العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ

في علم الهيئة

«علم الهيئة» هو علم ينظر في حركات الكواكب الثابتة والمتحركة والمتحيزة، ويستدل من تلك الحركات على أشكال وأوضاع للأفلاك لزمت عنها لهذه الحركات المحسوسة بطرق هندسية، كما يبرهن على أن مركز الأرض مباين لمركز فلك الشمس بوجود حركة الإقبال والإدبار، وكما يستدل بالرجوع والاستقامة للكواكب على وجود أفلاك صغيرة حاملة لها متحركة داخل فلكها الأعظم، وكما يبرهن على وجود الفلك الثامن بحركة الكواكب الثابتة، وكما يبرهن على تعدد الأفلاك للكوكب الواحد بتعداد الميول له، وأمثال ذلك, وإدراك الموجود من الحركات وكيفياتها وأجناسها إنما هو بالرصد فإنا إنما علمنا حركة الإقبال والإدبار به، وكذا تركيب الأفلاك في طبقاتها، وكذا الرجوع والاستقامة وأمثال ذلك. وكان اليونانيون يعتنون بالرصد كثيرا ويتخذون له الآلات التي توضع ليرصد بها حركة الكوكب المعين وكانت تسمى عندهم «ذات الحلق» وصناعة عملها والبراهين عليه في مطابقة حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي الناس. وأما في الإسلام فلم تقع به عناية إلا في القليل. وكان في أيام المأمون شيء منه وصنع الآلة المعروفة للرصد المسماة «ذات الحلق» وشرع في ذلك فلم يتم ولما مات ذهب رسمه واغفل. واعتمد من بعده على الأرصاد القديمة وليست بمغنية لاختلاف الحركات باتصال الأحقاب وأن مطابقة حركة الآلة للرصد بحركة الأفلاك والكواكب إنما هو بالتقريب. وهذه الهيئة صناعة شريفة وليست على ما يفهم في المشهور أنها تعطي صورة السماوات وترتيب الأفلاك والكواكب بالحقيقة بل إنما تعطي أن هذه الصور والهيئات للأفلاك لزمت عن هذه الحركات وأنت تعلم انه لا يبعد أن يكون الشيء الواحد لازما لمختلفين. وإن قلنا إن الحركات لازمة فهو استدلال باللازم على وجود الملزوم ولا يعطي الحقيقة بوجه على انه علم جليل وهو أحد أركان التعليم. ومن أحسن التأليف فيه كتاب المجسطي منسوب لبطليموس. وليس من ملوك اليونان الذين أسماؤهم بطليموس على ما حققه شراح الكتاب. وقد اختصره الأئمة من حكماء الإسلام كما فعله ابن سينا وأدرجه في تعاليم «الشفاء» ولخصه ابن رشد أيضا من حكماء الأندلس وابن السمح وابن الصلت في كتاب «الاقتصار». ولابن الفرغاني هيئة ملخصة قربها وحذف براهينها الهندسية والله علم الإنسان ما لم يعلم سبحانه لا إله إلا هو رب العالمين. ومن فروعه «علم الازياج»، وهي صناعة حسابية على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب من طريق حركته وما أدى إليه برهان الهيئة في وضعه من سرعة وبطء واستقامة ورجوع وغير ذلك يعرف به مواضع الكواكب في أفلاكها لأي وقت فرض من قبل حسبان حركاتها على تلك القوانين المستخرجة من كتب الهيئة. ولهذه الصناعة قوانين كالمقدمات والأصول لها في معرفة الشهور والأيام والتواريخ الماضية وأصول متقررة من معرفة الأوج والحضيض والميول وأصناف الحركات واستخراج بعضها من بعض يضعونها في جداول مرتبة تسهيلا على المتعلمين وتسمى الازياج. ويسمى استخراج مواضع الكواكب للوقت المفروض لهذه الصناعة تعديلا وتقويما وللناس فيه تآليف كثيرة للمتقدمين والمتأخرين مثل البتاني وابن الكماد. وقد عول المتأخرون لهذا العهد بالمغرب على زيج منسوب لابن اسحق من منجمي تونس في أول المائة السابعة. ويزعمون أن ابن إسحق عول فيه على الرصد وان يهوديا كان بصقلية ماهرا في الهيئة والتعاليم. وكان قد عني بالرصد وكان يبعث إليه بما يقع في ذلك من أحوال الكواكب وحركاتها فكان أهل المغرب لذلك عنوا به لوثاقة مبناه على ما يزعمون. ولخصه ابن البناء في آخر سماه «المنهاج» فولع به الناس لما سهل من الأعمال فيه، وإنما يحتاج إلى مواضع الكواكب من الفلك لتنبني عليها الأحكام النجومية وهو معرفة الآثار التي تحدث عنها بأوضاعها في عالم الإنسان من الملك والدول والمواليد البشرية كما نبينه بعد ونوضح فيه أدلتهم إن شاء الله تعالى والله الموفق لما يحبه ويرضاه لا معبود سواه.

* مؤرخ وصاحب «المقدمة» الشهيرة

العدد 1581 - الأربعاء 03 يناير 2007م الموافق 13 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً