العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ

هوامش على البيان الختامي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تنظيم مؤتمر لمناقشة «عاشوراء»، يحضره هذا العدد من المهتمين واللجان والجمهور، دليل حرص وتنبه لأهمية هذا الموسم السنوي؛ لاستعادة تفاصيل إحدى أكثر فترات تاريخنا دموية وعنفا، تركت ومازالت تترك آثارها على حركة الرسالة الإسلامية.

عاشوراء لم تكن حدثا تاريخيا عابرا، بل زلزالٌ أصاب الأمّة الإسلامية، التي تحوّل مشروعها الحضاري القائم على الشورى، إلى ملك امبراطوري عضوض. ولم يكن من السهولة إحداث هذا الانقلاب إلاّ بفعل دموي في حجم كربلاء. وعلى ضفاف كربلاء نشأت مدرسة تنهل منها الأجيال عِبَرا وأخلاقا وفضائل، ومجدا مؤثلا.

مثل هذا الحدث التاريخي، يستحق إحياء أفضل من الموجود، فهناك طائفة تستهين به كجريمة قتلٍ تُسجّل ضد مجهول، وهناك طائفة حوّلته إلى سواد دائم، ومن بينهما ضاعت ملحمة كربلاء. وحتى في هذا العصر، حيث أتيحت إمكانات كبرى؛ لتقديم هذه الملحمة الخالدة للعالم، حوّلنا الفضاء عن حسن نيّةٍ، إلى مأتمٍ دائمٍ على الهواء.

البيان الختامي للمؤتمر تضمن توصيات ورش العمل، التي جاء أكثرها أفكارا عامّة، وعندما اقترب من القضايا الحسّاسة اقترب منها على استحياء أو حذر. ولا يمكن لوم أحد، فالعصفور أكبر من الفخ، والواقع أكبر وأكثر تعقيدا من التوصيات. فأنت أمام مجتمع متحرّك، فيه تيارات ورؤى وأفكار وقناعات، يصل بها التفاعل أحيانا إلى حد التناقض والصدام. فالبعض «يتصوّر أن عملية التطوير قد تلغي التراث»، كما جاء في البيان، ما يدفع إلى حالة من التقاطع بين دعاة التطوير والمحافظة.

البيان أشار إلى «الحاجة إلى أنماط الإعلام المتقدّمة في زمننا؛ لأنها... تختصر الزمن وتقرب المسافات»، ولكن كما أنّ مَنْ يملك يحكم، فإنّ مَنْ يملك يدير الفضائيات. هذه هي المعادلة باختصار.

عاشوراء ليست دارا فنية صغيرة أو جمعية ثقافية محدودة، وإنّما هي موسمٌ شعبيٌ للإحياء الديني مفتوح على كلّ الفئات. ومن الطبيعي أنْ ترتفع أصوات بضرورة تطوير الخطاب المنبري، وعرض السيرة الحسينية الحقيقية الناصعة، بعيدا عمّا شابها من تشويهات وتحريفات. وسمعنا أصواتا تدعو للاهتمام بالمرأة التي تتعرض لموجة تغريبية شرسة؛ وببرامج الأطفال والناشئة، في وقتٍ تراجع دور الأسرة والمدرسة التربوي، لصالح الفضائيات والشبكة العنكبوتية.

بعض التوصيات كانت تعبّر عن اهتمام وتطلعات للأفضل (تنمية المواهب الشعرية، والمسرحية والإنشاد وتطوير الكوادر الفنية...)؛ وبعضها يحاول أنْ يضع قواعد وضوابط لما هو موجود (ثورة الفيديوكليبات هزيلها والسمين)؛ وبعضها يعبّر عن آمال أكبر مما يتيحه الظرف، (إعداد ممثلين ومخرجين أصحاب التزام وكفاءة، وكتابة نصوص مسرحية موثقة تاريخيا...). وكما قلت: العصفور أكبر من الفخ.

البعض يقترح التركيز على موضوع محدّد كلّ عام لمعالجته، والتركيز عليه كأولوية، وهي وجهة نظر قيّمة، وإنْ كانت تزاحمه موضوعات أخرى كلّها تستحق الاهتمام، فأنت في مجتمع متحرك، والقضايا الملحة لا تحتمل التأجيل أو الانتظار 12 شهرا. فمثلا، التسيّب في عمل المجسّمات التي تصوّر أهل البيت (ع) في هيئاتٍ مزريةٍ على قارعة الطرق، وهو موضوعٌ مسكوتٌ عنه من قبل علماء الدين، حتى يصبح مادة لتوهين الدين وإهانة لأعظم بيوتات المسلمين.

عاشوراء بحاجةٍ إلى طرح إعلامي متطوّر ومواكب للعصر، وهذا النهر العظيم بحاجةٍ إلى تنقية وإصلاح من الداخل؛ ليعرف العالم هذه الملحمة الإنسانية الخالدة الخضراء بعد أنْ خنقناها ولففناها بالسواد

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2244 - الإثنين 27 أكتوبر 2008م الموافق 26 شوال 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً