العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ

«ملائكة البعث» و«شياطين الصفوية»

أسطورته في البحرين... جمعيات سياسية أم سفارات لحلم الوطن الكبير باسمه (الحلقة الأولى)

«طبعا في التنظيم البعثي أنت أينما كنت فإنك منخرطٌ في التنظيم بشكل اعتيادي وتلقائي، فحينما تكون في العراق تعمل وحينما تكون في السعودية أو مصر فأنت أيضا جزء من العمل التنظيمي. أنا على سبيل المثال لا أعرف عن التنظيم البحريني البعثي معلوماتٍ وافية؛ لأن كل نشاطي انصب في التنظيم العراقي. القيادة في البحرين على سبيل المثال نصف أعضاء قيادتها ليسو بحرينيين! (...) ليس هناك هذا النوع من التقسيم القائم على الانتماء الجغرافي للعضو أبدا، أنت عربي وانتماؤك يجب أن يكون باتساع وشمولية الوطن العربي».

غازي الموسوي في شهادته على تاريخ البعث في البحرين

حزب البعث هو الجناح القطري لحزب البعث في «العراق»، أسسه فؤاد الركابي في 24 يوليو/ تموز من العام 1958، زارهم مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق في بغداد مهنئا وداعيا إلى انضمام العراق إلى الجمهورية العربية المتحدة (سوريا ومصر) آنذاك. الحزب الشيوعي حينها نادى بعبدالكريم قاسم زعيما للعراق. وانتهى الأمر. في العام 1963 قام حزب البعث بانقلاب على نظام عبدالكريم قاسم. خلافات عدة عصفت بجناحي البعث «المتشدد» و«المهادن». ها هو عبدالسلام عارف نهاية العام 1963 يُسقِط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق ويعيّن البكر أحد الضباط البعثيين نائبا لرئيس الجمهورية.

انقلابات عدة، كلهم مهووسون بالسلطة، أكذوبة هذا «البعث» بصدق. وفي 30 يوليو من العام 1968 عيّن أحمد حسن البكر رئيسا لمجلس قيادة الثورة ورئيسا للجمهورية وقائدا عاما للجيش، وأصبح صدام حسين في العام 1972 نائبا له. في يونيو/ حزيران العام 1979 أصبح صدام حسين رئيسا للجمهورية العراقية بعد إعفاء البكر من جميع مناصبه وفرض الإقامة الجبرية عليه في منزله. وفي يوليو من العام 1979 قام صدام حسين نفسه بحملة إعدامات واسعة طالت ثلث أعضاء مجلس قيادة الثورة وأكثر من 500 عضو من أبرز أعضاء حزب البعث العراقي.

مضت الأيام... على العراق والعراقيين، وفي يوم السبت 30 ديسمبر/ كانون الأول من العام 2006 ها هو صدام حسين يقف على مقصلة الإعدام جراء جرائمه بحق الشعب العراقي كافة، يحيط برقبته حبل الموت العتيق. وكان قبل ذلك قد استخرج من باطن الأرض كالجرذ. أُهين صدام، وأُهين البعث. سقط صدام حسين على الأرض. انتهى. انتهت أسطورة البعث في العراق، وبقت فلولها تقتات الموت هناك. باسم الإسلام تارة، وباسم القومية العربية ومقاومة المحتل تارة أخرى. لكنها أسطورة، مالنا في البحرين ومالها. آخرون يعتقدون أن للأسطورة امتداداتٍ عدة هنا، وفي كل مكان. حاكم الكويت إبان احتلال العراق الكويت العام 1990 كان أحد امتدادات أسطورة البعث العربية.

هل كان صدام حسين يخطط للاستحواذ على كامل دول الخليج العربي؟ وهل كانت فرق /أقطار/ تنظيمات البعث هنا سفارات هذا الامتداد الذي كان من المقرر له أن يأتي؟ وهل كانت امتدادات حزب البعث في البحرين امتدادات سياسية عسكرية أم امتدادات تبشيرية فقط؟ ما قصة البعثات التبشيرية بالبعث، التي دفعت كلفها حكومة العراق البعثية لناشطين بعثيين في البحرين ليقوموا بالتبشير بالبعث في الهند والبحرين؟ وما قصة القروض التي كان يقدمها أحد المصارف العراقية في البحرين إلى بعض البعثيين من دون أن يسترجعها؟ أسئلة عدة، ويستعاض عن الإجابة عنها - مؤقتا - بالتبشير الإعلامي عن خطر آخر يسمونه المد «المجوسي» تارة، و «الصفوية» تارة أخرى.


البعثية... امتداداتها الفكرية

يوصف البعث بأنه مزيج ملفق من الاشتراكية والقومية العربية. ويمانع القوميون كثيرا في أن يصنف التاريخ السياسي للبعث – وخصوصا حقبة صدام حسين - بأنه تاريخ للحركة القومية العربية، لكن نقاط التلاقي الكثيرة بين الايديولوجيتين جعلت الفصل بين التيارين البعثي والقومي أشبه ما يكون بالفصل بين أخوين سياميين. ويصنف «البعث» بأنه فكرة عَلمانية التوجه، وأنه يقر بالفصل بين الدين والسياسة على أنه يستخدم أبجديات الخطاب الديني مرجعية تاريخية للمرتكز «العربي» الذي خرجت منه دعوة البعثية أصلا. واصطدمت هويته العَلمانية في بداياته الأولى مع الحكومات العربية المختلفة منذ تأسيسه حتى اليوم. ولم تتبقَ من أسطورة البعث اليوم إلا التجربة السورية، إلا أنها تجربة سياسية بدأت تميل ميلا واسعا عن الأنموذج البعثي في خطاباته التأسيسية، يأتي ذلك وفق معادلة الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها عاصمة البعث العربية الوحيدة (دمشق) من جهة، ووفق لعبة سيطرة «العسكر» على الحزب كما يذهب البعثيون أنفسهم.

رفع الحزب في أيامه الأولى شعار «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة»، أما أهدافه فهي «وحدة، حرية، اشتراكية». وترمز «الوحدة» إلى اتحاد الأقطار العربية، و «الحرية» إلى الحرية من القيود الأوروبية، وتحرر الأقطار العربية منها. تم تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي بصورة رسمية عند انعقاد مؤتمره الأول في دمشق في 7 أبريل/ نيسان من العام 1947، وأصدر حينها مجلة «البعث»، واندمج حزب البعث مع الحزب العربي الاشتراكي في حزب واحد هو «حزب البعث العربي الاشتراكي»، وتخللت هذه الفترة حكومة الوحـــدة برئاسة جمال عبدالناصر (1958 - 1961).

بعدها تكونت حكومة الانفصال برئاسة ناظم القدسي. ومنذ ذلك الحين أصبحت سورية تحت حكم حزب البعث. يعتمد الحزب في ايديولوجيته على شعار توحيد جميع الدول العربية في دولة واحدة وتبني المنهج الاشتراكي وهو ما جعل الشكوك تتزايد حول القيادات القطرية للحزب في البلدان العربية الأخرى، وهو ما حوّلها - كما يعتقد كثيرون - كنقاط ارتكاز سياسية وعسكرية إلى مد عسكري تخرجه القيادة المركزية، وهو ما تدعمه مجمل الخطابات السياسية بين هذه الجمعيات والأحزاب، والقيادة المركزية لحزب البعث الاشتراكي.

إلا أن أهم المشكلات التي واجهت حزب البعث العربي الاشتراكي منذ بدء تأسيسه هي، الأولى: «عدم وجود منهج وبرنامج عمل علمي واضح المعالم يمكن تنفيذ أفكاره على الأرض فبقي أسير أهدافه التي بقيت شعاراتٍ لم تجد من ينفذها على بساطتها ويسر تحقيقها». والثانية: «تبنيه أسلوب تنظيم الأحزاب الشيوعية»، وهو ما صنف من قِبل كثير من المحللين بأنه «أشبه بالتنظيمات الاستخبارية منها إلى التنظيمات السياسية، معتمدة على أكبر قدر من الاستقطاب الحزبي للمنتمين إلى الحزب من دون الاهتمام بنوع العناصر وتأثيرها الاجتماعي»، الثالثة: «أن مجمل الفكرة القومية في التأسيس النظري لم تكن فكرة عربية خالصة، بل تركية!، وقبلها كان ظهور القومية العربية ليس أكثر من ردة فعل على نشوء القومية الأوروبية (فيخته).

امتد البعث إلى البحرين إبان الستينات والسبعينات، سواء أكان مصدر هذا الامتداد بغداد أم دمشق أم حتى القاهرة. وكانت لهذه الامتدادات الكثير من الفعاليات السياسية التي شهدتها المنطقة والبحرين خصوصا طوال الفترة الماضية من تاريخنا السياسي. تشير الكثير من الشهادات إلى أن البعثيين في البحرين كانوا من أكثر الفئات الخليجية فاعلية في الحركة البعثية، بل إن امتدادات البحرين في حزب البعث أسهمت في أن يتبوأ الكثير منهم أوسمة عراقية خاصة، وأوشحة عدة من قِبل صدام حسين شخصيا، وسيكون لنا في الحلقات القادمة أن نعرض شهاداتٍ مباشرة في هذا السياق.

شاهد من أهلها...

أشار غازي الموسوي في شهادته على تاريخ البعث العربي الاشتراكي في البحرين للزميلة صحيفة «الوطن» إلى الكثير من النقاط المهمة في نشوء تجمعات وامتدادات حزب البعث العربي الاشتراكي في البحرين. أما الأهم من شهاداته التي كانت تصب في توصيف حال الاندماج والتفاعل مع دعوة البعث، فينحصر في محاولاتنا الإجابة عن أحد الأسئلة المركزية وهو: هل كانت هذه التجمعات والجماعات البعثية في البحرين خصوصا والخليج عموما مشروعاتٍ سياسية وعسكرية، أم مجرد امتدادات فكرية وثقافية؟

يقول الموسوي في شهادته: «قد تكون في البحرين قيادة فرقة وليس فرعا؛ نظرا إلى محدودية عدد الأعضاء في هذا البلد، والتقسيم من الأدنى إلى الأعلى يكون كالآتي: فرقة فشعبة ففرع ثم قُطر، وهذا يعتمد على حجم الانتشار في أي موقع، فلا يصح على سبيل المثال المقارنة أو القول إن فرع قيادة بغداد يشبه فرع قيادة المنامة... أنت هنا تتحدث عن قطرة ماء وتقارنها ببحر متلاطم الأمواج». لابد أن توضيح هذا التقسيم التسلسلي من القطر إلى الفرقة يشير بلا أدنى شك إلى أن التسلسل تنظيمي بالأساس. وهذا التنظيم يقتضي أن يكون ثمة توافقٌ سياسيٌّ بين القطر والفرقة على الأصعدة والنقاط كافة. وهذا ما يؤكده الموسوي نفسه حين يقول: «لم أسمع أن هناك خلافا جرى بين القيادة القومية والقيادة المحلية في البحرين، نعم في حال وجود اختلاف في التقييم بشأن حدث ما تتم دعوة القيادة المحلية إلى مناقشة الأمر». الذي نستشفه من هذه الشهادة هو أن أعضاء القيادة المحلية – أيا تكن تسميتها السياسية وفق القوانين المحلية في البحرين – ملزمون بالتوافق مع القيادة المركزية وفق نظام البعث في أبعاده التأسيسية أصلا.

تحضر هنا لنا الكثير من الإشارات المثيرة للجدل، منها: أن مجمل بنية الخطاب السياسي في رسائل التعزية - التي تعودت إحدى الجمعيات السياسية في البحرين إرسالها إلى الحزب العربي الاشتراكي في حالات الوفاة لأيٍّ من أعضاء البعث العربي - يتصف بأنه ينزاح ليمثل خطابات التابع للمتبوع، المرؤوس للرئيس، الفرع للقيادة. وسنفرد مساحة جيدة لتحليل إحدى هذه الرسائل الصادرة عن هذه الجمعية.

العلاقات التاريخية للبعث العراقي مع البعث في البحرين علاقات مباشرة، والكثير من الشهادات التي بين أيدينا تشير إلى ما هو أبعد من ذلك.

يقول الهاشمي في شهادته: «شهادة للتاريخ أقولها إن صدام حسين - كما عرفته - رجل نبيل بكل معنى الكلمة، عالي الخلق، دمث متواضع، ومستمع جيد، كنا نجلس سوية في الصف مع مجموعة من الطلبة للحديث كما كان يتردد على رابطة طلبة البحرين في القاهرة، وكان يسكن على مقربة من مقر الرابطة، وكان يجلس مع أصدقائه البحرينيين الكثيرين، فكثير من رجالات البحرين اليوم هم من الذين كانوا في القاهرة مطلع الستينات من العام 1961 حتى 1963 يعرفونه جيدا ويعرفهم جيدا بالاسم، وكان يسأل عنهم ومن هؤلاء: (...) و(...) و(...) و(...)، كان يأتي إلى الرابطة ويسأل بهدوء «شلونكم» وكان يضحك من غير قهقهة».

ويقول الموسوي: «وقد قرأت في كتاب أصدره الدكتور إلياس فرح عن تاريخ البعث وهو كتاب ضخم يقع في 15 جزءا ويذكر شيئا عن (...) مثلا كما كان شقيقه (...) مديرا لمكتب الاتصال القومي أي بدرجة مدير مكتب الأمين العام للأستاذ ميشيل عفلق، وكل صلات الأمين العام بالمنظمات الحزبية داخل الوطن العربي والمنظمات الطلابية العربية في الخارج والجاليات العربية في الخارج تتم عن طريق مكتب الاتصال القومي، فهو منصب لا يقل - في أهميته - عن منصب عضو القيادة القومية. هذا الرجل توفي وأستطيع أن أتكلم عنه بكل حرية وحدث بيني وبينه حديث وعرفت منه هذا الحقائق». تشير شهادة الموسوي إلى أن البعثيين البحرينيين لم يكونوا اعتياديين في ارتباطاتهم البعثية ألبتة، وأن مساهماتهم وصلت - فيما وصلت إليه - إلى أن تكون مركزية وصولا إلى القيادة القومية، إذ يوضح الموسوي ذلك بدقة أكبر عبر قوله: «سمعت عن أناس - ولا أستطيع أن أقطع بصحة ذلك - أن هناك من وصل من البحرينيين إلى عضوية القيادة القومية ومنهم قيادة قطر لبنان، كما أن هناك كثيرين ممن كانوا أعضاء في قيادة فرع القاهرة ولكني لا أستطيع البوح بأسماء ربما لا يرتضي أصحابها الإفصاح عن انتماءاتهم السابقة أو الحالية».


البعثيون... ليسوا عربا

في زاوية أخرى، لا يخفى أن عددا كبيرا من دعاة القومية والبعثية - على حدٍّ سواء - هم في الأساس ليسوا عربا، وهو ما يثير في الغالب الكثير من الأسئلة التي لم تحضَ بنصيبها من النقد والتمحيص حتى الآن. واقع الحال أن بعضا من دعاة القومية العربية - مثل ساطع الحصري - لم يكونوا عربا منذ البدء، كذلك الحال بالنسبة إلى البنية النظرية التي قامت عليها القومية العربية أولا ومن ورائها فكرة البعث، والتي تظـــهر اشـــتغالاتها من بنية غربية صِرفَة مثل فيخته وبسمارك. يقول الهاشمي وهو يدل على ذلك: «كثير من البعثيين في الســـابق والحاضر صاروا قياداتٍ في التنظيم على رغم أن أصولهم إيرانية». وهو ما يثير علامة استفهام مركبة، بشأن دعوات التحذير من الصفوية والمد المجوسي القادم من لدن كثير من دعاة البعث في العراق والبحرين على حد سواء. البعض يعتقد أن دعوات «الصفوية» و «المد المجوسي» إنما هي امتدادات انتقامية لحالات قهر تاريخيــــة لدى الكثير من الإيــــرانيين الذين استعربوا، وهـــو ما نلحظه في التنظيمات الإسلامية أيضا، وخصوصا لدى مجموعات الإخوان المسلمين في الخليج، الذين تنتهي أصولهم في الغالب إلى أصول إيرانية. وسيكون لنا في هذا الباب خلال الحلقات الأسبوعية القادمة حديث «مطول».


الصفويون... مرجعيات تاريخية وقراءة «النقد» الديني سياسيّا

«تشيّع التشيع العلوي ثورة كربلاء بينما تشيّع التشيّع الصفوي مصيبة كربلاء».

علي شريعتي

يؤرخ الباحثون التاريخيون الصفويين إلى سلالة تركمانية حكمت في بلاد فارس (إيران) من العام 1501 حتى 1722. وكانت حاضرتهم آنذاك تبريز حتى العام 1548، ثم قزوين من العام 1548 حتى 1598، وأخيرا أصفهان منذ العام 1598.

أسس الشيخ صفي الدين الأردبيلي (1252 - 1334) طريقته الصوفية في أردبيل (أذربيجان) العام 1300. وأصبحت أردبيل بعدها عاصمة دينية ثم سياسية لأتباعه. وتحول أبناء هذه الطائفة منذ منتصف القرن الخامس عشر إلى المذهب الشيعي.

نجح الصفويون في الوصول إلى الحكم أثناء زعامة جنيد (1447 - 1450) ثم حيدر (1460 - 1488)، اللذين استطاعا إنشاء تنظيم سياسي وتكوين وحدات خاصة من الجيش، أو القزلباش (القزل باش أو الرؤوس الحمراء نسبة إلى التاج أو العمامة الحمراء التي يرتديها أتباع الطريقة الصفوية، وتربط العمامة باثنتي عشرة لفة تلميحا إلى الأئمة الاثني عشر).

تولى شاه إسماعيل (1501 - 1524) منذ العام 1494 زعامة التنظيم وقام بالدعوة إلى المذهب الشيعي، واستولى على مناطق غيلان (گيلان)، وواصل في الأعوام بين 1499 و1501 توسعه حتى شمل كامل بلاد فارس. وأقر المذهب الشيعي الاثني عشري مذهبا رسميا للدولة.

وبعد مرحلة اضطرابات كثيرة، استقر حال الدولة أثناء عهد عباس الأول (1587 - 1629). وقام الأخير في العام 1601 بضم البحرين وكامل الساحل الشرقي من جزيرة العرب، واستولى على أذربيجان في العام 1603، ثم شيراز، أرمينية وأجزاء من أفغانستان في العام 1608. أما في عامي 23/1624 فقام بضم العراق وكردستان مرة أخرى. داخليا، قام عباس الأول بإصلاحات شاملة في الجيش وعمَّر مدينة أصفهان وجعل منها أهم مدن العالم في تلك الفترة. وبعد موته خلفه على العرش حكام كانوا في الأغلب ضعيفي الشخصية.

عاشت الدولة مجدها الأخير أثناء عهد عباس الثاني (1642 - 1666)، الذي كثف من التبادل التجاري مع الدول الأوروبية عن طريق الشركات التجارية العاملة في المنطقة. وقام في العام 1648 بضم أجزء جديدة من أفغانستان إلى دولته. عرف اقتصاد البلاد مرحلة تقهقر متسارعة أثناء عهد الشاه حسين (1694 - 1722). ومنذ العام 1719 بدأ زحف الأفغان (سنيون) يهاجم مملكة الصفويين، فاستولوا على أصفهان في العام 1722، وقاموا بخلع الشاه حسين ثم أعدموه في العام 1726.

اليوم، يستند الكثيرون ممن يحاولون إرجاع أسطورة الصفويين على مقولات رئيسية للمفكر الإيراني الشيعي علي شريعتي، الذي أهتم بنقد ما أسماه بالتشيع الصفوي، ومن أقواله: «الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية، والمذهب الشيعي حيث تولدت آنذاك تيارات تدعو إلى إحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية(...) وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع، وتمجيد الأكاسرة».

غالبية القراءات التاريخية عن المرحلة الصفوية تشير إلى قاعدتين رئيسيتين إستندت عليهما الصفوية، الأولى تفضيل العجم على العرب، أما الثانية فهي إدخال الكثير من البدع والخرافات في المذهب الشيعي، وثَبُتَ تاريخيا أن الدولة الصفوية لم تكن يوما من الأيام إيجابية في المطلق مع العرب الشيعة.

ويشير صباح الموسوي في الكثير من قراءاته التأسيسية إلى أن السلوك الثقافي للصفويين لم يكن مذهبيا، وإن كان ملازما التشيع - باعتبار المذهب الشيعي آنذاك المذهب الرئيسي للدولة - بل إنه كان سلوكا شعوبيا بامتياز، وأن مجمل الإنتاجات والآداب كانت تنحصر في «زرع بذور العنصرية والكراهية في نفوس أبناء أمتها تجاه العرب».

يركز شريعتي في قراءاته للصفويين على اعتبارهم سلطة سياسية استطاعت أن تخلق واقعا معرفيا ثقافيا يضمن لها البقاء والقوة، وهو ما قوبل على صعيد النظرية بفكرة «التسنن الأموي»، فالتسنن الأموي أيضا لم يكن في بدء نشوئه تطورا دينيا أو ثقافيا، بقدر ما كان تطورا سيسيولوجيا - إن صح التعبير- كان الهدف منه الحفاظ على السلطة وقمع الشيعة والعلويين في البلاد العربية.

الملاحظ أيضا، أن إيران اليوم تهاجم بشراسة تركة الصفوية في إيران، وأهم صور ذلك تلك العادات السيئة مثل: (ضرب القامة) في ذكرى عاشوراء. وهو ما يوضح أن الصفوية لم تكن إلا حالا من حالات الحضارات الفارسية البائدة، وعلى رغم ذلك تأبى بعض الأقلام المشبوهة (والمرتبطة بتقرير مثير للرأي) إلا أن تلصق الشيعة في البحرين في سياق امتدادات وهمية للصفوية، المقبورة أ صلا في إيران نفسها.

العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً