العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ

فلننهل من معـين الصمود الفلسطيني

محمود حسن جناحي comments [at] alwasatnews.com

-

منذ أن دنس جنود الحملة البريطانية أرض فلسطين الطاهرة العام 1917 بعد هزيمة الدولة العثمانية، ومنذ أن دخل الجنرال اللنبي (قائد الحملة) القدس الشريف وهو يردد (اليوم انتهت الحروب الصليبية)، منذ ذلك الحين والشعب الفلسطيني البطل لم يتوقف لحظة واحدة عن الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن العقيدة والأرض والعرض سواء ضد الجيش البريطاني المحتل، أو ضد قطعان المهاجرين اليهود الذين بدأوا في التوافد على فلسطين بأعداد كبيرة. ولعل حوادث ابريل/نيسان العام 1920 دليل على مدى استعداد الشعب الفلسطيني لتلبية نداء الواجب تجاه الدين والوطن. ففي تلك السنة تحرش اليهود أثناء احتفال لهم بالعرب، وحاولوا خطف العلم العربي وإهانة حامله، فدارت معركة بين العرب من جهة، والجيش البريطاني واليهود من جهة ثانية، وحاصرت القوات البريطانية مدينة القدس، واستمرت المعركة مدة خمسة أيام، سقط خلالها من اليهود تسعة قتلى، ومن العرب أربعة شهداء مع إصابة 250 جريحا.

ثورة البراق 1929

شملت هذه الثورة معظم مناطق فلسطين دفاعا عن الحق الإسلامي في حائط البراق، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى الذي يطالب اليهود بامتلاكه باعتباره حائط المبكى الذي يقدسونه. وقد حصلت معركة عنيفة عند ممر البراق، إذ قام العرب بهجمات على مجموعات مسلحة من اليهود، أسفرت عن 28 قتيلا، وسقط من العرب 13 جريحا، وكانت المعركة تدور في أحياء القدس، من شارع إلى شارع، واستمرت المعركة طوال يوم 23 أغسطس/آب من العام 1929. ثم سرت أنباء الثورة، فقامت معركة في الخليل سقط فيها 60 يهوديا، فأسرعت قوات الاحتلال إلى توزيع السلاح على الرعايا البريطانيين وآلاف اليهود المدربين. واندلعت المعارك في ضواحي الخليل، كما نشبت معركة جديدة في مدينة صفد سقط فيها تسعة من اليهود. واستمرت المعارك والاضطرابات وأعمال المقاومة عدة أيام، استدعت بريطانيا خلالها قوات من خارج فلسطين، بما في ذلك سرب من الطائرات، كانت تحلق فوق المسجد الأقصى والمسلمون يؤدون صلاة الجمعة. وقد أمر المندوب السامي البريطاني باعتقال مئات من الشباب العرب، وصدر الحكم بإعدام بعض المشايخ الذين قادوا الثورة : محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، كما حكم بالسجن المؤبد على 23 مجاهدا، وعلى 187 عربيا بالسجن لمدد مختلفة، وفرضت غرامات مالية على عدد من القرى العربية، وحددت إقامة كثير من الزعماء العرب المسلمين في أماكن نائية من فلسطين، بينما لم يحكم على يهودي واحد بالإعدام في تلك الحوادث.

حركة القسام 1930- 1935

أسس الشيخ المجاهد عزالدين القسام تنظيما جهاديا سريا يستمد تعاليمه من الإسلام، وكان إماما وخطيبا لمسجد الاستقلال في حيفا منذ 1925. وكان يلتقي تلاميذه في مسجد حيفا الكبير إذ كانت دروسه في إحياء الجهاد والحث على التصدي للإنجليز واليهود. وبدأت المنطقة تشهد أعمالا بطولية، وقامت جماعة القسام بعدد من العمليات العسكرية الموجعة، وخصوصا في الفترة من 1930 إلى 1932. وفي العام 1935 باع القسام بيته الوحيد في حيفا، وباع أصحابه حلي زوجاتهم وبعض أثاث بيوتهم، ليوفروا السلاح والذخيرة، واختفوا عن الأنظار يجاهدون في الأحراش والجبال. وفي العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1935 طوقت قوات كبيرة من الشرطة تقدر بـ 400 رجل معظمهم من الإنجليز، طوقوا القسام ومعه عشرة من إخوانه في أحراش (يعبد) في منطقة جنين، واستمرت المعركة أربع ساعات ونصف الساعة، قتل خلالها من الإنجليز خمسة عشر، واستشهد القسام واثنان من أصحابه وأسر الباقون. وقد أحدث استشهاد القسام ورفاقه هزة عنيفة في فلسطين، فشيع جنائزهم حوالي ثلاثين ألفا من الأهالي، قدموا إلى حيفا من مختلف أنحاء فلسطين.

منظمة الجهاد المقدس 1934

تشكلت هذه المنظمة العام 1934 برئاسة المجاهد عبد القادر الحسيني في القدس، الذي التقى الشيخ المجاهد الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين العام 1935، فدعاهم المفتي إلى توحيد الجهود لتقوية الصف الفلسطيني، وكان لهذه المنظمة وقيادتها أثر قوي في حركة الجهاد ما بين 1935 و1948.

الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 - 1939

كانت ثورة عارمة، شملت المدن والقرى، استدعى الإنجليز خلالها قوات إضافية من مصر، بما في ذلك الطائرات والدبابات. وهذه بعض حوادثها: تركزت العمليات في شمالي فلسطين ولواء نابلس، إذ كان لأتباع القسام وجود مكثف، وقد تمكن المجاهدون من قتل (أندروز) الحاكم البريطاني لمنطقة الجليل، وقد كان للمجاهد القائد فوزي القاوقجي دور بارز في قيادة العمليات... تولى قيادة منطقة القدس عبدالقادر الحسيني، وكان للحاج أمين الحسيني دور رائد في تنظيم وتمويل الثورة... قدم المجاهدون مئات الشهداء والجرحى، وقدموا أروع النماذج في البطولة والفداء. من ذلك قصة تلك العروس الشابة التي لاحظت حزن زوجها لأنه لا يجد بندقية يشارك بها في الجهاد، فباعت بيتها الذي ورثته عن والدها، واشترت بثمنه سلاحا وذخيرة، وشجعت زوجها (محمود شحادة النابلسي) على اللحاق بالثورة، فأسهم بشجاعة وبطولة حتى استشهد في معركة وادي الطواحين يوم 13 يوليو/تموز 1936.

معركة القسطل واستشهاد الحسيني 1948

اشتدت المعارك بعد صدور قرار التقسيم المشئوم العام 1947، واستمرت الملحمة الفلسطينية، وسقط المئات من الشهداء. وكان البطل عبد القادر الحسيني وأصحابه يقاتلون حول القدس، وحرروا القسطل في الثامن من ابريل 1948، وقتل من اليهود ما يزيد على 350، إلا أن نفاذ الذخيرة واستشهاد القائد الحسيني، واستعانة اليهود بالمصفحات البريطانية مكنت اليهود من احتلال القسطل.

دور المجاهدين العرب في حرب 1948

وتجددت الملحمة في هذا العام، وتذكر الناس بطولات الرعيل الأول من الصحابة والتابعين، والقادة الفاتحين، إذ دخلت أفواج المجاهدين لتكون عونا وسندا لإخوانهم من أهل البلاد. فكانت البطولات التي سطرها الشيخ محمد فرغلي وإخوانه من مصر، والشيخ مصطفى السباعي وإخوانه من سورية، والشيخ عبداللطيف أبو قورة وإخوانه من الأردن، والشيخ محمد محمود الصواف وإخوانه من العراق. وهاهي معارك عسلوج والنقب وصور باهر والقدس وغيرها تشهد على بطولات أولئك النفر الذين حققوا ما عجزت الجيوش العربية النظامية عن تحقيقه.

السبعينات والثمانينات

لم تخل هذه الفترة من أعمال الجهاد والمقاومة. فعلى سبيل المثال تشكل تنظيم عسكري العام 1979 في فلسطين المحتلة العام 1948، ونفذ هذا التنظيم عشرات العمليات العسكرية ودمر الكثير من المنشآت الاقتصادية اليهودية، واكتشف أمر هذا التنظيم العام 1980 واعتقلت السلطات الإسرائيلية أكثر من 60 شابا. وصرح مستشار بيغن للشئون العربية (غور أريه) بأنه «لو لم تكتشف أمر هذه الحركة في الوقت المناسب لتعرض أمن «إسرائيل» ومستقبلها الخطر عظيم». وفي قطاع غزة تأسست مجموعة أخرى العام 1984 بزعامة الشيخ أحمد ياسين، اكتشفتها السلطات الإسرائيلية فيما بعد.

الانتفاضة المباركة

ثم جاءت الانتفاضة الأولى العام 1987، والثانية العام 2000 لتثبت أصالة الشعب الفلسطيني البطل. جاءت الانتفاضة لتقول للعرب أولا، ثم للعالم أجمع ان التسكع والانتظار أمام البيت الأبيض والكونغرس الأميركي ليس بالنهج الرشيد، وان الجهاد هو السبيل لتحرير الديار. وقد جاء إعلان ولادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ليعطي زخما قويا لنضال الشعب العربي الفلسطيني المسلم، وها هي ضربات كتائب القسام، ومعها الجهاد وكتائب الأقصى ترينا أن هذا الشعب الكريم لايزال على العهد. إن الدماء الطاهرة التي روت أرض فلسطين في اليرموك وأجنادين وحطين وعين جالوت، وتلك الدماء التي سالت من أمثال القسام والحسيني وحسن البنا، وهي الدماء التي تجري في عروق أبناء فلسطين اليوم، هي التي علمت هذا الشعب أن يجاهد، وأن يسطر بدمائه الزكية ملحمة الصمود الفلسطيني

العدد 241 - الأحد 04 مايو 2003م الموافق 02 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً