العدد 250 - الثلثاء 13 مايو 2003م الموافق 11 ربيع الاول 1424هـ

إيران... ولبنان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

زيارة محمد خاتمي للبنان ليست الأولى. سابقا زار خاتمي لبنان مرارا قبل أن يتحمل مسئولية رئاسة الجمهورية.

زاره وزيرا للثقافة، ومبعوثا للامام الخميني... كذلك قام بإلقاء سلسلة محاضرات ونشر مقالات عدة في صحف لبنانية حين استقال من وزارة الثقافة وانتقل الى صفوف المعارضة العاقلة التي ترى في اللعبة الدستورية الطريق الأفضل للتعبير المطلوب في ايران الثورة.

علاقة خاتمي بلبنان تشبه الى حد كبير علاقة ايران الدولة بدولة لبنان وشعبه، فهناك خصوصية لبنانية في العلاقتين وهي خصوصية تاريخية تمتد الى مئات السنين حين لعب شيوخ وعلماء جبل عامل (جنوب لبنان) في إحداث عملية تغيير في شخصية ايران المذهبية والثقافية. فلبنان في الحسابات الايرانية الداخلية يتمتع بخصوصية من الصعب قراءة ما يماثلها الآن إلا في بلدين عربيين: العراق والبحرين.

زيارة خاتمي للبنان مهمة وان كانت مقررة قبل سنة... ولكنها جاءت الآن في ظروف انقلابية تشهدها المنطقة سواء على مستوى التكيف مع الاستراتيجية الهجومية الأميركية أو على مستوى الضغوط التي تشهدها أكثر من عاصمة عربية في اطار التداعيات العامة لفترة ما بعد الحرب على العراق واحتلال ارضه وكيانه السياسي.

توقيت الزيارة أعطى أهمية استثنائية للعلاقة الثنائية الخاصة بين الدولتين. فلبنان من الداخل الايراني يتميز بجملة معطيات تطمح الدولة في طهران إلى قراءة ايجابياتها في محاولة للاستفادة منها في تطوير نموذجها السياسي وتحديدا تلك المتعلقة بمسألة التعددية ووحدة التنوع والاختلاف الطائفي والمذهبي ووسائل التعايش المتبعة في الدستور والحياة البرلمانية اللبنانية.

ولبنان الدولة بحاجة أيضا إلى إيران. فإيران بالنسبة إلى التوازن الداخلي صاحبة تأثير على قطاع واسع من اللبنانيين ونفوذها يتعدى أكثر من طائفة ومذهب نظرا إلى تلك الخصوصية في تنوع العلاقات بين الطرفين. فتاريخ الصلات التي تعود الى أيام الدولة الصفوية أعيد انتاجها مرارا في سياقات سياسية مختلفة تمثلت كل محطة منها بسلسلة من التأثيرات المتبادلة على درجات متفاوتة من الشئون الثقافية والفكرية.

علاقة خاتمي بلبنان بدأت سياسية وتحولت مع الأيام الى صلات فكرية وثقافية. فشهرة خاتمي خارج الحدود الايرانية بوصفه مفكرا وصاحب منهج فلسفي انطلقت من لبنان حين زاره وزيرا سابقا للثقافة وحاضر في جامعاته وأنديته وترجمت مقالاته وكتبه الى العربية وطبعت في بيروت ووزعت في مختلف الأقطار العربية. فخاتمي يكنُّ للبنان الكثير من المشاعر وتغلب في علاقته الجوانب الثقافية على السياسية فهو يرى في لبنان بلد الحضارات المتنوعة ومنه انطلقت في المشرق العربي (بلاد الشام) فكرة حوار الحضارات والأديان نظرا إلى خصوصية لبنان في هذا الشأن.

الى الجوانب الثقافية هناك الجوانب السياسية. فلبنان يشكل تقليديا المتنفس الحيوي لايران حين حوصرت الثورة وطوقت من أكثر من جانب وجهة. فكان لبنان محطة للدفاع عن الكثير من الايجابيات الأمر الذي انعكس على مجالات الاقتصاد والتبادل التجاري والعلمي وبعثات الطلبة من والى ايران.

زيارة خاتمي مهمة ومن الصعب اختصارها في بند واحد: حزب اللّه.

حزب الله هو عنوان من عناوين العلاقة الخاصة بين البلدين إلا أن اختزال الصلة الى لون واحد يعطل الكثير من الرؤية التاريخية للجوامع المشتركة التي تربط البلدين على مستوى الدولة لا الأحزاب.

حزب الله عنوان مهم في خصوصية العلاقة الا أنه ليس البند الوحيد على جدول أعمال الصلات التي تجمع الطرفين على مختلف القضايا الحيوية، فالصلات عميقة تتجاوز الاحزاب والسياسة لتطول الكثير من العناوين والبنود الاخرى.

لاشك في أن لبنان يمر في ظروف اقتصادية صعبة ويتعرض لضغوط نفسية وسياسية قاسية من الولايات المتحدة اعتمادا على نظرية الانتقام التي يحملها رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون.

شارون يريد الانتقام من لبنان لتلك الهزيمة التي انزلها حزب الله بالعدوان الصهيوني والاحتلال الاسرائيلي الذي امتد من العام 1982 الى العام 2001.

وأميركا أيضا تريد كسر تلك التجربة حتى لا تتحول الى عنوان جديد تستفيد منه المقاومة المدنية العراقية لوقف عملية التطبيع مع الاحتلال الأميركي واحتمال انتقال الممانعة الى مستوى أعلى في المواجهة العراقية الأميركية المتوقعة في حال طالت فترة الاحتلال لبلاد الرافدين.

أميركا اذا تريد التعتيم على تجربة المقاومة اللبنانية والتغطية عليها حتى لا تتحول الى نموذج يحتذى في العراق.

وشارون ينتظر تلك الاشارة الأميركية للانتقام من لبنان (حزب الله تحديدا) ورد الاعتبار المعنوي لجيش الاحتلال الاسرائيلي من خلال توجيه ضربات للمواقع والمراكز والتجمعات الأهلية والثقافية والسياسية بذريعة ملاحقة منظمات الارهاب وشبكات الارهابيين.

موضوع حزب الله لاشك أنه سيكون محطة من محطات المواجهات السياسية الاقليمية المقبلة في لبنان. الا أن القول بأن الحزب المذكور هو حالة ايرانية في لبنان يجانب الحقيقة. فالحزب هو اساسا حالة لبنانية وقيامه جاء ردا على الاحتلال الاسرائيلي لذلك من الصعب قراءة ظاهرة المقاومة الا في سياق تحولات داخلية انتجت قوة سياسية رادعة للعدوان الاسرائيلي.

والولايات المتحدة تدرك أن معالجة هذه الظاهرة لا تبدأ في ايران ولا تتم في دمشق.

فالظاهرة لبنانية وقراءة نموها خارج هذه الدائرة ليس كافيا لفهم تجربة حزب الله وامتدادات المقاومة الى عمق الاجتماع اللبناني من جنوبه الى شماله. وأكبر خطأ قد ترتكبه واشنطن اذا اختزلت حزب الله بعنوان واحد هو ايران. كذلك من الخطأ تصور أن علاقة لبنان بإيران يمكن اختصارها في بند واحد هو حزب الله.

العلاقة اللبنانية - الايرانية قديمة العهد وتعود الى مئات السنين قبل ظهور حزب الله في العام 1883 - 1984. فالعلاقة المذكورة متشعبة الصلات منها السياسي ومنها التقليدي ومنها الثقافي ومنها الاقتصادي... وخاتمي في هذا المعنى هو: الرجل - الرئيس، والرئيس - المثقف، الذي يكثف تنوع تلك العلاقة بين البلدين والدولتين.

وقراءة زيارة خاتمي للبنان يجب أن ننظر اليها من هذه المستويات المختلفة وهي المستويات ذاتها التي تربط بيروت بطهران

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 250 - الثلثاء 13 مايو 2003م الموافق 11 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً