العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ

ماذا لو تحولت إيران إلى المعسكر الأميركي؟

إلياس حنا comments [at] alwasatnews.com

كاتب لبناني، عميد ركن متقاعد

شكلت الحرب الاميركية على العراق وسرعة حسمها، صدمة للعالم ككل، ولدول منطقة «الشرق الاوسط» تحديدا. فقد اثبتت اميركا انها قادرة على خوض حروب تقليدية ضد دول من الصنف الثاني، والانتصار بسرعة وبالطريقة التقليدية. كما ساعدت هذه الحرب على تظهير الاستراتيجية الاميركية بشكل واضح في منطقة «الشرق الاوسط». فالحرب على افغانستان، كانت مرحلة اختبارية كما يقال في لغة الرياضة، تبعتها مرحلة تسجيل الاهداف الاميركية على المسرح العراقي.

زلزلت هذه الحرب كل الانظمة الأمنية التي كانت معتمدة في المنطقة. والمقصود بالانظمة، هو ليس الانظمة السياسية طبعا. بل تلك القواعد والمبادئ، المكتوب منها، والمضمر، المعلن والسرّي. يفهمها اللاعبون (اي الدول)، ويعملون على اساسها، اما للحفاظ على الستاتيكو، أولضربه. عمل نظام صدام حسين ولمدة 20 سنة على ضرب كل الانظمة الامنية في المنطقة. زعزع الستاتيكو عدة مرات، فدفع الثمن الشعب العراقي اولا، والعالمان العربي والاسلامي ثانيا.

أدت الحرب الاخيرة إلى ضرب النظام الذي كان قائما، وهي حتما سترسي نظاما جديدا، انطلاقا من المبدأ الذي يقول «لكل مرحلة نظامها الخاص بها» فالمساحات تغيرت، وكذلك الامر بالنسبة إلى الادوار، وخصوصا بعد دخول اللاعب الأكبر في العالم شخصيا على المسرح. والخطير في الامر ان هذا اللاعب يدخل من الباب العريض لانه منتصر عسكريا.

اجتمع وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق للتباحث في نتيجة الحرب، علهم يستنبطون حلا للمستقبل. والجديد في الامر، والعجيب في الوقت نفسه، ان المجتمعين راحوا يطلقون على القوات الاميركية، صفة «قوات الاحتلال»، في وقت توجد فيه هذه القوات على ارض اكثر من دولة ممثلة في الاجتماع. لكن الاكيد، ان هذا الاجتماع يعكس قلق هذه الدول على ادوارها في المنطقة، والثمن المطلوب منها دفعة لمرحلة «ما بعد الحرب».

باختصار، تبدو المرحلة الحالية وما تشهده من حركة دبلوماسية مكثفة، وكأنها مرحلة تظهير النظام الامني الاميركي الجديد للمنطقة. ويبدو السلوك الاميركي وكأنه يسير بطريقين: الاول يقوم على تثبيت الانتصار في العراق، والثاني، يتجه نحو القضية الفلسطينية وخريطتها.

أقلقت التصريحات الايرانية الاخيرة تقريبا كل العرب، وخصوصا انها اتت من اعلى المراجع السياسية في ايران. فقد صرح الرئيس محمد خاتمي بالآتي: «اذا تعرضت سورية لهجوم من اميركا، فإن ايران ستدافع عن سورية، لكن هذا لا يعني اننا نريد خوض نزاع عسكري مع الولhايات المتحدة.. وإذا ما غيرت اميركا من سلوكها تجاه ايران، فقد يصبح من الممكن ان تغير ايران سلوكها تجاه اميركا». هل تعني هذه الرسائل الايرانية ان السفارة الاميركية ستفتح ابوابها غدا في طهران؟ طبعا لا، لكنها قد تؤسس وتساعد على فهم صورة المرحلة المقبلة فيما يخص العلاقة الايرانية - الاميركية. لذلك يطرح السؤال الآتي، ماذا لو انتقلت ايران إلى المعسكر الاميركي؟ وماذا عن الوضع الايراني الحالي؟

- عايشت الثورة الاسلامية في ايران حوادث بالغة الاهمية في المحيط المباشر لها. فهي شهدت سقوط الدب الروسي، بعد ان كان متورطا في المستنقع الافغاني. وحاربت الغزو العراقي لاراضيها. وكذلك راقبت عن بعد الغزو العراقي للكويت. كما اقلقها الحضور العسكري الاميركي المستمر في منطقة الخليج، وخصوصا بعد الحرب على العراق العام 1991. وعانت ايضا من الاحتواء المزدوج إلى جانب العراق. وعايشت الحرب الاميركية على افغانستان، بعد ضربة 11 سبتمبر/ ايلول. واخيرا وليس آخرا، هاهي اميركا في القلب العراقي. إذ أصبحت ايران مطوقة من كل الجهات بالقوات الاميركية المعادية.

- على رغم ان الثورة تعتبر الاهم في نهايات القرن العشرين، فإنها بقيت ثورة من دون مطامع توسعية. فبغض النظر عن بعض الخلافات مع الامارات المتحدة على الجزر الثلاث، فإن ايران الثورة لم تسع إلى حروب توسعية كما فعل العراق. فهي تجاور 7 دول لكل منها مشكلاتها الخاصة، من افغانستان، باكستان، اذربيجان وحتى ارمينيا، وكلها لديها مشكلات. استطاعت ايران ان تحافظ على وحدة اراضيها على رغم هذه المخاطر. باختصار كانت ايران تريد تعميم الثورة على العالم الاسلامي، ومساعدة المحرومين، لكن من دون مطامع في الارض. لا بل على العكس، كانت كل الدول المجاورة لها، تحتضن مجموعات مناهضة للثورة.

- في ظل هذا الوجود الاميركي في المنطقة، صرح وزير الدفاع الايراني علي شامخاني في العام 1997، ان ايران تسعى إلى تأمين ما يسمى بـ «الدفاع الرادع». أي بمعنى آخر اعتماد استراتيجية دفاعية بشكل يجعل الثمن على المعتدي كبيرا جدا، فلا يقدم على الاعتداء عليها. فهي دولة لديها جيش متخلف تقريبا، لم يتم تحديثه منذ سقوط الشاه، وذلك بسبب الحظر عليها ووضعها تحت المجهر. وهي تسعى إلى النووي، والكل يحاول منعها، وخصوصا اميركا و«اسرائيل».

كيف يبدو الوضع الإيراني حاليا؟

تبدو ايران مطوقة ومحتواة اميركيا من كل الجهات. وهي محرومة من لعب الدور الاقليمي، الذي من المفروض ان تلعبه، وهي فعلا لعبته ايام الشاه. فهي دولة اقليمية كبرى، لها وزنها الجغرافي، كما الديموغرافي. وهي دولة نفطية من الطراز الاول. وهي على لائحة «محور الشر»، وقد تكون هدفا مستقبليا. وهي حاليا متهمة من اميركا بانها ترسل انصارها إلى العراق لعرقلة الجهود الاميركية. وتبدو ايران وكانها تستغل الواقع العراقي، نظرا لامتدادها المذهبي هناك لتفتح الابواب على الحوار مع الولايات المتحدة. فالعراق الحالي يفتقر إلى الزعامات السياسية وذلك بسبب القمع الذي كان يمارس من قبل نظام صدام حسين. والاكيد في هذا الإطار ان الزعامات وكي تقوم وتتشكل، يجب ان تتوافر لها الظروف من كل النواحي، وهذا لم يكن مسموحا ايام الرئيس صدام. من هنا نلاحظ ان العباءة الدينية تستوعب حاليا كل المسرح السياسي. بمعنى آخر، كل الحركة السياسية الحالية في العراق هي تحت العباءة الدينية. لذلك كان دور ايران مؤثرا. تعرف ايران ضمنيا، ان العراق المستقبلي هو عراق ذو طابع اميركي. وهي لا تقلق من توازن القوى معه على رغم الحروب المتعددة معه. ولكن قلقها من ان التوازن المستقبلي سيكون مع الاميركي في العراق. فالاميركي، هو الضابط للوضع وعن قرب. وهي تعي بالعمق ان اميركا ستبقى إلى اجل غير مسمى في العراق، لان خروجها سيقلب المنطقة ويضعها على كف عفريت. وهي تعرف ضمنيا ايضا شيعة العراق، هم شيعة عرب، يريدون عراقا موحدا. وهم المستقبل وسيلتفتون إلى مصلحة العراق. لذلك تحاول ايران حاليا وبسبب الفراغ السياسي المخيف، لعب دور معين تحاول من خلاله تحقيق هدفين هما: الاول، التأثير في صورة النظام السياسي في العراق ودور الشيعة فيه. الثاني، هو محاولة فتح باب الحوار مع اميركا كي تؤمن مصالحها ودورها المستقبلي في المنطقة، وإفهام اميركا ايضا ان الاستقرار في العراق يمر حتما عبر طهران. من هنا كان الموقف الايراني من الوجود الاميركي في العراق، خلال اجتماع وزراء خارجية الدول المحيطة بالعراق، الذي عقد الاسبوع الماضي.

كيف تستفيد إيران اذا ما انتقلت إلى المعسكر الأميركي؟

- قد تستفيد من الدور الاقليمي الذي تريد لعبه. وقد يشطب اسمها من لائحة «محور الشر»، فلا تعود هدفا اميركيا في المستقبل. بالاضافة إلى فك الاحتواء عنها.

- قد تستعيد ايران الاموال المجمدة لدى المصارف الاميركية. وتصبح محطة لرؤوس الاموال للاستثمار وهذا الامر هو الذي ينقذها من ورطتها الاقتصادية. كما يفتح لها الباب الخلفي بالاتجاه الافغاني - الباكستاني والهندي لتنفيذ مشروعات خطوط النفط والغاز.

- قد تصبح ايران لاعبا اساسيا في المنظومة الامنية الاقليمية التي تحاول اميركا ارساءها في المنطقة بعد ازاحة نظام صدام. وقد تكون اللاعب الاساسي في موازين القوى، بدل ان تكون البلد المستهدف.

- واخيرا وليس آخرا، قد تصبح مركز ثقل المثلث الذي تسعى اميركا لاقامته والمؤلف (اي المثلث) من: تركيا، «اسرائيل» والهند. في هذا المثلث، تكون ايران مركز الثقل والتواصل.

من المستفيدون من التحول الإيراني إذا حصل؟

- عقلانيا، تبدو ايران المستفيد الأكبر. تليها الولايات المتحدة، والتي ستعزز حتما من وجودها في المنطقة من خلال اضافة لاعب اقليمي جديد إلى صفها، فتصبح المنطقة كلها اميركية من دون بؤر مشاكسة.

- تستفيد «اسرائيل» كثيرا من هذا التحول. فهي تزيح لاعبا خطرا من امامها بعد ان ضربت اميركا العراق واحتلته. من خلال التحول، ستراقب «اسرائيل» وتضبط، عبر اميركا البرامج النووية الايرانية. لذلك نلاحظ سعي ايران حاليا إلى التنقيب عن اليورانيوم داخل الاراضي الايرانية، وذلك بعد ان وقعت مع روسيا على ضرورة ارسال البقايا النووية التي تنتجها المفاعلات (التي بنتها روسيا)، إلى روسيا، وذلك بدل إعادة تكريرها في ايران الامر الذي يسمح لهذه الاخيرة بتصنيع القنبلة النووية مستقبلا.

من الخاسرون؟

- العرب كل العرب، وعلى راسهم سورية حاليا. فهي تخسر عمقا استراتيجيا مهما ، بعد ان خسرت العراق، وتصبح مستفردة كثيرا، ما يركز الجهد الاميركي كله عليها.

- يصبح العرب مطوقين من قبل المثلث الاستراتيجي الذي تحدثنا عنه، ليصبحوا هدفا سهلا.

- قد تستهدف باكستان وخصوصا في بعدها النووي. فهي ومن الجهة الاميركية تعتبر تقريبا دولة ساقطة وغير ثابتة.

هل سيكون هذا التحول الايراني غدا؟

- طبعا لا، فالدول لا تغير سياستها بين عشية وضحاها وخصوصا اذا كانت من الوزن الايراني. فلا بد من مسار منطقي للتحول، وخصوصا اذا كان تحولا كبيرا. فعلى الحكام ان يقنعوا شعوبهم بسبب هذا التحول، وتحديدا في ايران الثورة، التي مسخت صورة «العم سام» تحت شعار «الشيطان الأكبر»، منذ عقدين من الزمن. فايران لا يمكن لها ان تكون دولة ملحقة بالاجندة الاميركية التي تسيطر عليها «اسرائيل». وهي تعي ان اميركا واذا ما احبتها، فهي ستبقى مغرومة بالدولة الصهيونية، وانها ومهما حصل ستبقى ممنوعة من حيازة السلاح الذي يجعلها م

العدد 234 - الأحد 27 أبريل 2003م الموافق 24 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً