العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ

ظاهرة «الشيعة فوبيا» أنتجت لنا مصطلحات «الانبعاث الشيعي» و«الهلال الشيعي» و«الغزو الشيعي»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في 2006 حاول أستاذ دراسات الشرق الأوسط ولي نصر المقيم في أميركا أن يشرح للأميركان بعضا من تعقيدات الشرق الأوسط، وكتب عن الانبعاث الشيعي The Shia Revival، الذي صدر لاحقا ككتاب حصل على انتشار واسع في الأوساط الغربية. وفي هذا الكتاب طرح نصر أن هناك عودة لظهور الشيعة على المسرح السياسي بشكل لم يشهده التاريخ من قبل. فالشيعة، بحسب ما كتبه نصر، يمثلون الغالبية في ايران وأذربيجان والعراق ولبنان والبحرين، إضافة الى أقليات شيعية مؤثرة في السعودية والكويت وأفغانستان والهند. هذا بالاضافة الى أن هناك شيعة زيديين في اليمن، وتفرعات من الشيعة في سورية وتركيا، إلخ.

وقد ذكر نصر في مقال نشره في عدد يوليو- أغسطس 2006 لمجلة «فورين أفيرز» ان «ادارة بوش قد ساعدت الغالبية الشيعية في العراق على إطلاق نهضة شيعية واسعة النطاق من شأنها قلب التوازن الطائفي في العراق والشرق الأوسط لسنوات قادمة».

هذا الشرح الذي قدمه ولي نصر ربما يشرح أيضا خلفية التصريحات التي نسبت إلى عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني خلال السنوات الماضية والتي تحدثت عن «الهلال الشيعي» الذي تقوده إيران للتأثير على مجمل السياسات في الشرق الأوسط، ما يهدد الوضع القائم حاليّا. ففي مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع الملك عبدالله الثاني في 24 يناير/ كانون الثاني 2007، وفي رده على مصطلح «الهلال الشيعي»، أجاب «عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، كان الحديث عن التحالفات السياسية، ولم أقصد التصنيف المذهبي بالمعنى، بل نحن ننظر إلى الأمور من زاوية ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها، ولا ننظر لها من زاوية تحقيق المصالح الضيقة.. والمسألة ليست مجرد شعارات بقدر ما نركز اهتمامنا على واقع وأخطار وتحديات كبيرة وعديدة تعيشها منطقة الشرق الأوسط برمتها في اللحظة الراهنة وتتهدد أمن ومستقبل شعوبها التي تعاني ومازالت من آثار الحروب والاقتتال واستعار العنف والاقتتال الطائفي، والتي كنا حذرنا منها ومن نتائجها وتداعياتها الخطيرة مرات عديدة».

هذه الشروحات لم تكن بمستوى تعقيدات الأحداث، لكنها غذّت التوتر الذي ساد في المنطقة، وهذا التوتر ازداد في فبراير 2006 بعد تفجير مرقد العسكريين في سامراء بالعراق، مما أدى الى حملات تطهير عرقي على أساس طائفي في عدد من المناطق العراقية.

ومن ثم جاءت الحرب الإسرائيلية على لبنان في يونيو 2006، التي أشعلت المشاعر العربية والاسلامية، وكان لصمود حزب الله 33 يوما أمام الهجوم الإسرائيلي سبب في صعود نجم هذا الحزب الشيعي. والوضع في لبنان لم يتوقف عند هذا الحد الى إن وصلت الحال في 2008 الى ما ينذر بتفجير أزمة داخلية انتهت الى انتصار عسكري حاسم لحزب الله، ومن ثم الدخول في معادلة سياسية عززت وجوده. وتبع ذلك محاولة للتصالح بين السلفيين وحزب الله، لكنها أحبطت بعد أن رأى فيها البعض اختراقا شيعيّا غير مقبول للجسم السني.

هذه الأحداث السياسية المتتالية تعطينا صورة أخرى لما قرأناه لاحقا في صحيفة «المصري اليوم» في 9 سبتمبر 2008 في مقابلة مع الشيخ يوسف القرضاوي. فقد رد الشيخ القرضاوي على سؤال «أيهما ترى أنه الأخطر والأكثر نفاذا: المد الوهابي أو المد الشيعي؟» بالقول: «في السنوات الأخيرة اشتعل الفكر الوهابي بقوة وكان له دعاة ومدعمون والعيب فيه هو التعصب له ضد الأفكار الأخرى وهو قائم على المذهب الحنبلي، ولكنهم لا يرون ولا يؤمنون إلا برأيهم فهم يعتبرون أن رأيهم صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب... أما الشيعة فهم مسلمون، لكنهم مبتدعون وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم مهيأون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة على التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السنية وخصوصا أن المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي، فنحن العلماء لم نحصن السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي لأننا دائما نعمل بالقول «ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين» وتركنا علماء السنة خاوين... للأسف وجدت مؤخرا مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة قبل ذلك عشرات السنوات أن يكسبوا مصريّا واحدا ولم ينجحوا، من عهد صلاح الدين الأيوبي حتى 20 عاما مضت ما كان يوجد شيعي واحد في مصر، الآن موجودون في الصحف وعلى الشاشات ويجهرون بتشيعهم وبأفكارهم. الشيعة يعملون بمبدأ التقية وإظهار غير ما بطن وهو ما يجب أن نحذر منه، وما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة وأن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي، وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو لأني وجدت أن كل البلاد العربية هزمت من الشيعة: مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها فضلا عن ماليزيا وأندونسيا ونيجيريا».

تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي نقلت السجال من مجال التحليل السياسي الى مجال العقيدة، وتداخلت المصالح والمطامح السياسية التي تحدث عنها آخرون، مع الحديث عن استراتيجية للتبشير الديني والغزو الشيعي داخل المجتمعات السنية.

ولكن لو دققنا فيما بين السطور فيما قاله الشيخ القرضاوي فإن سماحته يبني على تصورات ربما تحتاج الى مزيد من التدقيق على أرض الواقع. فإمكانات الدولة الايرانية أضعف من إمكانات دول أخرى في المنطقة تؤمن بنهج مختلف ولديها جهود أكبر في مجال عملها الديني التبليغي المخلوط بالسياسي. كما أن مراجع الدين الشيعة ليسوا أغنى من بعض المؤسسات المالية والجمعيات الإسلامية التي يمتلكها الخليجيون من أتباع الاتجاهات الدينية داخل المذهب السُّني، وهي اتجاهات لها نفوذ واسع داخل الحكومة والاقتصاد والمجتمع في عدد من الدول الإسلامية والعربية.

والغريب انه في الوقت الذي يتحدث الشيخ القرضاوي عن غزو شيعي لمجتمعات سنية، يتحدث شيعة البحرين وشيعة المنطقة الشرقية في السعودية عن خطط استراتيجية لتسنين مناطقهم التي عرفت بأنها شيعية منذ صدر الاسلام (إيران تحولت الى المذهب الشيعي قبل 500 سنة فقط). ولدى شيعة البحرين والسعودية القصص الكثيرة التي يتداولونها بهذا الشأن، وهذه الأحاديث تؤثر بشكل مباشر على المجريات السياسية، كما نشاهد ذلك بوضوح أكثر في البحرين.

في اعتقادي أن الحديث عن غزو شيعي للمجتمعات السنية في «مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها فضلا عن ماليزيا وأندونسيا ونيجيريا» كما ورد في تصريحات الشيخ القرضاوي، وكذلك الحديث عن غزو سني في البحرين وغيرها يعود في جذوره إلى حالة الضَّعف والاهتزاز التي وصلت اليها حالتنا العربية والإسلامية على المستوى الحضاري. ففي المناطق الصاعدة عالميا يتكاثر الحديث عن الحوار، والإندماج، وتعددية الثقافات، والانسجام، والسلم الأهلي... بينما يكثر الحديث عندنا عن هيمنة طائفة أو فئة إثنية أو قبلية على حساب أخرى، وقد ازداد الحديث من الهيمنة السياسية إلى الغزو والتبشير الديني - المذهبي، وكأن مجتمعاتنا أصبحت هشَّة من الناحية الفكرية والدينية ولايحتاج الأمر إلى القضاء على هويتها سوى مليارات من الدولارات بيد دولة أو جهة دينية تنثرها على هذا المجتمع أو ذاك لتحويله.

يقول ولي نصر في تحليلاته إن الطائفية ستلعب دورا محوريّا ومتزايد الأهمية في رسم الخطوط السياسية وتحديد التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط، وأن هذا لن يتوقف فقط على كيفية تشكيل الدُّول والجهات الفاعلة ولكن سينتشر إلى المواقف السياسية والتصرفات اليومية للناس العاديين، على غرار ما حدث في العراق.

ولكننا نعلم أن التعقيدات في العراق تختلف عن لبنان وتختلف عن كل بلد آخر، وتختلف عن فلسطين... فإيران متهمة بمساندة حركة حماس التي تنتمي إلى تيار الإخوان المسلمين، وهذا ربما يقلق الاستراتيجيين الغربيين الذين يرون في ذلك تعاظما للدور الإيراني الذي لا يحتاج الى تمدد شيعي في فلسطين، مثلا، لكي يمارس نفوذه.

ايضا، لو نظرنا الى دولة شيعية قريبة من إيران، وهي أذربيجان، فسنجد أن العلاقات بين البلدين لا يمكن وصفها بالاستراتيجية، إذ إن المصالح القومية هي التي تحكم العلاقات... فلو كان هناك مخطط لغزو شيعي وتكوين هلال شيعي فإن الأجدى بحكومتي إيران وأذربيجان أن يضع كل منهما يده بيد الآخر من أجل ذلك. كما أن الحركات والاتجاهات الشيعية داخل العراق ليست متناغمة مع إيران في كثير من القضايا، بل إن هناك اختلافا واضحا بين رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، مثلا، والإيرانيين بشأن اقتسام شط العرب بحسب التفسيرات المختلفة لاتفاقية الجزائر التي وقعت بين البلدين في 1975. إضافة الى كل ذلك، فإن المرجعية الدينية في العراق لديها آراء فقهية مختلفة عن المرجعية الدينية - السياسية في إيران بشأن مفهوم محوري بالنسبة يتعلق بالحكم، وأقصد بذلك نظرية ولاية الفقيه.

أعتقد أن التحليلات التي انطلقت من جهات عدة، سواء كانت تلك التي تحدثت عن «الانبعاث الشيعي»، أو «الهلال الشيعي» أو «الغزو الشيعي» متأثرة بظاهرة الـ «شيعة فوبيا»، وهذه الفوبيا تحتاج إلى معالجة متأنية بين المفكرين والفاعلين بعيدا عن الحشد المشحون بالكراهية الذي نرى انتشاره بسبب كلمات قد تصدر في مناسبة مَّا ولكنها تخرج من إطارها لتهدد أمننا النفسي الذي من دون شك يؤثر على بيئتنا السياسية غير الهادئة

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً