العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ

وداعا أبا ملاك

هاني الفردان hani.alfardan [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هو الشخص الثاني من جيلي يودع الدنيا صغيرا في عمره، كبيرا في فكره وعطائه، وإخلاصه لمبادئه واعتقاده، لم يساوم يوما ولم يهادن لحظة ولم يسلم لغير ما يراه صحيحا في عقله وباطنه.

هذا الإنسان كان شاعرا وكاتبا وسياسيا وقبل كل ذلك إنسانا بمعنى الكلمة، ولد وعاش فقيرا ومات فقيرا إلى ربه. عاش متعففا مخلصا لمجتمعه قاتَلَ بقلمه وأبيات شعره من أجل نصرة الحق الذي كان يراه صوابا حتى وإنْ حاربه الجميع في ذلك.

كثيرون من البشر عاشوا ما عاشه جعفر كتاب وماتوا ولم يذكرهم أحد، وقليلون من هم تخلدهم الأيام والأقلام لا لشيء فعلوه سوى أنهم تملقوا وصعدوا على أكتاف الآخرين، ولكن أولئك المنسيين باقون ببقاء عملهم في الدنيا، شامخون صارخون بما ابتدعوه حبا في الله، خالدون في فكر الفقراء من أمثالهم.

أبو ملاك كان واحدا من أولئك المسحوقين المعدمين في هذا العالم، إلا أنه بقى شامخا رافعا رأسه دوما، يقول: «عبَّرْتُ عن آلامي وآلام المجتمع من خلال شعر المناسبات»، لم يكن له ديوان حتى الآن وكان يحلم بأن يؤرخ مسيرة عطائه التي دامت 24 عاما في ديوان يحفظ ما كتبه من الضياع، لم أجد شيئا أعبِّر فيه عن عزيمة وصلابة أبي ملاك سوى تلك الأبيات التي كتبها ويعتز بها، لتعكس حالة التذمر الذي كان يعيشه على واقعه المر دائما:

سرح الخيال وهاج بي التذكارُ

وتلاطمت في خاطري الأفكار ُ

وشرعت إبحارا على أمواجها

ما عاقني عصفٌ ولا إعصار ُ

متوقدا هاج القصيد بأضلعي

فتفجرت من داخلي الأشعارُ

أبو ملاك من جيل التسعينيات، عاش آلام تلك الحقبة وصعابها وسجونها، فانعكست بأدبياتها على كل ما كان يكتبه ويقوله، ولربما يمكننا أن نقول إنه كان من أحد أبرز أدباء تلك الحقبة بشِعْرِه، فما تنفك مناسبة حتى يستغلها لنشر فكره السياسي الذي كان يؤمن به كما يؤمن به جيل كبير بأسره ممن كان في سنِّه أو أقرب إلى ذلك.

كان ملتزما في كتابة قصائده بخط فكري يؤمن به ولم يخشَ أية سلطة ولا أيّ أحد حينما يدافع عن أفكاره وعن المبدأ التي كان يؤمن به، وبذلك عرف وودع الدنيا، فليس غريبا أن تجد تلك الحشود مجتمعة لوداع من أحب الجميع وأخلص لهم، وليس غريبا أن تجدهم متألمين لفراقه، متزاحمين على نظرة أخيرة لوداعه.

إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"

العدد 2241 - الجمعة 24 أكتوبر 2008م الموافق 23 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً