العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ

جولة خاتمي العربية وردع الإرهاب والحرب بالمطر!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

ان يقوم الرئيس الإيراني محمد خاتمي بجولة عربية تبدأ من لبنان وتمر بسورية ثم اليمن والبحرين في هذه اللحظة الزمنية بالذات يعني ان الإيرانيين نجحوا في كسر طوق العزلة الذي كان مقررا ان يضيق عليهم أكثر فأكثر بعد العراق، كما نجحوا ليس فقط في إعادة صوغ تحالفاتهم التقليدية التاريخية والاستراتيجية، بل ان يفتحوا آفاقا جديدة في سياستهم الخارجية. الذين يقولون بهذا يستندون الى الوقائع والحيثيات الآتية:

أولا: بعد ان وضعت الحرب على العراق أوزارها شرعت الإدارة الأميركية مباشرة بخطة ما بات يعرف بـ «ردع الثلاثي الأخطر» الذي ليس فقط لم يكن متعاونا مع واشنطن في حربها على العراق بل كان مناكفا لها طوال الوقت.

ولما كانت إيران هي الدولة الأكثر استهدافا من غيرها في تلك الخطة باعتبارها الضلع الثاني في «محور الشر» الأميركي بعد العراق، فإن التحرك الإيراني «السلس» دبلوماسيا تجاه دولة مهمة في المنطقة «الشرق أوسطية» و«الخليجية» يعني ان طهران نجحت بمجرد إنجاز الجولة في خرق الطوق الأول من الحصار.

ثانيا: لما كان من المعروف ان الأميركيين لا يريدون لإيران أي دور شرق أوسطي، لاسيما في مرحلة «خريطة الطريق» الفلسطينية، فإن مجرد زيارة لبنان الناجحة بحشدها الجماهيري المنقطع النظير إضافة الى الاجماع الرسمي والحكومي والحزبي والنخبي اللبناني حولها، متبوعة بسورية الممانعة تجاه «خريطة طريق» سورية - إسرائيلية، يعني ان إيران استطاعت ان تصبح حقيقة واقعة وعلى بعد «شمرة عصا» من مزارع شبعا والجولان أحب الأميركيون أم لم يحبوا. ما يجعل المدى الحيوي الاستراتيجي للأمن القومي الإيراني عند حدود فلسطين المحتلة.

ثالثا: لما كان الأميركيون يستهدفون فيما يستهدفون في خطتهم الردعية ضد ثلاثي لبنان - سورية - إيران عزل حزب الله عن جبهة اسناده الخلفية المتمثلة بشكل رئيسي في طهران، فإن زيارة ناجحة للرئيس الإصلاحي محمد خاتمي بالذات للبنان كرّست عمليا الدور الإيراني الاسنادي لإيران تجاه الحزب المذكور وليس لعب دور في نزع سلاحه أو تشجيعه على ذلك كما كان يروج الأميركيون. ذلك لأن خاتمي قال وبالحرف الواحد للأمين العام لحزب الله الشيخ حسن نصرالله إنكم - أي «المقاومة الإسلامية» - «المكافحون الحقيقيون للارهاب وليس الذين يتهمونكم به، لاسيما ارهاب الدولة المنظم، وبالتالي من واجب الأمراء في العالم دعم مقاومتكم المشروعة، مقابل الخطر الآتي من المحتلين والعدوانيين».

رابعا: لما كان من جملة أهداف الخطة الردعية الأميركية عزل إيران عن سورية وبالعكس، أي تفكيك التحالف الاستراتيجي التاريخي بين البلدين وجعل واحد منهما يدافع عن أمنه القومي انطلاقا من أسوار عاصمته فإن مجرد قيام خاتمي بزيارة سورية والتشاور معها في هذه اللحظة يعني نجاح الخطة الإيرانية البديلة، وخصوصا إذا ما علمنا بأن خاتمي قد تعرض لضغوط شديدة خارجية وداخلية من أجل عدم وضع سورية ضمن جولته الراهنة، حتى ان بعض المتدثرين بعباءته من القوميين الإيرانيين كانوا قد نصحوه بتأجيل زيارته لكل من لبنان وسورية مدة ستة أشهر على الأقل إذا كان لابد من زيارتهما معا، لكن خاتمي أبى إلا الالتزام بالإجماع القيادي الإيراني بخصوص ضرورة الحفاظ على العمق الاستراتيجي مع سورية ولبنان.

خامسا: يبقى ان زيارة خاتمي لكل من اليمن والبحرين وما تعنيه الامتدادات أو التداعيات الإقليمية والدولية لهاتين المحطتين لاسيما المنامة التي يمكن ان تلعب دورا مهما ومتزايدا مع الأيام في حركة إيران التوازنية نحو الخارج الإقليمي والدولي، فإنها هي الأخرى اختيار موفق للخطة الزمنية في إطار كسر خطة الاستراتيجية الأميركية الردعية ضد إيران.

سادسا: وأخيرا وليس آخرا فإن اختيار الحكمة والدراية اللازمتين في التعامل مع الملف العراقي الشائك بعد سيطرة القوات الأميركية على الوضع في العراق، واعتماد سياسة «الكر والفر» الدبلوماسية في مواجهة الخطة الأميركية لعزل العراق عن محيطه العربي والإسلامي، وذلك من خلال استخدام «الممانعة السورية» الى جانب «المماشاة الخليجية» في لعبة الكر والفر الإيرانية المذكورة إنما يمكن تسجيله شهادة بامتياز لمطبخ صناعة القرار الإيراني.

وهذا الموقف الإيراني الذي حاول تلخيصه الرئيس محمد خاتمي في محاضراته المتعددة في المحافل الثقافية في لبنان إذ اعتمد سياسة الرفض الواضح والشفاف لكل من الإرهاب والحرب معا، وكما طلب في إحدى محاضراته مستوحيا من شاعر العراق الكبير بدر شاكر السياب، ان يصلي العالم صلاة الاستسقاء «من أجل العراق ومن أجل كل أرجاء المعمورة التي يلفها الجدب والقحط القاسي» كما قال مناديا الجميع بالترديد بملء الفم:

مطر، مطر، مطر... سيعشب العراق بالمطر

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 252 - الخميس 15 مايو 2003م الموافق 13 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً