضع الألحان الراقصة وأعمال الباليه الاخرى.

ولكي تحرز مكسبا تحتاج إلى بعد هائل وارادة تتحطم دونها العوائق وطموح كبير. وقد ترعرعت تحت نظام سياسي يبجل العمر الكبير ويقود الى ديكتاتوريين أصبحت مثل هذه الشخصية مشوهة، ويتضح ذلك من خلال البرنامج الذي يعرض راقصات شهيرات وقعن في فخ منتجات أليسيا المأسوية.

انها ليست مسألة اقتصاد - كما يفهم من قلة التصاميم. ولكن في الحكم الخاطىء لاعمال المسرح من منتجات الفن الكلاسيكي مثل دون كويكسوت جيسيلي الى نسخة بلانشاين أبولو بخطوات رقص وأسلوب خاطىء كلية.

قد تتعجب لمثل هذه المحاكاة المضحكة والتقليد الزائف ان كانت مؤسسة بلاشيان تعلم عنها أو لا. (ربما يتحولون الى مكفوفين منذ ان اصبح لا اذن للمشاركة خارج كوبا). ومع ذلك اصبح اوسكار تواردو الوسيم احد المواهب الرئيسية للباليه القومي الكوبي.

وقد شكل اعضاء اسرة ألونسو اسلوبا كوبيا بعيدا عن الطرق التقنية الروسية والغربية القديمة، موحدة للمزاج القومي المنبسط ونكهة ثقافية إفريقية واسبانية، الطريقة الكوبية اقرب الى التحليل الطبيعي، اقل تشددا من الاسلوب الروسي المعاصر، أقل ضغوطا ولذلك هي أكثر روعة واناقة وذلك بحسب ما ذكره فالديز، وأضاف «حتى التفاهم بين الذكور والاناث من الراقصين مختلف وسهل» بمشاهدة اداء فالديز جيسل مع اكوستا تجد تجربة رزينة وهادئة. ربما يكون الاستديو حارا، رطبا ورديئا ولكن هؤلاء النجوم يبدو أنهم لا يكترثون لذلك، العناية الدقيقة والالتزام الكامل بالفن تظهر من الاماكن المتواضعة.

وكمهنة يعتبر الراقصون ربما اكثر حظا من كثير من الآخرين في كوبا، على الاقل انهم سيجدون عملا سواء تدريس وتدريب الرقص أو ادائه. وبجانب الباليه القومي هناك شركات رقص كلاسيكي، حديث وفلكلوري، وهناك الكثير من مدارس الباليه في غالبية الاقاليم الكوبية، فالمدرسة القومية الواقعة في احدى أكثر البنايات في هافانا أناقة تم ترميمها وتوسيعها.

وقد اشارت كلمة مهرجان كاسترو الى استيعاب 400 طالب في المدرسة المجددة وزيادة عدد المدارس الاقليمية، يصبح افضل هؤلاء الطلاب راقصين محترفين، يكون آخرون مدرسين، أما الباقون سيصبحون حضورا مثقفين لهذه المهنة. ووسط المجتمع عامة تبدو الامور غير واضحة، اذا تحدثت الى أحد الكوبيين تجده مازال يعتقد في الثورة، بينما تجد آخر قد تحرر من الوهم. بواب الفندق الذي تدرب كطيار في الاتحاد السوفياتي يتحدث لغات كثيرة اذ رجع الى كوبا ليجد أنه ليس هناك وظائف لتدريبه، فهو الآن في سجن جزيرة ولا يمكنه المغادرة. انها التضحية الكاملة، اذ يخضع الفرد الى العقاب الجماعي.

لا أحد يدري ماذا سيحدث للكوبيين اذا مات كاسترو، ولكن عندما تموت ألونسو ستترك نظام تدريب رائع واستعداد واسع لذلك ولكن الذخيرة هي مشكلة كما هو حال الاقتصاد الكوبي.

خدمة الاندبندنت- خاص بـ «الوسط





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً